حرب غزة تعمق ارتهان الاقتصاد الفلسطيني بإسرائيل

يواجه الاقتصاد الفلسطيني مصاعب لا حصر لها بعدما عمقت الحرب على غزة أزماته المزمنة، وعرّت هشاشة وضعه لكونه مرتبطا بإسرائيل، حيث كل خيوط التمويل والاستهلاك وسوق العمل بيدها رغم وجود اتفاقيات تحدد العلاقات بين الطرفين.
القدس - يزداد الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية المحتلة والذي يعاني من أزمة منذ سنوات، صعوبة بسبب الحرب في قطاع غزة التي تعمّق ارتهانه بإسرائيل، وفق ما يقول خبراء.
ويقول المحلل الاقتصادي الفلسطيني عادل سمارة إن “في المفهوم العلمي، لا يوجد اقتصاد فلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي. هناك تبادل غير متكافئ، واقتصادنا ملحق بالاقتصاد الإسرائيلي وبالقوة”، ما يجعل “اقتصادنا مشوّها”.
ويحكم الاقتصاد الفلسطيني برتوكول باريس الموقّع في أبريل 1994 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وذلك في إطار اتفاقية أوسلو 2 أو “اتفاق المرحلة الانتقالية للضفة الغربية وقطاع غزة” الذي وقّع في سبتمبر 1995.
وكان من المفترض أن يكون البروتوكول ساريا لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات في انتظار أن تتوصل المفاوضات إلى اتفاق حول “الوضع النهائي” للأراضي الفلسطينية. لكن لا يزال معمولا به حتى الآن.
ويشير سمارة إلى الإنتاج المحدود في الأراضي الفلسطينية، وعدم قدرته على توفير فرص عمل للفلسطينيين، والاعتماد إلى حد كبير على إسرائيل لتشغيل اليد العاملة الفلسطينية، لكنه توقف منذ اندلاع الحرب في غزة بين حماس وإسرائيل في أكتوبر الماضي.
وينظم البروتوكول العلاقات بين الطرفين في 6 قطاعات رئيسية، هي الجمارك والضرائب، والعمالة، والزراعة، والصناعة، والسياحة، والصادرات والواردات، بشكل يعطي إسرائيل صلاحية التحكّم بالحدود الخارجية وبضرائب الاستيراد والقيمة المضافة.
وتمر تجارة الفلسطينيين مع دول أخرى عبر الموانئ البحرية والجوية الإسرائيلية أو من خلال المعابر الحدودية بين السلطة الفلسطينية والأردن ومصر والتي تسيطر عليها إسرائيل أيضا. ويستخدم الشيكل الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.
وغداة هجوم أكتوبر 2023، أوقفت إسرائيل تسليم السلطة الفلسطينية كامل المبلغ العائد لها من الرسوم الجمركية، متذرعة بأن المال يستخدم من أجل تمويل حركة حماس التي تسيطر منذ 2007 على قطاع غزة وتعتبرها إسرائيل “منظمة إرهابية”.
ورفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس احتجاجا، تسلّم مبالغ ناقصة. وتتوسّط النرويج حاليا في المسألة لحلها وديا بين الطرفين. وفي فبراير الماضي، أفرجت إسرائيل عن حوالي 115 مليون دولار، لكن الأزمة لم تحلّ.
وفي الماضي، أوقفت إسرائيل أكثر من مرة، على خلفية خلافات أو توتر، هذه التحويلات التي تشكّل قرابة 60 في المئة من واردات السلطة الفلسطينية.
وتحتاج السلطة إلى هذه المبالغ من أجل دفع رواتب موظفيها ولمصاريفها التسيرية والتشغيلية، وفق مسؤولين وخبراء. وقال رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد محمد مصطفى إن “الأوضاع الاقتصادية الفلسطينية تنذر بكارثة كبرى”.
وأضاف أن “الأزمة المالية غير مسبوقة ووصلت إلى مستويات خطيرة، والتزامات ومديونيات الحكومة العامة وصلت إلى حوالي سبعة مليارات دولار أميركي”، أي أكثر من ثلث الناتج الداخلي الصافي.
وبعد اندلاع الحرب، سحبت إسرائيل، “لأسباب أمنية”، تراخيص العمل من نحو 130 ألف فلسطيني في الضفة الغربية كانوا يعملون في إسرائيل، فلم يعد لديهم مورد رزق.
وتظهر التقديرات أن نسبة البطالة في الضفة الغربية المحتلة تبلغ حاليا قرابة 30 في المئة، بينما كانت 14 في المئة قبل الحرب.
ويصف سمارة الأمر بأنه “تبعية طوعية”، كون لا خيار للعمال الفلسطينيين إلا بالعمل داخل إسرائيل. وقال إن “في الاقتصاد الحقيقي لأي دولة، يجب أن تكون هناك مواقع إنتاج اقتصادية وصناعية وزراعية توفّر العمل لأبنائها”.
وتعتبر الأراضي الفلسطينية المحتلة من بين أكثر المناطق اعتمادا على المساعدات الخارجية في العالم لتوفير احتياجات نحو 3.1 مليون نسمة بما في ذلك القدس الشرقية، وأيضا قطاع غزة الذي يستوعب 2.3 مليون نسمة.
ويرى المحلل السياسي الإسرائيلي ميخائيل ميلتشين أن عدم السماح للفلسطينيين بالعمل في إسرائيل وعدم تسليم عائدات الضرائب أو الحسم منها، يهدف “إلى إسقاط السلطة الفلسطينية التي تعتبرها إسرائيل عدوا”، ويصف ذلك بـ”العقاب الجماعي للفلسطينيين”.
ويقول إنه حتى السابع من أكتوبر، كان حوالي ثلث موارد الضفة الغربية يأتي من أجور 193 ألف فلسطيني يعملون في إسرائيل، وفق معطيات إسرائيلية، مشيرا إلى أن نحو ثمانية آلاف فلسطيني فقط يعملون حاليا بشكل قانوني في إسرائيل.
ويضيف أن بعض السياسيين الإسرائيليين مثل الوزيرين بيني غانتس وغادي إيزنكوت يريدون “السماح بإدخال العمال إلى إسرائيل حتى لا ينفجر الوضع الأمني” في الضفة الغربية، ما قد يعقّد مهمة القوات الإسرائيلية التي تخوض حربا طاحنة في غزة وتنتشر في الشمال على الجبهة مع حزب الله اللبناني.
وأظهر تقرير مشترك للأمم المتحدة والبنك الدولي مطلع أبريل الحالي أن قيمة الخسائر الاقتصادية لغزة خلال أربعة أشهر منذ بدء الهجمات الإسرائيلية البرية على القطاع، بلغت 18.5 مليار دولار، ما يمثل 97 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني.
ويرى المحلّل نصر عبدالكريم أن “رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يضغط على الفلسطينيين ويرسل رسائل للسلطة بأن مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني بأيدينا ونستطيع أن نؤذي السلطة ونسقطها، أو نحييها ونعزّز قوتها”.
وقال إن إضعاف السلطة “سيجعلها تقبل بتنازلات سياسية، حيث لا تريد الحكومة الإسرائيلية سلطة فلسطينية قوية، حتى لا تلعب دورا محوريا خصوصا بعد انتهاء الحرب”.
ويتابع أن “الإسرائيليين يعتقدون بأن من خلال البوابة الاقتصادية يحققون تنازلات سياسية، وبالتالي يقولون للفلسطينيين تخلوا عن الأرض وخذوا اقتصادا، لكن الأمن والاقتصاد لا يجلبان السلام”، بل “السلام يجلب الأمن والاقتصاد”.