حركة النهضة وحلفاؤها يثيرون فزاعة حل الأحزاب لاستدراج القوى المتحفظة للانضمام إليهم

يبدو المشهد التونسي مفتوحا على سيناريوهات خطيرة في ظل الحملة التي تشنها حركة النهضة وحلفاؤها على الرئيس قيس سعيد، والتي تستند إلى جملة من المرتكزات من بينها إثارة خوف القوى الوطنية والسياسية من المسار الحالي عبر توظيف فزاعة حل الأحزاب وشن اعتقالات في صفوف قياداتها.
تونس - تعمل حركة النهضة وحلفاؤها على استقطاب باقي الطيف السياسي التونسي المتردد أو المتحفظ للانضمام إليها، وذلك في تمشّ يستهدف زيادة الضغط على الرئيس قيس سعيد، مع استشعارهم بقرب إعلان الرئيس عن قرارات جديدة تستهدفهم.
وتقول أوساط سياسية تونسية إن الحركة الإسلامية وباقي القوى الحليفة المنضوية ضمن ما يسمى بـ”جبهة الخلاص” يرفعون اليوم فزاعة “حل الأحزاب” واعتقال المعارضين، بغرض إثارة خوف باقي القوى السياسية التي لا يزال بعضها يدعم مسار الخامس والعشرين من يوليو، فيما البعض الآخر يقف مترددا بانتظار اتضاح الرؤية حول الحوار الوطني الذي أعلن عنه الرئيس سعيد.
ومنذ إعلان الرئيس التونسي عن حزمة من الإجراءات لتصحيح المسار في الخامس والعشرين من يوليو الماضي تسوق حركة النهضة التي يقودها رئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي إلى أن “الديمقراطية الناشئة في تونس في خطر”، وأن البلاد تتجه نحو الحكم الفردي.

أحمد نجيب الشابي: الرئيس يتجه إلى حلّ الأحزاب وإيقاف قياداتها
وترى الأوساط أن الحركة الإسلامية وحلفاءها ينتهجون سياسة تصعيدية تقوم على ضرب هيبة الدولة في الخارج وإضعافها، بالتوازي مع مساع لخلق فجوة بين الشارع التونسي ورئيس الجمهورية، وبين الأخير والقوى السياسية.
وهاجم سعيد في تصريحات أدلى بها ليل الخميس خلال زيارة أداها إلى مقر وزارة الداخلية “جبهة الخلاص” قائلا “أي خلاص والحال أن تونس تريد التخلص منهم، يبثون الإشاعات المكذوبة لإدخال البلبلة في نفوس التونسيين”. وأضاف الرئيس التونسي “يروجون لأخبار زائفة عن اعتقالات. من أين لهم ذلك؟ ليس من عاداتنا الاعتقال من أجل الفكر”.
وكان أحمد نجيب الشابي رئيس الهيئة السياسية لحزب الأمل وصاحب ما يسمى بمبادرة “جبهة الخلاص”، صرح بأن الرئيس سعيد يتجه نحو إعلان حل الأحزاب السياسية وتوقيف قياداتها ووضعهم تحت الإقامة الجبرية.
وتراهن النهضة على بعض الوجوه “التقدمية” في محاولة للإيحاء بأن جبهة المعارضة لا تقتصر عليها، بل تشمل مختلف التوجهات، وأيضا في محاولة لإغراء باقي الأحزاب بالانضمام إلى مشروع الإطاحة برئيس الجمهورية، ومن بين هذه الوجوه الشابي الذي تصدر في الفترة الأخيرة جبهة المعارضة.
وغاب الشابي عن المشهد في السنوات الأخيرة، بعد أن فشل في تحقيق طموحه السياسي بتولي أحد المناصب العليا في البلاد، لكنه عاد مجددا بعد إسقاط المنظومة السابقة، على أمل تزعم المشهد مجددا، وإن اقتضى ذلك التحالف مع التيار الإسلامي الذي يختلف معه فكريا.
وقال الشابي في مؤتمر صحافي عقده في العاصمة تونس إنه “أراد إعلام الرأي العام بهذا الخبر (توجه سعيد لحل الأحزاب) الذي يضرب مكتسبات الثورة التونسية”.
وأضاف “من المؤشرات التي تعزز هذا الخبر هو الاستعداد الأحد القادم للقيام بتحركات (مظاهرات مرتقبة لأنصار قيس سعيد) سيتم من خلالها استهداف مقرات الأحزاب وبناء على ما سيحدث من اشتباكات سيتم حل الأحزاب وإيقاف قياداتها”.
ويعتزم أنصار الرئيس التونسي تنظيم “مظاهرات مساندة للرئيس وللمطالبة بالمحاسبة” الأحد المقبل. ولفت الشابي إلى أن “سعيّد كان سيُعلن عن حل الأحزاب خلال الخطاب الذي ألقاه ليلة عيد الفطر”، معتبرا أن “التحركات التي ستقع الأحد ستكون انعكاسا للخطاب التقسيمي لقيس سعيد”.
ويرى مراقبون أن الرئيس التونسي لا يستطيع حل الأحزاب لاعتبارات قانونية وسياسية، باستثناء تلك التي يثبت ارتكابها لتجاوزات خطيرة تمس الأمن القومي للبلاد، مشيرين إلى الرئيس أتيحت له أكثر من فرصة للإقدام على هذه الخطوة لكنه لم يقم بذلك.
ويستدرك المراقبون بالقول إنه على الرغم من ذلك فإن الرئيس التونسي مطالب بتوجيه رسائل طمأنة صريحة للأحزاب الوطنية، التي تجد اليوم نفسها في موقف صعب، في ظل عزوف الرئيس عن التعاطي معها، وهي التي كان لها دور رئيسي في الوقوف في وجه السلطة الحاكمة طيلة العشرية الماضية.
ويوضح المراقبون أنه من غير الممكن بناء جمهورية جديدة دون مشاركة فاعلة لمختلف القوى الوطنية، من منظمات وأحزاب ومجتمع مدني، مشددين على أن وضع جميع القوى السياسية في سلة واحدة لا يخدم البلاد، بل العكس تماما فإنه يصب في صالح خطط حركة النهضة وحلفائها. وأعلن الحزب الدستوري الحر، الذي يشكل أحد أبرز القوى السياسية على الساحة التونسية، الجمعة عن رفض وزارة الداخلية السماح له بتنظيم مسيرة نحو قصر قرطاج في الخامس عشر من مايو الجاري.
وقال الحزب في بيان له، إنه تم تحذيره من مغبة تنظيم هذه المسيرة، مؤكدا امتناع المصالح الأمنية عن توجيه مراسلة كتابية للممثلة القانونية للحزب تتضمن الرفض كما لم توجه وزارة الداخلية ولا والي تونس أي توضيح لرئيسة الحزب عبير موسي.
وعبر الدستوري الحر عن استنكاره لتعمد أصحاب السلطة إدارة البلاد بموجب التعليمات الشفاهية وأدان عدم احترام المسؤولين للإجراءات القانونية المستوجبة وندد بتعسف الإدارة الممنهج تجاهه. واعتبر ذلك تكريسا للفساد وضربا لواجب الحياد المفروض على المصالح الأمنية والإدارية.
واستهجن الحزب ما اعتبره التضييق المستمر على تحركاته وعرقلة نشاطه في أكثر من مناسبة رغم التزامه بالتراتيب القانونية مما يمثل اعتداء صارخا على حرية التنظم والحق في التعبير.
منذ إعلان الرئيس التونسي عن حزمة من الإجراءات لتصحيح المسار تسوق حركة النهضة إلى أن "الديمقراطية الناشئة في تونس في خطر"، وأن البلاد تتجه نحو الحكم الفردي
وأدان سياسة المكيالين التي تعتمدها حكومة نجلاء بودن من خلال عدم تسجيل أي رفض لتحركات المجموعات المساندة للرئيس سعيد وفتح الطريق أمامها وتسهيل المشاركة في التظاهرات التي تنظمها هذه المجموعات في حين تستميت في مضايقة الحزب الدستوري الحر وإخراس صوته وحرمانه من حقه في ممارسة عمله المنظم.
وكان الحزب الحر الدستوري أعلن قبل فترة عن تنظيم مسيرة للتنديد بالمسار الحالي، ورفضه للاستفتاء المقرر إجراؤه بشأن طبيعة النظام السياسي المقبل.
ويتخذ الحزب الدستوري موقفا معارضا لسياسات الرئيس التونسي، وأيضا مناهضا لحركة النهضة الإسلامية التي يحملها المسؤولية الأولى عن التدهور الحاصل في المشهد التونسي.
ونجح الحزب خلال السنوات الأخيرة في اكتساب شعبية واسعة كما أنه تجاوز الصد الذي كان يلاقيه من بعض المنظمات الوطنية على غرار الاتحاد لعام لتونسي للشغل، الذي بات يلتقي معه في نقاط كثيرة على مستوى كيفية إدارة الأزمة في البلاد.
وحذر الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري مؤخرا من أن هناك خطرا حقيقيا جاثما من جميع الجوانب، خاصة في ما يتعلق بحالة الارتباك والتردد، والمسار غير الواضح الذي تعيشه البلاد.
وأضاف الطاهري في تصريحات صحافية، أن الاتحاد لن يشارك في ما وصفها “بجريمة قتل” الأحزاب، وسيسعى إلى تفادي وصول البلاد إلى وضع أسوأ. ودعا إلى ضرورة الوضوح، مشيرا إلى أن إطلاق أي حوار يتطلب التشاور والمصارحة.