حرب مأرب تضع النازحين على طريق التشرّد مجدّدا

مأرب (اليمن) - تنطوي الحرب الدائرة حاليا في محافظة مأرب شرقي اليمن، بالإضافة إلى تأثيراتها المحتملة على خارطة السيطرة الميدانية في البلاد، وتبعات ذلك على جهود السلام التي تبذلها الأمم المتّحدة وقوى دولية، تبعات خطرة على الوضع الإنساني المتدهور في البلد الذي أصبح موطنا لأسوأ أزمة إنسانية في العالم.
ويورد سامي مجدي في تقرير لوكالة أسوشيتد برس قصّة محمد علي صالح، الذي فرّ من الحرب الأهلية اليمنية الطاحنة مع زوجته الحامل وأطفالهما الثلاثة إلى محافظة مأرب العام الماضي، للبحث عن ملجأ لهم في منطقة كانت مستقرة بعض الشيء بسبب حقول النفط المجاورة التي خضعت للحماية. لكن الحرب الآن تتجه نحوهم مرة أخرى.
ويضغط المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران لانتزاع المحافظة من الحكومة المعترف بها دوليا، في محاولة لاستكمال سيطرتهم على النصف الشمالي من اليمن. وإذا نجحوا في مهمتهم سيكونون قد حققوا نصرا استراتيجيا في أعقاب انتهاء هذه المعركة المتعثرة التي استمرت لما يقرب من سبع سنوات.
ويرتعب صالح وعائلته من أصوات القصف وتبادل إطلاق النار. وقال من أحد مخيمات النازحين الذين فروا من العنف “إنه كابوس نعيشه كل ليلة”.
وشن الحوثيون هجومهم على مأرب في فبراير الماضي. وجاءت هذه الحملة الجديدة بالإضافة إلى زيادة هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيرة على السعودية، في الوقت الذي تحاول فيه إدارة الرئيس الأميركي بايدن استئناف المحادثات بشأن إنهاء الصراع في اليمن أفقر دولة في المنطقة العربية، والتي دخلت في أزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم.
كما يهدد هجوم الحوثيين في مأرب بإشعال المزيد من القتال في أماكن أخرى من اليمن. فقد كثفت القوات المتحالفة مع الحكومة بمساعدة التحالف الذي تقوده السعودية مؤخرا هجماتها في عدّة جبهات، في محاولة لإجبار الحوثيين على تشتيت قواهم وجعلهم أكثر ضعفا.
وقال المحلل السياسي عبدالباري طاهر إن هجوم مأرب “يعتبر معركة مصيرية بالنسبة للحوثيين، ستحدد مستقبل قدرتهم على الحكم في شمال اليمن”.
وتضم مأرب مصفاة نفط رئيسية تنتج 90 في المئة من غاز البترول المسال، الذي يستخدم في الطهي والتدفئة في جميع المنازل اليمنية تقريبا. وتعاني العديد من المناطق في جميع أنحاء البلاد حاليا من نقص حاد في الوقود.
ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، قد يؤدي القتال في مأرب إلى نزوح 385 ألف شخص على الأقل. وأشارت أوليفيا هيدون من المنظمة إلى أن أربعة مخيمات للنازحين في المحافظة هُجرّ سكّانها منذ بدء الهجوم.
ويشهد اليمن حربا أهلية منذ عام 2014 عندما سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء والجزء الأكبر من مناطق شمال البلاد، مما أجبر حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي على الفرار إلى الجنوب ثم إلى السعودية.
ودخل التحالف الذي تقوده السعودية وبدعم من الولايات المتحدة في ذلك الوقت، الحرب بعد أشهر لمحاولة إعادة هادي إلى السلطة. وعلى الرغم من الحملة الجوية والقتال البري الذي لا يتوقف، فقد وصلت الحرب إلى طريق مسدود مما أسفر عن مقتل حوالي 130 ألف شخص وتسبب في حدوث أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وسحبت إدارة بايدن مؤخرا بشكل رسمي دعمها للتحالف، لكنها قالت إن الولايات المتحدة ستواصل تقديم الدعم للسعودية في دفاعها عن أراضيها ضد هجمات الحوثيين.
وكان الهجوم الأخير من بين أعنف الهجمات، حيث قام الحوثيون بتحريك أسلحة ثقيلة باتجاه مأرب. لكنهم لم يحرزوا بعد تقدما كبيرا وسط مقاومة شديدة من القبائل المحلية والقوات الحكومية، بمساعدة الضربات الجوية من التحالف.
وفي نفس الوقت يقترب القتال من المدنيين ومخيمات النزوح. وقد قصفت قوات الحوثي مدينة مأرب وأطرافها بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة محملة بالمتفجرات، بحسب ما صرح به عمال إغاثة.
وأفاد محافظ مأرب سلطان العرادة للصحافيين بأن الضربات الجوية للتحالف ساعدت في صد الحوثيين. وقُتل المئات من المقاتلين معظمهم من المتمردين الحوثيين في حملة مأرب، بحسب مسؤولين من الجانبين.
وحاول المتمردون السيطرة على مأرب لسنوات واستولوا على البلدات والأحياء في المحافظات المجاورة. وقال بيتر سالزبري خبير اليمن في مجموعة الأزمات الدولية “من المحتمل أن تكون هناك أجندات متعددة يتم التخطيط لها بخصوص مأرب، لكن الأمر الأكثر إلحاحا هو اعتقاد الحوثيين بأنهم يستطيعون الاستيلاء على مركز المحافظة وإنهاء الحرب في الشمال، مع تحسين وضعهم الاقتصادي وموقفهم التفاوضي مع السعودية”. لكن هجومهم قد يأتي بنتائج عكسية.
وتمكنت القوات المدعومة من الحكومة من استعادة مساحات من الأراضي من الحوثيين في محافظتي حجة وتعز. ويمكن أيضا استخدام معركة مأرب كمبرر لحكومة هادي للتراجع عن وقف إطلاق النار الجزئي السابق في محافظة الحديدة غربي اليمن، والذي أقرّ بموجب اتفاق ستوكهولم الذي تمّ التوصّل إليه سنة 2018 برعاية الأمم المتحدة.
وبدأ المتمردون هجوم مأرب بعد فترة وجيزة من قيام الرئيس الأميركي جو بايدن برفع جماعتهم من قائمة الإرهاب الأميركية.
وجعل هذا التصعيد المراقبين الدوليين في حيرة من أمرهم بشأن كيفية إيجاد نقطة انطلاق لعقد سلام طال انتظاره. وقال تيم ليندركينغ المبعوث الأميركي إلى اليمن “بكل أسف، يبدو أن الحوثيين يضعون الحملة العسكرية أولوية بالنسبة لهم”. ومن ثم حثهم على الموافقة على اقتراح وقف إطلاق النار.
وقال المتحدث باسم الحوثيين محمد عبدالسلام لقناة المسيرة الفضائية التي يديرها المتمردون، إنهم يدرسون الاقتراح لكنه انتقده أيضا، معتبرا أنّه لم يقدم طريقة مقبولة لإنهاء “الحصار” الذي فرضه التحالف على المناطق التي تسيطر عليها جماعته، في إشارة إلى إغلاق مطار صنعاء للرحلات التجارية والقيود المفروضة على سفن الشحن في الحديدة.
ولم تعقد الأطراف المتحاربة في اليمن مفاوضات جوهرية منذ عام 2019. وعدا عن إجراء عملية غير مكتملة لتبادل الأسرى، لم يسفر الاتفاق الذي توسطت فيه الأمم المتحدة في عام 2018 بعد المحادثات في السويد عن أي تقدّم مهمّ باتجاه حلّ الأزمة اليمنية سلميا.
وفي هذه الأثناء، تعيش العائلات النازحة في مأرب في خوف مما سيأتي بعد ذلك. وكان صالح البالغ من العمر تسعة وعشرين عاما قد فرّ وعائلته من مسقط رأسه صنعاء عام 2017 إلى مدينة الحزم مركز محافظة الجوف قبل أن يجتاحها الحوثيون العام الماضي. وقد أجبرهم ذلك على الفرار إلى مأرب، واستقروا في أحد مخيمات النزوح البالغ عددها 125 مخيما وفقا للمنظمة الدولية للهجرة.
وتقول فاطمة زوجة صالح والتي أنجبت ابنتهما الصغرى في المخيم “لقد تعبنا من النزوح والتهجير عدة مرات”.