حرب غزة تجرد واشنطن من إحدى أوراق الضغط على القاهرة

مسؤولة أميركية ترفض ربط التنسيق مع القاهرة بحقوق الإنسان.
الجمعة 2023/11/17
ملف مؤجل إلى حين

تجد الإدارة الأميركية نفسها مجردة من إحدى أهم أدوات الضغط على مصر، وهي الملف الحقوقي؛ وذلك في علاقة بحاجتها الملحة إلى تعاون القاهرة بشأن ما يجري من تصعيد في قطاع غزة.

القاهرة – خفتت الانتقادات الأميركية لملف حقوق الإنسان في مصر منذ اندلاع الحرب على غزة، ما يدعم رؤية القاهرة حول الضغوط التي مارستها واشنطن وأنها تحمل وجها سياسيا بدليل الدعم الأميركي لانتهاكات إسرائيل في غزة، ومنها  حق الدفاع بلا ضوابط.

ودافعت وكيلة وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان عزرا زيا عن موقف بلادها بشأن حقوق الإنسان، قائلة “لا تفاضل بين التزامها بدعم حقوق الإنسان مقابل قدرتها على الشراكة مع النظام المصري في ما يتعلق بالقضايا الإقليمية والإستراتيجية”، وإن الولايات المتحدة ممتنة للدور الحيوي والاستثنائي الذي تقوم به القاهرة لضمان وصول المساعدات إلى المدنيين في غزة.

ولا يبدو الموقف الذي عبرت عنه المسؤولة الأميركية مقنعا بالنسبة إلى الكثيرين، حين عمدت إلى التأكيد على الفصل بين الانتقادات التي توجهها بلادها لمصر في ملف حقوق الإنسان وبين شراكتهما معا للوصول إلى حلول لبعض الأزمات الإقليمية.

حامد فارس: توجد أسس أخرى للضغط الأميركي على القاهرة
حامد فارس: توجد أسس أخرى للضغط الأميركي على القاهرة

وأعلن مكتب المدعي العام في مدينة نيويورك اتهام رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بوب مينينديز بالفساد والتخابر لصالح مصر مؤخرا، فيما قرر الكونغرس حجب 85 مليون دولار من المساعدات التي يشترطها القانون الأميركي بإحراز مصر تقدما واضحا ومستمرا في إطلاق سراح السجناء السياسيين، وهو ما قالت واشنطن إن سلطاتها لم تنفذه.

وأسهم التوتر المستمر في قطاع غزة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل في تدعيم العلاقة بين إدارة الرئيس جو بايدن والقاهرة، وأن الحروب السابقة كانت شاهدة على كسر حدة الجمود الذي بدا ظاهرا مع وصول الديمقراطيين إلى السلطة.

ودائما ما تكون قرارات حجب المساعدات أو تصعيد الملف الحقوقي في توقيتات سياسية لا تتزامن مع التعويل الأميركي على أدوار مصرية للتهدئة في غزة، بل على النقيض تعمل واشنطن على تأكيد علاقاتها الإستراتيجية مع القاهرة وتمدح جهودها.

ولا تعني أهمية الدور المصري بالنسبة إلى الولايات المتحدة التخلي عن الملف الحقوقي بشكل كامل، وأن واشنطن تعمدت تصعيده في شهري أغسطس وسبتمبر الماضيين بعد مضي أشهر على تدخل القاهرة لوقف التصعيد الذي جرى بين حركة الجهاد الإسلامي وإسرائيل، ما يشي بأن ورقة المساعدات تتم تنحيتها جانباً بشكل مؤقت.

وقال رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان في جنيف أيمن نصري إن حجم الانتهاكات التي تعرض لها أهالي غزة جراء جرائم العدوان الإسرائيلي على المدنيين، والدعم الواضح من جانب الولايات المتحدة، يجعلان من الصعب إعادة استخدام الملف الحقوقي في الضغط على مصر أو أي من الدول العربية الأخرى، وإن الملف أصبح مشبوها ويتم توظيفه في ما يخدم مصالح أميركا وإسرائيل.

وبرّرت وكيلة وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان مساندة بلادها غير المشروطة لإسرائيل بأن واشنطن تدعم “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس عقب الهجمات الأكثر دموية في التاريخ الإسرائيلي”، وفي الوقت نفسه تعتبر ذلك “متسقًا تمامًا مع دعمنا للفلسطينيين المحتاجين”.

وأضاف نصري أن الولايات المتحدة هي التي استحدثت ملف حقوق الإنسان كإحدى وسائل القوة الناعمة لخدمة مصالحها في المنطقة، وهذا الملف يبقى موجوداً على الأرفف إلى حين الاستعانة به إذا اقتضت الضرورة، وأن دوائر حقوقية مصرية توقعت تصعيد الملف بعد انضمام القاهرة إلى مجموعة بريكس.

وتابع “ليس من الممكن تصور إشادة إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بما اتخذته القاهرة من قرارات لتحسين سجلها الحقوقي، ثم يأتي بايدن لتتحول الإشادة إلى انتقادات مباشرة وأداة ضغط سياسي، وهو ما أفقد الملف قيمته”.

وسيكون الرد المتوقع على أي اتهامات أميركية أو دولية لملف حقوق الإنسان في مصر أو غيرها بأن إسرائيل ارتكبت جرائم فريدة من نوعها في حربها الحالية دون تحرك ضدها، ما ينعكس على غياب الملف الحقوقي عن المشهد العالمي في الوقت الحالي لفترة طويلة لصالح البحث عن أدوات أخرى للضغط.

التراجع المتوقع لزخم الملف الحقوقي بعد حرب غزة يجعل هناك أسسا أخرى للضغط من جانب الولايات المتحدة على القاهرة أو غيرها، ويبقى الملف الاقتصادي بارزاً بصورة أكبر

وشدد نصري في حديثه لـ”العرب” على أن “استمرار الحرب في غزة مع توالي ارتكاب الجرائم بحق الأبرياء لا يخدم مصالح الولايات المتحدة ويقلص أدواتها السياسية التي كانت تعول عليها لحماية مصالحها، ويصب في تحسن العلاقات العربية – الروسية إذا استمرت الولايات المتحدة على نفس السياسات التي لن تُجدي نفعا في المستقبل”.

ودأب الكونغرس على ربط المعونة لمصر بمجموعة من القيود، تمثلت في محاولة فرض شروط تتعلق بالوضع السياسي والحريات العامة، وربط تقديم 300 مليون دولار من المساعدات بشروط تتعلق بحقوق الإنسان.

وعمل الكونغرس على حجب أجزاء صغيرة من المساعدات التي تصل قيمتها إلى 1.3 مليار دولار، كان أكبرها عام 2021 حينما قرر حجب 300 مليون دولار، غير أن الولايات المتحدة انخرطت أيضا في عقد صفقات سلاح لاحقة بأضعاف ما يتم التصريح بحجبه، ما يشي بأن الملف يرتبط بأهداف داخلية بالنسبة إلى الديمقراطيين.

وأكد الخبير في العلاقات الدولية حامد فارس أن التراجع المتوقع لزخم الملف الحقوقي بعد حرب غزة يجعل هناك أسسا أخرى للضغط من جانب الولايات المتحدة على القاهرة أو غيرها، ويبقى الملف الاقتصادي بارزاً بصورة أكبر.

وذكر فارس في تصريح لـ”العرب” أن “الولايات المتحدة لن تتوقف عن سياساتها التاريخية المرتبطة بالضغط على الحكومات بوسائل مختلفة، وسوف تحاول الحفاظ على مصداقيتها التي جرى ضربها مع توالي جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، ومع تسليط الضوء دولياً على دور المنظمات الحقوقية والمحكمة الجنائية الدولية في التعامل مع نحو ألف مجزرة في غزة، ما يدفع البعض إلى القول بأن الوجه الحقيقي للولايات المتحدة انكشف وقد تجد الإدارات المتعاقبة صعوبة في تحسين صورتها”.

ووجه تقرير أعدته وزارة الخارجية الأميركية عن حالة حقوق الإنسان في مصر العام الماضي انتقادات لاذعة للقاهرة واتهامات بوجود حالات “اختفاء قسري وتعذيب وظروف سجن قاسية، وحالات اعتقال واحتجاز تعسفي”.

2