حرب الفلافل

في زيارتي الأخيرة لباريس اطمئن قلبي إلى أن اليهود لم ينتصروا في حرب الفلافل. لقد رأيت العشرات من المطاعم السورية واللبنانية وهي تقدم الفلافل بمختلف وصفاتها باعتبارها وجبة طعام وطني مع الحمص والفول والمناقيش والفطائر.
في أزقة حي الماريه مشيت وأنا أردد مقولة فريد الأطرش “ما قالي وقلتلو/ ومال لي وملت لو/ وجاني ورحت لو/ يا عواذل فلفلو” وشقت يومها أغنية للعراقية عفيفة إسكندر طريقها إلى لساني “فلفل وابهار” فربما كان اسم الفلافل مشتقا من الفلفل.
وحرب الفلافل ليست أقل ضراوة من حرب التوابل التي نشبت لأعوام طويلة بين هولندا والبرتغال يوم كانتا سيدتي البحار في القرن السادس عشر. تذكرت أن المصريين مثلما يسمون الخبز عيشا فإنهم يطلقون على الفلافل اسم “طعمية”. فالخبز هو رمز العيش أما الفلافل فهي خلاصة الطعام التي تدحر الجوع.
غير أن هناك مَن يعترض على الوصفة المصرية كونها تُدخل الفول في صناعة الفلافل فيما يصر اللبنانيون على أن الحمص هو المادة الرئيسية لإعداد الفلافل.
بالنسبة للبنانيين يمكنهم أن يروا في انتقاد كل شيء في بلادهم بدءا من رئيس جمهوريتهم إلى تفوقهم في اللياقات الاجتماعية نوعا من المزاح المقبول، غير أنهم لا يقبلون النقاش في مسألة أسبقيتهم وتفوقهم في إعداد التبولة والحمص والفلافل والفتوش فهي أشبه بالمسألة المصيرية التي تستحق أن يدخلوا في حروب دفاعا عنها. وليس أدل على ذلك من أنها دخلت في وجدانهم العاطفي من خلال الأغاني الخالدة.
يقول نصري شمس الدين “يمشوا شوي/ يحكوا شوي/ صبيان وصبايا الحي/ عملو أكلة تبولة/ بدن شي مطرح بالفي”، أما نجاح سليم فهي تقول في أغنيتها الخالدة ميل يا غزيل “نسقيك فنجان قهوة/ نعملك تبولة” وقد لا يعرف الكثيرون أن زكي ناصيف وهو أحد أركان الموسيقى الحديثة في لبنان كان قد ألف مقطوعة موسيقية بعنوان “رقصة التبولة”.
ولقد اشتهرت المطربة صباح بكثير من المقاطع الغنائية التي تتغزل بالطعام وتعتبره مصدر إلهام عاطفي. وقد تكون “أكلك منين يا بطة” و”عالبساطة” هما أشهر أغنيتين في ذلك المجال.
تقول في الثانية “تغديني جبنة وزيتونة/وتعشيني بطاطا”، غير أن أغنيتها الرمضانية “رمضان قال أحمدوه” المشهورة بالجملة الأولى منها “الراجل ده حيجنني” تظل هي الأكثر ظرفا.
وقد يكون مفاجئا أن نعرف أن تلك الأغنية كانت لقاء بين عملاقين: حسين السيد شاعرا ومحمد الموجي ملحنا، وكان فؤاد المهندس هو نجم تلك الأغنية حين مثل دور الزوج الذي يصرخ “امراتي عايزة تجوعني”.