حركة طالبان الباكستانية تعتمد الابتزاز وسيلة لتمويل أنشطتها

مينغورا (باكستان) - كان نائب يتناول الشاي مع ناخبين في يوليو ضمن دائرته الانتخابية في المنطقة القبلية شمال غرب باكستان، حين ارتجّ هاتفه لدى تلقيه اتصالا من حركة طالبان لمطالبته بـ”التبرع” بأموال.
وجاء في الرسالة النصيّة التي تنطوي على تهديد مبطن وأرسلها وسيط لحساب حركة طالبان باكستان “نأمل ألّا تخيب ظننا”.
وتلتها رسالة ثانية سريعا حذرت من أن “رفض تقديم دعم مالي سيجعل منك مشكلة. نعتقد أن رجلا حكيما سيفهم ما نعنيه”.
ومنذ أن سيطرت حركة طالبان على السلطة في كابول خلال أغسطس 2021، تزايدت محاولات طالبان الباكستانية على الحدود مع أفغانستان لابتزاز الناس من أجل تحصيل المال.
وحركة طالبان باكستان هي جماعة منفصلة عن حركة طالبان الأفغانية لكنها مدفوعة بالعقيدة نفسها وبينهما تاريخ مشترك، وقد اشتدت عزيمتها بعد سيطرة الحركة الأفغانية على البلد المجاور خلال العام الماضي.
طالبان باكستان بدأت تستعيد قوتها في صيف 2020 غير أن التحول الحقيقي حصل إثر عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان
وأُرغم النائب، الذي طلب عدم كشف اسمه، منذ الصيف على دفع خوّات لطالبان الباكستانية بلغت حتى الآن 1.2 مليون روبي (5200 يورو).
وأوضح أن “الذين لا يدفعون يواجهون العواقب؛ أحيانا يلقون القنابل اليدوية على أبواب منازلهم، وأحيانا أخرى يطلقون عليهم النار”.
وتابع “معظم النخب تدفع الخوّة. بعضها يدفع الكثير، وبعضها الآخر يدفع القليل، لكن لا أحد يصرّح بذلك، كلّهم يخشون على حيواتهم”.
وتأسست حركة طالبان الباكستانية عام 2007 وأنشأها جهاديون باكستانيون متحالفون مع تنظيم القاعدة، قاتلوا إلى جانب طالبان في أفغانستان خلال تسعينات القرن الماضي قبل أن يعارضوا دعم إسلام أباد للأميركيين بعد اجتياحهم البلد المجاور عام 2001. ومعظم عناصر الحركة من إتنية الباشتون، على غرار حركة طالبان الأفغانية.
وتشكل المناطق القبلية في شمال غرب باكستان على الحدود مع أفغانستان مهد طالبان باكستان التي قتلت في أقل من عقد عشرات الآلاف من المدنيين ورجال الأمن الباكستانيين.
وبلغت ذروة نفوذها في الفترة الممتدة من 2007 إلى 2009 حين كانت تسيطر على وادي سوات على مسافة 140 كيلومترا شمال إسلام أباد، فارضة فيه تفسيرها المتشدد للشريعة.
وبعد تراجع قوتها على وقع قصف المسيّرات الأميركية والانقسامات الداخلية وانضمام عناصر منها إلى تنظيم الدولة الإسلامية، طُردت الحركة من المناطق القبلية خلال عملية واسعة النطاق نفذها الجيش الباكستاني عام 2014.
وبدأت طالبان باكستان تستعيد قوتها في صيف 2020 بعد أن انضمت إليها فصائل منشقة، غير أن التحول الحقيقي حصل إثر عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان.
وأوضح المحلل الأمني الباكستاني امتياز غول أن أفغانستان أصبحت منذ ذلك الحين “ملاذا مفتوحا” لمقاتلي الحركة بعدما كان التحالف بقيادة الولايات المتحدة يطاردهم فيها.
وقال “لديهم الآن حرية الحركة الكاملة” في البلد المجاور، مضيفا “هذا من الأسباب التي أدت إلى تزايد هجمات حركة طالبان باكستان”.
ولئن كانت هذه الهجمات أقل دموية من الماضي وموجهة بصورة أساسية ضد قوات الأمن، إلا أنها ازدادت بنسبة 50 في المئة منذ أغسطس 2021.
بعض البرلمانيين تعرضوا لهجمات بعدما رفضوا دفع أموال، فيما توقف آخرون عن زيارة دوائرهم الانتخابية خشية التعرض لاعتداءات
وقال الناشط في سوات أحمد شاه “إنهم يعاودون اللعبة ذاتها كما من قبل: اعتداءات محددة الهدف وتفجيرات بالقنابل وعمليات خطف واتصالات هاتفية لابتزاز الناس من أجل تحصيل أموال”.
وعمليات الابتزاز هي وسيلة تمويل تعتمدها الحركة، كما تسمح لها بتقويض ثقة السكان في المؤسسات المحلية. ويقول النائب ناصر محمد إنها تطال 80 إلى 95 في المئة من سكان المنطقة الميسورين.
وتعرض بعض البرلمانيين لهجمات بعدما رفضوا دفع أموال، فيما توقف آخرون عن زيارة دوائرهم الانتخابية خشية التعرض لاعتداءات.
وقال محمد إن حركة طالبان باكستان لديها “نظامها الخاص بالثواب والعقاب، أقامت حكومة بديلة، فكيف يمكن للناس مقاومتها؟”.
وثمة خلافات قديمة بين حركتي طالبان الأفغانية والباكستانية. وأكدت طالبان أفغانستان مرارا أنها لن تسمح لمجموعات إرهابية بأن تنشط على أراضيها.
غير أن أول مؤشر على أن محاولة الابتزاز متأتية من طالبان باكستان هو رقم المتصل الذي يبدأ برمز أفغانستان 0093، ثم تليه رسالة نصيّة تبدد أي التباس، أو رسالة صوتية بلغة الباشتون باللكنة الباكستانية.