حرب غزة رفعت حرجا عن الإعلام المصري في تغطية الانتخابات

الجمهور لم يعد يتطلع إلى ما يتم نشره في وسائل الإعلام بشأن انتخابات الرئاسة بعد أن انصب اهتمامه على الصراع الضاري في غزة.
الخميس 2023/11/16
أخبار الحرب أولوية

القاهرة - هيمن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة على جزء كبير من المحتوى الذي تقدمه وسائل إعلام مصرية، ما أسهم بالتبعية في تراجع المواد الإخبارية والحملات الإعلامية الخاصة بانتخابات الرئاسة المصرية قبل نحو أسبوعين من انطلاقها.

ورفعت تطورات الحرب الحرج عن الإعلام المحلي بعد أن طالب معارضون بضرورة إتاحة مساحات أكبر من الحرية في وسائل الإعلام، بما يتماشى مع إجراء انتخابات تعددية يشارك فيها أربعة مرشحين بينهم الرئيس عبدالفتاح السيسي.

ولم يعد الجمهور يتطلع إلى ما يتم نشره في وسائل الإعلام بشأن انتخابات الرئاسة بعد أن انصب اهتمامه على الصراع الضاري في غزة، والذي قد يؤدي إلى تغيرات تنعكس على المشهد المصري، ما قوّض تقليص الحملات الدعائية للمرشحين، وأعلنت حملة السيسي تخفيض تكاليفها والتبرع بقيمتها لدعم أهالي غزة.

وانتظر مراقبون لعملية الانتخابات الرئاسية تقييم اتجاهات وسائل الإعلام المصري بشأن التغطية الإخبارية لتفاصيلها ومدى التزامها بالمساواة بين المرشحين وقدرتها على إتاحة الفرصة لمرشح وحيد محسوب على المعارضة ليكون حاضراً كضمانة بارزة وضعتها قوى معارضة لإعلان مشاركتها في الانتخابات.

بشير العدل: مرشحو الرئاسة يجدون صعوبة في حجز أماكن وسط أخبار الحرب
بشير العدل: مرشحو الرئاسة يجدون صعوبة في حجز أماكن وسط أخبار الحرب

وجاءت النتيجة جيدة، حيث منحت فرصة واضحة لرئيس الحزب الاجتماعي الديمقراطي فريد زهران للظهور في برامج عديدة وإجراء حوارات قوية معه، لكنها تاهت في زحام تركيز الجمهور المصري على حرب غزة، مع أن الرجل تركت له حرية كاملة للتعبير عن مواقفه، وحملت في معظمها انتقادات لاذعة للحكومة.

وخصصت القنوات الإخبارية جزءا كبيرا من تغطيتها للتطرق إلى ما يدور من تطورات عسكرية وإنسانية وسياسية في غزة، بما فيها فضائية “إكسترا نيوز” التي كان من المقرر أن تركز على الشأن الداخلي.

ولم تتصدر الانتخابات برامج “التوك شو” اليومية الرئيسية، كما كان منتظراً، وبدت بعض الأحداث الداخلية الأكثر أهمية للمواطنين حاضرة على نحو أكبر من الانتخابات، بينها مشكلات غلاء الأسعار وانقطاع الكهرباء.

وأعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر أن 133 وسيلة إعلامية، بين قنوات وصحف ومحطات إذاعية محلية ودولية، تقدمت لتغطية الانتخابات الرئاسية، وقيدت 30 مؤسسة إعلامية في قاعدة البيانات المخصصة لمتابعة الانتخابات والاستفتاءات داخل الهيئة، بعد التأكد من استيفائها للشروط والضوابط المقررة.

وتم قبول طلبات من 12 مؤسسة صحفية و10 قنوات فضائية و8 مواقع إلكترونية للقيد وتجديد القيد بقاعدة بيانات متابعة الانتخابات والاستفتاءات.

وتشكل وسائل الإعلام التقليدية هدفاً رئيسياً للمرشحين في الاقتراعات المختلفة، وينظر إليها سياسيون على أنها أكثر قدرة على توصيل رؤيتهم إلى الرأي العام، وتخصص القنوات والبرامج فترات طويلة لاستعراض الأحداث، لكنها تسقط في فخ الانحياز للنظام الحاكم، ما حولها في اقتراعات سابقة إلى أداة إعلامية تعبوية.

القنوات الإخبارية خصصت جزءا كبيرا من تغطيتها للتطرق إلى ما يدور من تطورات عسكرية وإنسانية وسياسية في غزة

وقال رئيس لجنة استقلال الصحافة (حقوقية) بشير العدل إن ارتباط أحداث غزة بالوضع المصري مع تهديدات بتهجير الفلسطينيين جعل الإعلام مضطراً ليذهب باتجاه التركيز عليها، وهو توجه جماهيري يحاول الصحافيون مسايرته، وأن وسائل الإعلام لم تعد مهمتها ما يدور مثلاً على الحدود المصرية الجنوبية في السودان، وأصبحت تطورات الحرب في غزة فوق غالبية الاعتبارات الأخرى.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مرشحي الانتخابات الرئاسية يجدون صعوبة في حجز أماكن لهم وسط الخريطة المكتظة بأخبار الحرب التي تهم المواطنين في المقام الأول، وإذا كان التركيز ينصب خارجياً على غزة فالأوضاع الاقتصادية في الداخل أكثر إلحاحا ولن يقبل الجمهور بحملات دعائية لمرشحين لا يقتنع بهم، ويصعب توفير سخونة مصطنعة مع وجود أحزاب معارضة تدعم الحكومة ومواطنين لا تشغلهم الأحداث السياسية المحلية المتكلسة وإن ارتبطت بانتخابات الرئاسة.

وشدد على أن تزاحم الأزمات الداخلية والخارجية رفع الحرج عن الإعلام المصري، لأن القنوات والصحف كانت تدرك أنها ستكون تحت المجهر وعليها تقديم رسائل تعبر عن الرأي العام وتمنح مساحات متساوية للمرشحين وإبراز حملاتهم الإعلامية، وأن تراجع المحتوى الخاص بالانتخابات متوقع أن يستمر الأيام المقبلة مع ازدياد الأوضاع إثارة في غزة قبل وقف الحرب على القطاع.

الانتخابات لم تتصدر برامج “التوك شو” اليومية الرئيسية، كما كان منتظراً، وبدت بعض الأحداث الداخلية الأكثر أهمية للمواطنين حاضرة على نحو أكبر من الانتخابات

ويؤكد إعلاميون أن وسائل الإعلام التقليدية كانت أمام فرصة ثمينة لاستعادة ثقة الجمهور بها بشأن معالجة التطورات الداخلية إذا توفرت الظروف الراهنة أمامها لعرض توجهات الناخبين بشكل متوازن، لأن قصر فترة الدعاية التي تمتد لشهر واحد، بدأت الخميس، جعلت المرشحين أكثر اهتماماً بعرض برامجهم ورؤيتهم على عدد كبير من الجمهور عبر وسائل الإعلام، وأن فكرة إقامة جولات انتخابية وعقد مؤتمرات جماهيرية لن تحقق المرجو منها معتمدة الدعاية القصيرة.

ولا يتعامل الإعلام المحلي مع الانتخابات على قدر الأهمية التي تناسبها، ليس فقط بسبب انعكاس الأحداث الجارية في المنطقة عليها، بل لضعف المنافسة التي جعلت المواطنين يعرفون نتيجة الانتخابات سلفا، وعدم استعداد الإعلام الحكومي لتحسين صورته من زاوية المعالجات الحرة، والتي ظهرت معالمها قبل حرب غزة في ما يوصف بـ”معركة التوكيلات الرئاسية” التي انحازت فيها غالبية وسائل الإعلام المصرية ضد المعارض أحمد الطنطاوي الذي يواجه محاكمة الآن بتهمة “التزوير”.

وأوضح رئيس تحرير بوابة “الحرية” عمرو بدر صعوبة الجزم بمدى استفادة أو خسارة وسائل الإعلام من المنافسة الانتخابية، لكن من المؤكد أن الإعلام الرسمي الذي كان عليه أن يطبق مبادئ الحيادية تراجعت الضغوط عليه، وبدت الحرب على غزة طاغية على جميع انحيازاته السياسية، لأنها الحدث الأكبر في الوقت الحالي.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن سير المعركة الانتخابية في مصر وافتقادها إلى المنافسة القوية بين المرشحين دفعا وسائل الإعلام التي لديها توجهات مستقلة أو غير تابعة للحكومة إلى تخفيض المحتوى الخاص بالعملية الانتخابية، وذلك لا يعني التجاهل التام لتحركات المرشحين وتطورات المشهد في الداخل، ومن المتوقع أن تبرز الانتخابات مرة أخرى مع انتهاء الحرب أو الوصول إلى تهدئة إنسانية في غزة.

وأكد بدر أن الدور التعبوي لوسائل الإعلام سيكون أكثر حضوراً خلال فترة الاقتراع في ديسمبر المقبل، شريطة أن تهدأ الحرب على غزة، مع مراعاة أنه على وسائل الإعلام أيضا تعريف الجمهور بأفكار المرشحين والترويج للخطط والبرامج المختلفة وإتاحة المعلومات الخاصة بالانتخابات بشكل مستمر.

ووضعت الهيئة الوطنية للانتخابات ضوابط لوسائل الإعلام المرخص لها بالعمل في مصر عند قيامها بالتغطية الإعلامية للانتخابات، بينها عدم خلط الرأي بالخبر، وعدم خلط الخبر بالإعلان، ومراعاة الدقة في نقل المعلومات وعدم تجهيل المصادر، وعدم سؤال الناخب عن المرشح الذي ينتخبه أو انتخبه، وحظر إجراء استطلاع رأي أمام لجان الانتخاب، وعدم الانتقاص من حق كل طرف في الرد أو التعليق على ما يتعرض له من هجوم أو مدح، وعدم توجيه أسئلة إيحائية ذات تحيز واضح.

5