حرب غزة تنقذ الاقتصاد المصري في مرحلة حرجة

الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد يتجهان لدعم القاهرة اقتصاديا.
الأحد 2023/11/19
السيسي وفون دير لاين: الوضع صعب

القاهرة- في الوقت الذي يتخوف فيه المصريون من تأثيرات الحرب في غزة على بلادهم، يتحرك الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي من أجل مساعدتها على تلافي تلك التأثيرات، في وقت يقول فيه مراقبون إن عروض الدعم الصادرة عن هذه الجهات توحي بأن حرب غزة ستنقذ الاقتصاد المصري وليس العكس.

وقالت وكالة بلومبرغ إن الاتحاد الأوروبي يسرّع جهوده لتعميق علاقاته مع مصر، ومساعدتها في التعامل مع النتائج المتولدة عن صراع قطاع غزة الذي يقع على مقربة من حدود مصر، ويجد هذا التوجه دعما من جانب كل من ألمانيا وفرنسا.

وكشفت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا أن الصندوق “يدرس بجدية” زيادة محتملة لبرنامج القروض لمصر البالغ ثلاثة مليارات دولار نتيجة الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن الحرب.

سيد خضر: التمويل مرتبط بتطورات الحرب وليس بتدفقات الهجرة
سيد خضر: التمويل مرتبط بتطورات الحرب وليس بتدفقات الهجرة

ووصلت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى القاهرة الجمعة لدفع جهود دعم التنمية الاقتصادية وتخفيف تأثير الأزمة الجارية نظرا إلى الأهمية الحيوية التي تمثلها مصر للاتحاد الأوروبي، ومخاوف الكثير من دوله بشأن زيادة تدفقات اللاجئين والهجرات غير الشرعية عبر البحر المتوسط.

والتقت فون دير لاين بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وكبار المسؤولون في القاهرة لبحث تطوير آلية تقديم المساعدات لغزة، ومصير العمليات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل، والتي حظيت بدعم أوروبي، خاصة بعد أن تعرضت زيارة فون دير لاين إلى إسرائيل في أكتوبر الماضي لانتقادات وعدم حديثها بحسم كاف عن حماية المدنيين الفلسطينيين.

ونفى وزير الخارجية المصري سامح شكري في مؤتمر صحفي عقده مع مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية في القاهرة وجود روابط بين المساعدات وحرب غزة، فالأولى جرت حولها مناقشات قبل أشهر من تفجر الصراع في غزة. ولدى القاهرة علاقات عميقة مع الاتحاد الأوروبي وهناك مفاوضات دائمة بين الجانبين وحرص على المصالح المتبادلة، وثمة اتفاقية للشراكة ترفع العلاقات إلى مستوى إستراتيجي بينهما، تتناسب مع الاحتياجات التنموية لمصر وتطلعات دول الاتحاد.

وعن الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي في ما يخص الناحية السياسية وفرص الاستثمار والتنسيق أكد شكري أنه “محل تفاوض ونأمل أن يحدث في أقرب وقت ممكن، ولن أتحدث عن أيّ إطار زمني محدد أو حجم المساعدات، فكل هذه الأمور محل دراسة بين الجانبين، وإذا حدث ذلك قريبا سيفند الشائعات في الصحافة ويعزز العلاقات بين الجانبين، وسوف تدعمه زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية إلى مصر”.

وأجرت رئيسة المفوضية محادثات مع الرئيس السيسي في بداية نوفمبر الجاري حول تطورات منطقة الشرق الأوسط، والوضع الإنساني والإغاثي في غزة.

وكشفت بلومبرغ أن الجدول الزمني والأرقام النهائية للمساعدات قيد التحضير، مؤكدة أن الاتحاد يسعى إلى استكشاف خيارات مع الدول الأعضاء لمساعدة مصر على معالجة عبء ديونها الثقيل، والذي يصل إلى نحو 165 مليار دولار.

وتهدف الخطة الاستثمارية إلى ضخ 9 مليارات يورو (9.8 مليار دولار) في قطاعات مثل المبادرات الرقمية والطاقة والزراعة والنقل وعقد منتدى استثماري الربيع المقبل.

وترمي المساعدة الأوروبية أيضا إلى الحد من الهجرة غير الشرعية ومساعدة مصر في إدارة الحدود، ودعمها في إجراءات مكافحة التهريب، والعودة الطوعية.

ووقّعت المفوضية الأوروبية شراكة مع تونس مؤخرا لوقف وصول المهاجرين ودعم تنميتها الاقتصادية، وعملت على إبرام اتفاق أوسع مع مصر، باعتبارها البلد العربي الأكثر اكتظاظاً بالسكان وأكبر اقتصاد في شمال أفريقيا.

وتواجه الحكومة المصرية أزمة اقتصادية حادة، وتأخيرا في موعد مراجعة برنامج صندوق النقد الدولي، والنقص الحاد في العملات الأجنبية، كما أنها خفضت قيمة الجنيه عدة مرات، وقد تقوم بتخفيض جديد خلال الأيام المقبلة.

نادي عزام: الدعم الغربي لا يجوز ربطه ببعض الأهداف السياسية
نادي عزام: الدعم الغربي لا يجوز ربطه ببعض الأهداف السياسية

وربط مراقبون بين الدعم الغربي للحكومة المصرية وبين تقديرات إسرائيلية حول توطين سكان قطاع غزة في سيناء، وهو ما نفته القاهرة بحسم أكثر من مرة وأعلنت مقاومتها له بكل السبل.

واتخذت وسائل إعلام تنتمي إلى جماعة الإخوان المعارضة للنظام المصري الإعلان عن هذا الدعم ذريعة للتشكيك في ممانعات القاهرة الواضحة لمخطط التوطين، والإيحاء بأن هناك سيناريو خفيا يتم الترتيب له بين مصر والاتحاد الأوروبي، متجاهلة أن الحديث عن الدعم الاقتصادي الأوروبي بدأ الحديث عنه قبل اندلاع الحرب على غزة، وله علاقة بمصالح مشتركة بين دول الاتحاد والقاهرة بعيدة عن غزة.

وقال المحلل الاقتصادي نادي عزام إنه لا يجوز ربط الدعم الغربي عبر الاتحاد الأوروبي أو صندوق النقد لمصر ببعض الأهداف السياسية أو موافقتها على استقبال لاجئين من غزة بسبب الحرب مع إسرائيل.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن القاهرة تسعى بشكل دائم إلى مواجهة الهجرة غير الشرعية، وتحظى بدعم سخي من أوروبا في هذا الجانب، وهو تطور مهم للغاية في الفترة الراهنة بعد زيادة عدد اللاجئين من دول عربية مجاورة ومن أفريقيا أيضًا.

وأكد أن العديد من الأفارقة يتخذون مصر معبرًا للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر البحار، وفي حال عدم تلقيها الدعم الاقتصادي اللازم لن تستطيع القاهرة التصدي لهجراتهم المتكررة، الأمر الذي تخشى منه الدول الغربية وبدأت تدرك مغبة عدم التصدي له.

وأشار عزام إلى أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى ضخ استثمارات جديدة في مصر بمجالات متنوعة، خاصة مع الخسائر التي حققتها بعض الدول الأوروبية في قارة أفريقيا، وعلى رأس الداعمين لهذه القضية فرنسا وألمانيا.

ومن أبرز المشروعات التي تتلقى دعمًا الهيدروجين الأخضر والمجالات التي تدعم الطاقة النظيفة عموما، حيث تحصل القاهرة على التمويل ثم تقوم بمنحه للشركات التي تستثمر في قطاعات خضراء أو تتحول إلى الطاقة النظيفة وخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري.

ولفت الأكاديمي المصري سيد خضر إلى أن سياسة المفوضية الأوروبية في الشرق الأوسط مدعومة من الولايات المتحدة، وبالتالي فالتمويل الحالي ليس الغرض الأساسي منه الاقتصاد أو الهجرة غير الشرعية فقط، بل يرتبط بالأحداث التي تشهدها المنطقة، وما يمكن أن تفرزه من تطورات مختلفة تهدد مصالح الدول الغربية لاحقا.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن مصر وغيرها من الدول الأفريقية تواجه أزمات اقتصادية متفاقمة ناشئة عن التغيرات المناخية، لكن تلك الدول لا تتلقى التمويل من صندوق النقد الدولي إلا بشروط مجحفة، وهي تفتقد إلى الدعم اللازم بسبب التغيرات المناخية المعروف أن سببها الرئيسي الدول المتقدمة.

وأوضح خضر أن الدعم الحالي إذا تم بشكل حقيقي يتم توفيره للمشروعات التنموية وللاقتصاد، لأن البلاد تضررت بشدة منذ جائحة كورونا وتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، وعلى إثرهما دخلت اقتصاديات دول عديدة في أزمات طاحنة، لكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا يقدمان تمويلاً لتقديم حلول اقتصادية للبلاد.

اقرأ أيضا:

1