حركة التغيير تستبق انتخابات كردستان العراق بحجز مكان في معارضة السلطة

حركة التغيير التي مثّلت على مدى العشرية الماضية طرفا فاعلا في معادلة الحكم الذاتي بإقليم كردستان العراق تستعد لمواصلة مسار انحدارها السريع خلال الانتخابات المرتقبة في الإقليم. وسارعت في ضوء ذلك إلى حجز مكان لها في معارضة السلطة أملا في إعادة ترميم جماهيريتها المنهارة بعيدا عن أعباء الحكم ومسؤولياته.
السليمانية (العراق) - لم تنتظر حركة التغيير الانتخابات البرلمانية المقررة في إقليم كردستان العراق للعشرين من الشهر الجاري، لتبادر بشكل استباقي إلى حجز مكان لها في المعارضة استنادا إلى توقّعات قيادات الحركة بتحقيق نتائج هزيلة في الاستحقاق الانتخابي، نظرا للوضع الصعب الذي أصبحت حركتهم تعيشه والذي دفعها إلى حافّة التفكّك بسبب استشراء الصراعات داخلها والتآكل الحادّ في شعبيتها.
وأعلنت الحركة المسماة “كوران” بالكردية الانسحاب من حكومة الإقليم ومن الحكومة المحلية في السليمانية إضافة إلى سحب الموظين التابعين لها من إدارات عدد من الأقضية والنواحي.
وجاء ذلك بمثابة محاولة متأخرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعة الحركة وما تبقى من شعبيتها قُبيل الانتخابات، كما مثّل صدى لتوتّر العلاقة بين قياداتها والقوى المشاركة في الحكومة وتحديدا بالحزبين الحاكمين حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني.
لكنّ التوتّرات لا تقتصر على ذلك بل تمتّد إلى داخل الحركة التي تشهد صراعات حادّة بين أجنحتها لم تهدأ منذ رحيل زعيمها ومؤسّسها السياسي الكردي الكبير نوشيروان مصطفى.
ولم يقتصر الصراع فقط على إرثه السياسي بل شمل أيضا إرثه المادي حيث كان لاكتشاف قيامه قبل وفاته بتوزيع ممتلكات الحركة التي تمثل ثروة طائلة وتحتوي على معامل وعقارات وشركات تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار أسوأ الأثر على سمعة الحركة ومصداقيتها لدى جماهيرها.
وقادت الصراعات إلى شلل قيادي في حركة التغيير التي تعذّر اختيار قيادة لها متوافق عليها من قبل جميع الأطراف المتصارعة.
وعقد عدد من أعضاء حركة التغيير في أوائل سبتمبر الماضي اجتماعا طارئا أكدوا خلاله على ضرورة إجراء الانتخابات الداخلية لاختيار الأمانة العامة والمجلس التنفيذي للحركة محذرين من التجاوز على الدستور الداخلي لها في إسناد أي منصب أو مهمة خارج الضوابط التي يقرها مجلسها الوطني.
وأصدر المجتمعون عقب الاجتماع بيانا قالوا فيه “استنادا إلى قرارات المؤتمر الوطني الثاني ودستور حركة التغيير الداخلي، يتوجب إتمام الانتخابات الداخلية في أسرع وقت، على أن تجرى الانتخابات الخاصة باختيار الأمانة العامة والمجلس التنفيذي ومنسق الحركة كحزمة واحدة، وأي شخص يتم تعيينه أو تكليفه بمهام دون احترام الدستور سيتم رفضه من قبل المجلس الوطني”.
وأشار البيان إلى أن غرفة الانتخابات الداخلية في الحركة تم تكليفها بتحديد موعد لإجراء انتخابات أعضاء الأمانة العامة والمجلس التنفيذي ومنسق الحركة.
وأواخر الشهر ذاته استخدمت قيادات في حركة التغيير العناصر المسلحة التابعة لها لمنع إقامة مراسم كان من المقرر عقدها لتعيين دانا أحمد مجيد كمنسق جديد لحركة التغيير.
وقام جيا ابن نوشيروان مصطفى بتوجيه قواته إلى مقر الحركة وأغلق مدخله الرئيسي باستخدام حواجز خرسانية.
وقال جيا مصطفى في رسالة وجهها إلى غريميه إن مقر الحركة الذي يضم أيضا قبر مؤسسها ليس ملكا لهما وأنّ عليهما إقامة مراسم تسليم المسؤوليات في مكان آخر.
وكان الصعود السريع لحركة التغيير منذ تأسيسها في سنة 2009 قد أوحى بميلاد طرف ثالث قوي في معادلة الحكم في إقليم كردستان العراق التي ظلت لفترة طويلة رهينة ثنائية حزبي بارزاني – طالباني، حيث تمكنت الحركة بحصولها في انتخابات سنة 2013 على 24 مقعدا في برلمان إقليم كردستان العراق متقدّمة حتى على حزب الاتحاد الوطني الذي انشّق عنه زعيمها ومؤسسها من القفز إلى مرتبة القوة السياسية الثانية في الإقليم، فضلا عن مشاركتها في انتخابات البرلمان العراقي وحصولها على تمثيل جيّد داخله.
الحركة أعلنت الانسحاب من حكومة الإقليم ومن الحكومة المحلية في السليمانية إضافة إلى سحب الموظين التابعين لها من إدارات عدد من الأقضية والنواحي
لكن الانتخابات التي أجريت في 2018 سنة واحدة بعد وفاة نوشيروان مصطفى نسفت ذلك الإنجاز حيث لم تحزر حركة التغيير سوى 12 مقعدا من مجمل مقاعد برلمان الإقليم البالغ عددها آنذاك 111 مقعدا، وذلك في انعكاس آلي لقضية ممتلكات الحركة وتأثيراتها على شعبيتها.
وامتدت الخسائر إلى تمثيل الحركة في البرلمان الاتّحادي حين لم يتمكّن مرشحوها لانتخابات سنة 2021 من الحصول على أي مقعد بعد أن كان قوام كتلتها البرلمانية تسعة مقاعد.
وبعد مشاركة حركة التغيير لعدّة سنوات في حكومة الإقليم وإدارة مؤسساته بما في ذلك ترؤسها لبرلمانه باتت قيادات الحركة ترى في الانسحاب من الحكومة والانضمام إلى المعارضة أنسب وسيلة لمحاولة ترميم شعبيتها المتآكلة وإنقاذها من الانقراض بالنأي بها عنّ أتون الحكم ومسؤولياته.
وطلبت قيادة الحركة من وزرائها ومسؤوليها في هذه المؤسسات تقديم استقالاتهم والالتزام بقرار القيادة. وأصدر العديد من المسؤولين في حركة التغيير بيانات رسمية يؤكدون فيها التزامهم بهذا القرار وانسحابهم من مناصبهم الحكومية.
وجاء ذلك في أوج احتدام الحملة الانتخابية استعدادا لانتخابات العشرين من الشهر الجاري والتي بلغت درجة غير مسبوقة من الحرارة جرّاء احتدام المنافسة بين الحزبين الحاكمين في الإقليم الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني وتحوّلها إلى صراع مفتوح يكاد يخرج عن الضوابط بسبب المواقف الحادّة لكل حزب من الحزب الآخر.
ويبدو قرار سحب ممثلي حركة التغيير من مؤسسات الإقليم بمثابة انسحاب مؤقّت للحركة من المنافسة على السلطة وإفساح المجال للغريمين الكبيرين حزب بارزاني وحزب طالباني لاستكمال صراعهما والنظر في ما يمكن للحركة أن تجنيه من وراء ذلك.
التوتّرات تمتّد إلى داخل الحركة التي تشهد صراعات حادّة بين أجنحتها لم تهدأ منذ رحيل زعيمها ومؤسّسها نوشيروان مصطفى
وقال دانا أحمد مجيد المنسق العام للحركة “نحن نراقب بعين النقد مشاركتنا في الحكومة ونعتبرها تجربة غير ناجحة وندعو أنصار التغيير إلى التسامح”. ولفت في تصريحات بثها في شريط فيديو إلى أن “الحركة بصدد إطلاق عملية مراجعة داخلية عميقة على أمل أن تعود إلى مكانتها المستحقة”.
وتعهّد بـ”فتح صفحة جديدة من العمل السياسي من أجل خدمة المواطنين” معربا عن أمله في أن تتمكن قيادات حركة التغيير “بدعم الشعب وأنصارها من إعادتها إلى مكانتها السياسية في الإقليم والعراق والمنطقة”.
ووصف مجيد في تصريحاته حال المعارضة في الإقليم بالمضطربة قائلا إن الحركة ستعود إلى دورها كقوة معارضة فعالة، وستركز جهودها على تحقيق المصلحة العامة من خلال الديمقراطية والانتخابات.
وبشأن مخطط حركته لمرحلة ما بعد الانتخابات، قال “لن نشارك في الحكومة مهما كانت نتائج الانتخابات المقبلة، إلا عندما نكون قوة برلمانية قادرة على إحداث التغيير من موقع المعارضة”.
واسترعت استقالة هفال أبوبكر محافظ السليمانية العضو في حركة التغيير الاهتمام بشكل استثنائي كونها مثلت أيضا نأيا بنفسه عن الصراعات الحادّة التي تعتمل داخل حركة التغيير، حيث قال في بيان شرح من خلاله حيثيات استقالته من المنصب المهمّ إنّه سيواصل العمل بصفته تكنوقراطا محايدا حتى يتم البت في طلبه، أو يتم تسليم المنصب إلى خليفة مناسب وفقا للإجراءات القانونية.
وأوضح في بيانه أنه قدم استقالته بشكل رسمي منذ سبتمبر 2021 ولم تُقبل إلى غاية الآن، ما دفعه إلى إعادة تقديم الطلب مرة أخرى في فبراير 2022، ورغم ذلك لم يتم اتخاذ قرار نهائي بشأنه إلى حدّ الآن.
وأشار هفال إلى أن تنحيه جاء بعد تأييد واسع من أغلب القوى السياسية والهيئات الحكومية، بما في ذلك وزارة الداخلية ورئاسة مجلس الوزراء في إقليم كردستان.
وبيّن أنه تسلم منصبه في يناير 2017 بناء على توجيهات من الراحل نوشيروان مصطفى مؤسس حركة التغيير بهدف تقديم خدمات مهنية بعيدة عن الحزبية والتفرقة.