حرب السودان تدخل عامها الثالث.. قتل ومهانة وجوع ويأس

قوات الدعم السريع ستركز في الفترة المقبلة على تأمين المناطق الحدودية وضمان خطوط إمدادها.
الثلاثاء 2025/04/15
الحرب الأهلية تسببت في أكبر مأساة انسانية

الخرطوم - دخلت الحرب في السودان الثلاثاء عامها الثالث بعد أن خلفت عشرات الآلاف من القتلى وأدت إلى تشريد 13 مليون شخص متسببة كذلك بأكبر أزمة إنسانية في التاريخ الحديث من دون أن تلوح لها نهاية في الأفق.

وخلال الأسبوع الماضي وحده، قتل 400 شخص ونزح 400 ألف آخرون في مخيم زمزم في شمال دارفور، في هجوم نسب لقوات الدعم السريع ووفق أرقام الأمم المتحدة.

واشتدت المعارك في إقليم دارفور غرب السودان بعد إعلان الجيش استعادته السيطرة على العاصمة الخرطوم، بينما قال إنه نفذ الاثنين "ضربات جوية ناجحة استهدفت تجمعات العدو شمال شرق الفاشر" وأدت إلى مقتل عدد من المقاتلين وتدمير مركبات عسكرية.

واندلع النزاع في السودان بين الحليفين السابقين عبدالفتاح البرهان قائد الجيش السوداني ونائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023 وسرعان ما امتدت الاشتباكات التي بدأت في الخرطوم إلى معظم ولايات البلد المترامي الأطراف.

وقبل هذا التاريخ كان الطرفان يتحدثان عن مفاوضات لإنهاء الأزمة، إلا أن الجيش السوداني شن هجوما على قوات الدعم السريع، في خطوة سرعان ما تحولت إلى مواجهات دموية اتسع نطاقها تدريجيا لتشمل معظم مناطق السودان.

وفي غضون ساعات تحولت مدينة الخرطوم الهادئة إلى ساحة حرب تملؤها الجثث بينما لاذ مئات الآلاف بالفرار.

وخلال عامي الحرب اتُهم طرفا النزاع، الواقعان تحت العقوبات الأميركية، بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين بينها القصف العشوائي واستهداف الأحياء السكنية والبنى التحتية. ووجهت لقوات الدعم السريع تحديدا اتهامات بالعنف الجنسي الممنهج والإبادة الجماعية والنهب وقد نفت ذلك مرارا وتحدثت عن حوادث معزولة.

وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في بيان الثلاثاء إن السودانيين "محاصرون من كافة الجهات - حرب وانتهاكات واسعة النطاق ومهانة وجوع وغيرها من المصاعب. يواجهون حالة من اللامبالاة من العالم الخارجي والذي لم يُبدِ خلال العامين الماضيين اهتماما يُذكر بإحلال السلام في السودان أو إغاثة جيرانه".

وفي ولاية الجزيرة بوسط السودان يؤكد محمد الأمين (63 عاما) أن مواطني مدينة ود مدني يعيشون "بلا كهرباء"، مضيفا "بعد تحرير مدينة الخرطوم حدثت بعض المعالجات للمياه لكنها تتوفر حوالي 8 ساعات في اليوم".

وبعد دخول الجيش السوداني الخرطوم الكبرى، عادت زينب عبدالرحيم إلى منزلها في بَحْري لتجد أنه "نُهب بالكامل". وقالت إن المدينة محرومة من مياه الشرب والكهرباء، مشيرةً إلى صعوبة الحصول على الأدوية أو الوصول لمستشفى ما زال يعمل، مضيفة "للحصول على المواد الغذائية علينا الذهاب إلى أمدرمان (على بعد نحو 9 كيلومترات) فسوق مدينة بحري محطم واحترق".

وشهد إقليم دارفور أكثر المعارك حدة في الأشهر الماضية، خصوصا مع محاولة قوات الدعم السريع السيطرة على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وهي آخر مدينة رئيسية لا تزال خارجة عن سيطرتها في الإقليم.

وأطلقت هذه القوات الأسبوع الماضي هجوما جديدا عند أطراف الفاشر التي تحاصرها، أتاح لها السيطرة على مخيم زمزم الذي يعاني المجاعة، بعد يومين من القصف المدفعي العنيف وإطلاق النار.

ونقلت الأمم المتحدة الاثنين عن "مصادر موثوقة" تأكيدها أن حصيلة هذه المعارك تجاوزت 400 قتيل، بينما فرّ نحو 400 ألف شخص من المخيم، حسب ما أفادت المنظمة الدولية للهجرة.

ويرى محللون أن قوات الدعم السريع ستركز في الفترة المقبلة على تأمين المناطق الحدودية وضمان خطوط إمدادها، ما يعزز الانقسام في البلاد التي يسيطر الجيش السوداني على شمالها وشرقها بينما تسيطر الدعم السريع وحلفاؤها على الغرب ومناطق في الجنوب.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الإثنين إن السودان "لا يزال عالقا في أزمة ذات أبعاد مذهلة يدفع فيها المدنيون الثمن الأعلى" داعيا إلى "إنهاء هذا الصراع العبثي".

ودعا غوتيريش "المتمتعين بأكبر قدر من النفوذ لدى الأطراف" المتحاربة إلى "استخدام هذا النفوذ لتحسين حياة شعب السودان بدلا من إطالة أمد هذه الكارثة"، مشددا في بيانه على أهمية "وقف الدعم الخارجي وتدفق الأسلحة" ومشيرا إلى "مواصلة تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى السودان بما يسمح باستمرار الصراع وانتشاره".

وجاء البيان عشية اجتماع دولي تستضيفه لندن الثلاثاء "للاتفاق على خارطة طريق لإنهاء المعاناة"، وفقا لوزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي الذي حذر من أن استمرار العنف في السودان يدفع الآلاف إلى اللجوء إلى دول المنطقة مؤكداً أن "السودان المستقر والآمن هو أمر حيوي لاستقرار المنطقة".

ويشارك في الاجتماع وزراء خارجية فرنسا وألمانيا والإمارات المتحدة وتشاد وممثلون عن الاتحاد الأوروبي بينما يغيب عنه طرفا النزاع السوداني.

وأحصت الأمم المتحدة قتل أو تشويه 2776 طفلا بين 2023 و2024 في السودان، مقابل 150 في 2022. ومن المرجح أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى.

ومن الصعب التوصل لأرقام دقيقة لضحايا حرب السودان بسبب انهيار القطاع الصحي، إلا أن المبعوث الأممي السابق إلى السودان توب بيرييلو قدر عدد القتلى بنحو 150 ألفا.