حرب غزة ترد على السؤال المؤجل: من يخلف عباس

سيناريوهات تتراوح بين الانتقال السلس وانهيار السلطة الفلسطينية.
الجمعة 2023/11/03
من سيجلس على كرسي عباس، متى وكيف

رام الله – تواجه السلطة الفلسطينية أزمة خلافة تخاطر بترك السفينة دون قائد، وهو ما يمكن أن يسبب اضطرابات سياسية واجتماعية كبيرة في الضفة الغربية، خاصة في ضوء الحرب المتصاعدة بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة.

ولم يعين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، البالغ من العمر 87 عاما، خليفة له بعد، رغم تقدمه في السن واعتلال صحته. وفي حين يتنافس أعضاء مختلفون في حركة فتح بالفعل على منصب عباس، إلا أنهم لم يكتسبوا شرعية تكفي داخل الحركة أو السلطة ليظهر أحدهم في صورة من يستحق القيادة.

ويدفع الغموض بشأن الانتقال السياسي في الضفة إلى سيناريوهات تتراوح بين الانتقال السلس، وآخر تصاحبه فوضى يتم التحكم فيها، وثالث يخرج عن السيطرة ويؤدي إلى انهيار السلطة.

وتسبّبت سنوات من الفساد المستشري وخاصة بين كبار المسؤولين داخل فتح في تراجع شعبية السلطة الفلسطينية.

شعبية عباس تلقت ضربة قوية في خضم العملية الإسرائيلية في غزة من خلال احتجاجات متكررة مناهضة له وللسلطة

ورغم تحسن الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية منذ نهاية جائحة كوفيد، إلا أن ارتفاع معدلات البطالة والتضخم متواصلان. كما أصبح الفلسطينيون في الضفة متشككين أكثر فأكثر في قدرة السلطة الفلسطينية على التفاوض أو الضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي.

وتوسّعت المستوطنات الإسرائيلية بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وشملت هجمات المستوطنين الإسرائيليين على منازل الفلسطينيين وممتلكاتهم.

وعزز هذا قناعة لدى الفلسطينيين أن سلطة عباس وخاصة حركة فتح أثبتا ضعفهما وعدم فعاليتهما في الدفاع عن المصالح الفلسطينية. كما خسرا نفوذهما أمام الفصائل الأخرى، وخاصة حماس بسبب موقفها القوي تجاه إسرائيل.

وتلقت شعبية عباس ضربة قوية في خضم العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة. ونظم الفلسطينيون في الضفة الغربية خلال الأسابيع الأخيرة احتجاجات متكررة مناهضة لحكومة عباس، وقمعتها قوات الأمن التابعة للسلطة. كما تعرض عباس لانتقادات حادة لعجزه عن التصدي لإسرائيل.

ووفقا لاستطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في مارس 2022 يؤيد 73 في المئة من الفلسطينيين استقالة عباس، مما يشير إلى مدى انهيار شعبية حكومة السلطة الفلسطينية تحت قيادته.

أين فتح من تطورات الوضع في غزة؟
أين فتح من تطورات الوضع في غزة؟

وسيكون لأزمة الخلافة داخل السلطة الفلسطينية بسبب الحرب المستمرة بين إسرائيل وحماس دور كبير في زعزعة صورة عباس في الضفة وغزة، ما يجعل من الصعوبة بمكان الرهان عليه لحكم غزة في حال تمت إزاحة حماس عن الحكم، مثلما تخطط لذلك الولايات المتحدة.

ويضع تقرير نشره مركز ستراتفور ثلاثة سيناريوهات لأزمة خلافة السلطة الفلسطينية: الأول هو الفوضى التي يتم التحكم فيها، أي سيناريو الانتقال الفوضوي الذي يشعل أزمة داخل حركة فتح في حالة وفاة عباس، بما يؤدي إلى احتجاجات في الشوارع وأعمال عنف معزولة، دون صراع كبير في الضفة الغربية.

سيكون لأزمة الخلافة داخل السلطة الفلسطينية بسبب الحرب المستمرة بين إسرائيل وحماس دور كبير في زعزعة صورة عباس في الضفة وغزة

ويكمن السيناريو الأول في انتقال قصير ومنظم إلى أحد حلفاء عباس المقربين وزملائه المسؤولين في السلطة الفلسطينية، على رأسهم رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية حسين الشيخ، الذي يتمتع بثقة الإسرائيليين. لكن يُنظر إليه مثل عباس على أنه جزء من الحرس القديم لحركة فتح الذي يحتفظ بالأمل في أن تؤدي المفاوضات مع إسرائيل إلى حل الدولتين، وهو الخيار الذي تتضاءل فرصه. ولا يتمتع الشيخ فعليا بأيّ دعم شعبي، وترجع كل سلطته لقربه من عباس.

والمرشحان المرجحان لمنافسة الشيخ على المنصب هما جبريل الرجوب ومحمود العالول. الأول هو أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، الذي تمكن من بناء شعبيته لبروزه كرئيس للاتحاد الفلسطيني لكرة القدم. والثاني هو نائب رئيس فتح الحالي، ومحافظ نابلس السابق، ويحشد دعما كبيرا من كبار السن الفلسطينيين وأعضاء حزب فتح.

لكن العالول والرجوب ليسا من أعضاء السلطة الفلسطينية، وهما لا يتمتعان بإمكانية الوصول إلى أيّ من الآليات البيروقراطية المتاحة للوصول إلى المؤسسات القيادية، وسيتعين عليهما الاعتماد على حشد الشارع. ومن المحتمل أن يشعل ذلك الاحتجاجات في الشوارع والإضرابات للرد على فساد السلطة.

وسيصبح هذا السيناريو الأقوى  إذا تنحّى عباس عن منصبه قبل وفاته، ومنح دعمه الكامل للشيخ. وسيحقق هذا السيناريو نتيجة تظل فيها السلطة مستقرة على المدى القصير، لكنها تستمر في مواجهة تحديات مماثلة ترتبط بالفساد ونقص الدعم الشعبي الذي يهدد قدرتها على البقاء على المدى الطويل.

أما السيناريو الثاني المتوقع حدوثه بقوة فيتمثل في انهيار السلطة الفلسطينية نتيجة لانقسامات داخلية، مما قد يدفع الجيش الإسرائيلي على الأرجح إلى التدخل لمحاولة منع مجموعة أكثر تطرفا من الاستيلاء على السلطة سواء من داخل فتح (عرين الأسود) أو من خارجها (حماس أو الجهاد).

أما السيناريو الثالث فهو الأقل احتمالا حاليا، لكن فرص حدوثه تتزايد بشكل مطرد مع تصاعد الحرب بين إسرائيل وحماس. ويزيد التوغل البري الإسرائيلي في غزة وتصعيد العمليات في الضفة الغربية من خطر حدوث اضطرابات جماعية عنيفة.

وسيزداد احتمال هذا السيناريو إذا توفّي عباس فجأة قبل أن يتوافق مسؤولو فتح والسلطة الفلسطينية على مرشح ما. وستضاعف إسرائيل عملياتها العسكرية بشكل جذري في الضفة الغربية في مثل هذا السيناريو، وستهدف إلى ردع استيلاء المسلحين على السلطة. ويكمن أحد المخاطر الكبيرة في هذا السيناريو في الانهيار المحتمل لقوات الأمن الفلسطينية، وهو أمر قد يؤدي إلى صراع مدمر مباشر بين الجماعات المسلحة والجيش الإسرائيلي بهدف السيطرة على الضفة.

1