حرب التسريبات تتفجر بوجه حكومة السوداني مع اقتراب سنة الانتخابات

كثرة التسريبات الصوتية لسياسيين ومسؤولين عراقيين تظهر تحوّلها إلى سلاح في الصراعات التي لا تهدأ بين المتنافسين على المواقع والمناصب السياسية، والتي اعتاد العراقيون على اشتدادها وتخطيها لجميع ضوابط العمل السياسي وأخلاقياته مع اقتراب المواعيد الانتخابية الهامة.
بغداد- تحوّلت التسريبات الصوتية لسياسيين ومسؤولين في أجهزة الدولة العراقية إلى ظاهرة مقترنة باشتداد الصراعات على السلطة وتخطيها ضوابط العمل السياسي وأخلاقياته.
واقتحمت الظاهرة خلال الفترة الأخيرة الدائرة القريبة من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بالتوازي مع العودة القوية للجدل بشأن التعديل الذي أعلن نيته إدخاله على حكومته والذي لا يحظى بموافقة عدّة أطراف مشكّلة للحكومة وبادرت ردّا على ذلك بفتح النقاش حول مدى نجاح السوداني في تنفيذ برنامجه الحكومي وما يتعلق بذلك من إثارة للتساؤلات بشأن أحقيته في استكمال ولايته حتى موعد الانتخابات البرلمانية القادمة المقرّرة لسنة 2025.
وتساهم التسريبات وما تكشف عنه من فضائح تحتاج إلى جهود كبيرة وتحقيقات دقيقة للوقوف على مدى صحّتها في تعقيد المشهد حول رئيس الوزراء وتسميم الوسط السياسي الذي ينتمي إليه ويتحرّك داخله، وتعقّد بذلك من مهامه وتمهّد للإطاحة به وبحكومته تنفيذا لرغبة منافسين له سبق أن دعوا بشكل صريح إلى استقالته مع الحكومة وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
وتصف أوساط سياسية قريبة من السوداني ظاهرة التسريبات الصوتية بـ”الحرب” المرتبطة بالصراع السياسي الآخذ في التصاعد استعدادا للانتخابات القادمة.
وقال عقيل الرديني المتحدث باسم ائتلاف النصر بزعامة حيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق إنّ “ما يجري حاليا هو بالفعل حرب تسريبات لبعض الشخصيات السياسية والحكومية تقف خلفها جهات داخلية، والهدف منها هو التسقيط السياسي مقدمة للانتخابات المقبلة واستخدامها كورقة ابتزاز للحصول على مكاسب.”
ويُحسب العبادي وائتلافه ضمن معسكر داخل الإطار التنسيقي المشكّل الرئيسي للحكومة، والمؤلّف من أحزاب وفصائل شيعية، داعم للسوداني ومدافع عن استكمال حكومته لمدّتها كاملة، في مقابل شقّ مضاد يقوده رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ويتبنّى فكرة استقالة الحكومة وتنظيم انتخابات مبكرة.
وتوقّع الرديني في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن تدخل ظاهرة التسريبات خلال المرحلة القادمة منعطفا أخطر بدخول أطراف خارجية على خطّها “خاصة وأن العراق مخترق بشكل كبير وخطير.” وفق تعبير عضو ائتلاف النصر.
وفتحت هيئة النزاهة الاتحادية مطلع الأسبوع الجاري تحقيقا في تسريب صوتي منسوب إلى عضو قيادي بمكتب رئيس الوزراء، الأمر الذي شكّل حرجا جديدا للسوداني الذي لم يتخلّص بعد من ذيول قضية التجسس على شخصيات سياسية ونواب في البرلمان والتي تفجّرت في وقت سابق وتورّط فيها مسؤولون من دائرته القريبة.
ويتعلّق التحقيق الجديد بتسجيل صوتي منسوب إلى عبدالكريم الفيصل رئيس هيئة المستشارين بمكتب السوداني، يُسمع من خلاله بصدد الحديث عن تلقيه رشوة بمليون دولار ومطالبته بمبالغ أكبر مقابل فرصة استثمارية لأحد المقاولين.
وقالت هيئة النزاهة في بيان إنها “باشرت بتوجيه من رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني وبالتعاون والتنسيق مع قاضي محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزية، التحقيق في التسجيل الصوتي المنسوب إلى رئيس هيئة المستشارين في مكتب رئيس مجلس الوزراء.”
ونفى الفيصل بشكل قطعي صحّة التسريب وأصدر بيانا قال فيه “تداولت بعض وسائل التواصل الاجتماعي والصفحات الصفراء تسريبا صوتيا مفبركا”، مؤكدا أنّ مضمونه “محض افتراء.”
كما نفى أن يكون قد تمّ توقيفه عن العمل معتبرا القضية برمتها “استهدافا وإنذارا لكل من يعمل ويحارب بشرف ونزاهة أنواع الفساد الذي فتك بخيرات العراق.” مضيفا قوله “أعلم أن هذه ضريبة يدفعها من لم يركن للفاسدين وأساليبهم التي خلت من المروءة والأخلاق.”
وانضم ربيع نادر مدير المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء إلى الفيصل في دفاعه عن نفسه قائلا إنّ “أبسط وأسهل وأيسر ما يمكن أن نقوم به اليوم هو أن نفبرك الأصوات وننشر الأكاذيب كما يفعلون لكننا نترفع عن تلك الأساليب الرخيصة فهي خيار المفلسين.”
وتابع قوله “خيارنا الذي لن نحيد عنه، هو مجابهة الكذب بالمعلومة الدقيقة والحقيقة الواضحة وسنواصل العمل بكل أمانة وصدق.”
ولا ينفي متابعون للشأن العراقي إمكانية تسرّب الفساد إلى الدائرة القريبة من رئيس الوزراء نظرا إلى مدى تغلغل الظاهرة في جميع مفاصل الدولة العراقية، ولكنّهم لا يستبعدون في المقابل تعرّض السوداني لعملية استهداف له من قبل خصومه تتجه رأسا نحو النواة الصلبة لعمله والمتمثّلة في فريق المستشارين الذي اختاره بنفسه ويتألف من عدد من المتخصصين بالاقتصاد والأمن والسياسات العامّة الذين يشكّلون فريق عمل مصغّرا يستخدمه رئيس الوزراء في الالتفاف على العراقيل البيروقراطية والتدخّلات السياسية من كبار قادة الأحزاب والميليشيات المسلّحة في القرار الحكومي وإجراءاته التنفيذية.
وبغض النظر عن مدى صحّة التسريب الصوتي الجديد فقد جاء ليعمّق من متاعب الحكومة إذ ينضاف إلى سلسلة من الفضائح التي تفجّرت بوجهها تباعا ونالت من صورتها لدى الرأي العام ومسّت من سمعة رئيس الوزراء الذي يتمتّع بقدر من النزاهة ونظافة اليد قياسا بأغلب من سبقوه من رؤساء وزراء ومسؤولين حكوميين، منذ سنة 2003.
وتفجرّت قضية الفيصل في وقت لم يهدأ فيه الضجيج السياسي والإعلام بشأن تسريب مماثل منسوب إلى مدير عام هيئة الضرائب علي وعد علاوي “تحدث” فيه عن قيامه بالتلاعب بالنسب الضريبية لصالح إحدى الشركات، قائلا لمخاطَبَه “المعاملة الأولى اليوم خلصت من أجل الدخول في المناقصات، وغدا سنسلمهم براءة الذمة.” ومطالبا الشخص الذي يدعى أبوفهد بالحذر لأنّ “العيون كلها مفتوحة علينا،” وفقا لما ورد في التسريب.
وأعقبت قضيةُ علاوي قضيةَ شبكة التجسّس على سياسيين وأعضاء في البرلمان والتي كانت تدار من قبل موظفين في مكتب رئيس الوزراء، وتزامنت أيضا مع تداعيات ما يعرف بسرقة القرن المتعلّقة بسرقة مبالغ طائلة من أموال الأمانات الضريبية التي حُمّلت الحكومة جزءا من المسؤولية عنها على اعتبار أن المتورّط الرئيسي فيها قُبض عليه ثمّ أطلق سراحه وسُمح له بمغادرة البلاد قبل أن يحاكم أو يعيد الأموال المختلسة.
وكان من تداعيات هذه القضية إزاحة القاضي حيدر حنون من منصبه رئيسا لهيئة النزاهة المكلفة بمحاربة الفساد إثر تسرّب تسجيل صوتي سُمع من خلاله بصدد الحديث لشخص أو أكثر عما قيل إنه “سائق سيارة كان عليه أن ينقل أكثر من مليار ونصف المليار بحذر، لكن أحدهم اعترف بالأمر.” مضيفا لمخاطَبيه “أخبرتكم أن الأعين مفتوحة.”
التسريبات وما تكشف عنه من فضائح تحتاج إلى جهود كبيرة وتحقيقات دقيقة للوقوف على مدى صحّتها
واعتُبر التسريب اعترافا من حنون بتلقي رشوة وهو ما نفاه الرجل بشدّة، لكنّه اعترف لاحقا وخلال مؤتمر صحفي بأنه حصل على أرض خلال ممارسته مهنة القضاء من قبل رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، معتبرا أنّها مجرّد هدية شملته إلى جانب عدد من القضاة والمسؤولين الآخرين لضمان ولائهم.
وبدأت مثل تلك العثرات والفضائح تُستثمر بشكل آلي وسريع من قبل خصوم رئيس الوزراء ومنافسيه لتسريع إزاحته من المنصب على الرغم من ثبوت تورّط الجهات التي ينتمون إليها من تكتلات وأحزاب وفصائل مسلّحة على مدى سنوات طويلة في الفساد.
وطالب النائب في مجلس النواب العراقي ياسر الحسيني باستقالة السوداني وحكومته قائلا إنّها “تجسست على مواطني البلاد وشخصياتها الوطنية ورموزها الدينية والعشائرية، وبالتالي فإن هكذا حكومة لا يرجى منها خير، حيث أن من يرهن خيرات العراق الاقتصادية ويضعها في مخاطر كبيرة فإنه لا يستحق أن يُولى إدارة هذه الحكومة،” في إشارة إلى السوداني.