حرب عمانية على نبتة غازية جنودها النباتات الأصلية وقنابلها كرات البذور

سلطنة عمان تضع خطة متكاملة تهدف إلى مكافحة نبتة غازة وتقليص آثارها السامة على الإنسان والحيوان والنبات، وضمان استعادة التوازن البيئي.
الخميس 2025/06/19
مليارات من البذور

صلالة (سلطنة عمان)- جعلت تأثيرات التغير المناخي الملموسة بشكل ملحوظ في بلدان المنطقة من ارتفاع في درجات الحرارة وتناقص للمياه وتقدّم لظاهرة التصحّر وغزو للأنواع النباتية الدخيلة للأراضي على حساب الأنواع الأصيلة، العناية بالبيئة وحماية المحيط الطبيعي في صلب اهتمامات السلطات العمانية التي سارعت لوضع برامج ورصد مقدّرات بشرية ومادية للنهوض بهذا المشغل الحيوي للبلد الذي لطالما مثّلت طبيعته الثرية والمتنوعة رأسمال ثمينا وقيمة مضافة لاقتصاده.

وتجسيدا لذلك التوجّه شرعت بلدية ظفار ممثلة باللجنة التوجيهية لمكافحة نبتة البارثنيوم في المحافظة حملة شاملة لنثر نحو عشرة ملايين كرة بذور وأكثر من ثلاثة مليارات بذرة من الأعشاب الرعوية خلال شهري يونيو ويوليو 2025 في جبال ظفار ضمن نطاق منطقة الخريف.

ويصف الناشط البيئي علي سالم عكعاك النبتة المذكورة بالخطرة معتبرا أنّها أصبحت تشكّل هاجسا دوليا متزايدا مع انتشارها المخيف في العالم انطلاقا من موطنها الأصلي في الأميركتين الشمالية والجنوبية، مشيرا إلاّ أنّها وصلت إلى ظفار قبل أكثر من عشرية من الزمن وشرعت في غزو الأراضي الزراعية والمناطق الرعوية في السهل والجبل والتضييق على النباتات المحلية في الحصول على العناصر الغذائية والرطوبة الأمر الذي يضعف المرعى ويهدد بخلل بيئي.

ومعروف عن هذا العشب، وفقا للناشط نفسه، سرعة تكاثره عن طريق نشر بذوره بكثافة ليشكل بذلك مخاطر تتجاوز المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية إلى الإنسان بحدّ ذاته إذ تتسبب ملامسته بحدوث التهابات جلدية وخلل في الجهاز التنفسي وآلام في المفاصل وأنحاء أخرى من الجسد.

منطقة الخريف العمانية التي تمثل آخر الغابات الموسمية في شبه الجزيرة العربية تتميز بتنوع نباتي استثنائي وثراء بيئي فريد

وجاءت الحملة الجديدة تتويجا لمكافحة النبتة الغازية امتدادا لجهود تصاعدية بدأت منذ عام 2023 من خلال نثر أكثر من 400 ألف كرة بذور تلتها حملة في العام الماضي شملت نثر أكثر من أربعة ملايين كرة بذور، إلى جانب أكثر من عشرة أطنان من بذور الأعشاب الرعوية، بما يعادل أكثر من أربعين مليار بذرة.

وتعتبر سلطنة عمان من البلدان الرائدة في مجال الحفاظ على البيئة وحماية المحيط وهو ما تجسّده مبادرة الدولة منذ مطلع تسعينات القرن الماضي لإنشاء جائزة اليونسكو ـ السلطان قابوس لصون البيئة.

وقد أدخلت السلطنة حماية البيئة والحفاظ على مواردها الطبيعية المختلفة ضمن خططها التنموية بتوجيه من السلطان هيثم بن طارق الذي أكّد في وقت سابق أن “الحفاظ على البيئة يعد من أساسيات خطط التنمية الخمسية والإستراتيجيات الوطنية التي حددت المبادئ الأولية لربط التنمية بالحفاظ على البيئة وحماية مواردها وأنظمتها بصورة مستدامة،” معبّرا عن تطلعه “إلى تعزيز الطموحات الوطنية بأن تثمر جهود المختصين والعاملين في المجال البيئي وفق أولويات رؤية عُمان 2040 وأهدافها في تحقيق الحماية الكافية لكافة أنواع النماذج الإيكولوجية الفاعلة والمتزنة لحماية البيئة واستدامة مواردها الطبيعية، وجودة الأوساط البيئية وقدرتها الإنتاجية، واستخدام موارد التنوع الإحيائي على نحو قابل للاستدامة، وربط ذلك بخطط التنمية والمتطلبات المرحلية بما يسهم في تحقيق التوازن المنشود لمستقبل بيئي أفضل.”

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية العمانية عن محمد بن مبارك عكعاك نائب رئيس الفريق الميداني لمكافحة نبتة البارثنيوم في محافظة ظفار قوله إنّ المبادرة تأتي ضمن خطة متكاملة تهدف إلى مكافحة النبتة واستعادة النظم البيئية في منطقة خريف ظفار، عبر حلول عملية قائمة على الطبيعة، مشيرا إلى أبرز التحديات التي تواجه النظم البيئية في تلك المنطقة من بينها الأنواع النباتية الغازية مثل أشجار المسكيت الضارة ونبتة البارثنيوم إلى جانب الرعي الجائر والأنشطة البشرية والتغيرات المناخية التي تُسهم مجتمعةً في حدوث تصحر تدريجي وانحسار متواصل للغطاء النباتي.

وأوضح عكعاك أن الحملة البيئية الحالية تركز على استعادة الغطاء النباتي الطبيعي عبر نثر مزيج دقيق من بذور النباتات المحلية، إذ تحتوي كل كرة بذور على نوع عشبي وآخر شجري من بينها أشجار السغوت والعرعير والطيق والغيضيت والتبلدي بالإضافة إلى أعشاب رعوية متنوعة مثل الآللّي والشبضاف والزدرت والأثات.

وأكد على أهمية استخدام كرات البذور في الحملة نظرا لتميزها في الحفاظ على البذور في حالة سكون إلى حين توفر الظروف الملائمة للإنبات وهي مصممة لتحمّل ظروف الجفاف والتأقلم مع نمط الهطول الموسمي غير المنتظم، ما يجعل هذه التقنية مناسبة تمامًا للبيئات ذات الأمطار المتذبذبة.

ولفت إلى وجود طرق أخرى لمكافحة نبتة البارثنيوم في محافظة ظفار عن طريق الاقتلاع اليدوي والقطع الميكانيكي واستخدام اللهب الحراري، إضافة إلى رش المبيدات المباشرة على النبتة للحد من انتشارها، وتقليص آثارها السامة على الإنسان والحيوان والنبات، وضمان استعادة التوازن البيئي.

وقال إن الحملة البيئية تُمثّل نموذجا يُحتذى به في التكامل بين الجهود المؤسسية والمجتمعية للحفاظ على استدامة النظم البيئية الجبلية، إذ يشارك في الحملة العشرات من المتطوعين من أبناء المجتمع المحلي إلى جانب أعضاء من مبادرة وعي، وهي مبادرة تطوعية شبابية تُعنى بصون الطبيعة في محافظة ظفار.

وأضاف أن منطقة الخريف تعتبر آخر الغابات الموسمية في شبه الجزيرة العربية التي تمتد على طول الشريط الساحلي لمحافظة ظفار المتأثر بالرياح الموسمية الجنوبية الغربية القادمة من بحر العرب، وتغطي مساحة تتجاوز ثلاثة آلاف كيلومتر مربع من ولاية مرباط شرقًا إلى ولاية ضلكوت غربا، موضحا أن منطقة الخريف تتميز بتنوع نباتي استثنائي يضم أكثر من 864 نوعا نباتيًّا، من بينها أكثر من سبعين نوعا مستوطنا في جنوب الجزيرة العربية ما يجعلها من أغنى النظم البيئية في الإقليم.

3