حراك عسكري جنوب ليبيا: تشاد تقصف المعارضة وحفتر يطلق عملية عسكرية

يشهد الجنوب الليبي في الآونة الأخيرة تصعيدا عسكريا بعد قصف القوات التشادية للمعارضة المسلحة، في وقت تسعى فيه روسيا لزيادة توسيع نفوذها في القارة الأفريقية من خلال الإبقاء على مجموعة فاغنر العسكرية في ليبيا تحت سيطرة موسكو.
بنغازي (ليبيا) - أطلق الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر عملية عسكرية “تستهدف العصابات” قرب تشاد، وهي العملية التي تأتي عقب أيام من استهداف الجيش التشادي للمعارضة المسلحة التي تتخذ من جنوب ليبيا مقرا لها، وبعد أيام فقط أيضا من زيارة نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكوروف إلى بنغازي ولقائه حفتر في ظل أنباء عن دعم روسي للمعارضة التشادية.
وأعلنت الجيش الليبي بقيادة حفتر، الجمعة، إطلاق عملية عسكرية واسعة في المناطق الحدودية جنوب البلاد. وجاء ذلك في بيان نشره الناطق باسم قوات الجيش الليبي أحمد المسماري عبر حسابه الرسمي على فيسبوك. وقال المسماري إن “العملية العسكرية تأتي نظرا إلى ما تمر به منطقتنا والإقليم في نطاق دول جنوب الصحراء والساحل من توترات سياسية وأمنية واسعة طيلة الأشهر الماضية”.
وأوضح أن تلك التوترات “أسهمت في هشاشة الوضع في تلك الدول وضعف قدرتها على التحكم والسيطرة على حدودها البرية مما ساعد في تحرك خلايا من الجماعات الإرهابية والإجرامية بشكل واضح”. وذكر البيان أن الهدف من العملية هو “تأمين حدود الدولة ومقدراتها وسلامة مواطنيها وجزء من استمرار بسط سيطرتها ونفوذها على كل شبر من أرض ليبيا”.
ولفت إلى أن العملية العسكرية الحالية تشارك فيها قوات حفتر البرية والجوية و”لن تتوقف العملية حتى تحقق أهدافها”. وشدد البيان على أن القوات “لن تسمح أن تكون بلادنا منطلقا لأي جماعات أو تشكيلات مسلحة تشكل تهديدا لجيراننا أو قاعدة انطلاق لأي أعمال غير قانونية”. وأكد “المحافظة على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الصديقة والشقيقة والجارة ومشاكلها السياسية”.
ومنذ أيام، تناقلت وكالات الأنباء العالمية أخبارا مفادها قيام طائرات حربية تشادية باختراق الأجواء الليبية وقصف معسكرات للمعارضة التشادية داخل الأراضي الليبية. ولم تشر حينها وكالات الأنباء إلى مواقع معسكرات المعارضة تحديدا على الأراضي الليبية ولم تؤكد أو تنف وقوع إصابات بشرية.
كما نقلت عن مصادرها في الجيش التشادي أن الأخير نشر قواته على الحدود مع ليبيا تحسبا لأي محاولة اختراق من قوات المعارضة التشادية التي تتخذ من جنوب ليبيا ملعبا خلفيا لها دون حسيب أو رقيب. وقال الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي الأحد الماضي إن الجيش يقاتل مرة أخرى جبهة التغيير والوفاق في تشاد التي تتخذ قواعد في ليبيا والتي انسحبت من وقف لإطلاق النار الأسبوع الماضي في غمرة اشتباكات.
وتشهد منطقة الساحل وضعا أمنيا متوترا وانقلابات متتالية، في ظل وجود مجموعات محلية مسلحة، فضلا عن قوات فاغنر الروسية. ويأتي إعلان العملية بعد يوم من لقاء جمع يفكوروف بحفتر في مدينة بنغازي. في المقابل، بعثت وزارة الدفاع الروسية، الجمعة، رسائل طمأنة للقائد العام للجيش الليبي بشأن بقاء مجموعة فاغنر العسكرية في ليبيا تحت قيادة جديدة. وقالت وكالة رويترز نقلًا عن مسؤول ليبي مطلع لم تسمه إن “نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكوروف زار ليبيا لطمأنة الحلفاء على بقاء مقاتلي مجموعة فاغنر العسكرية في البلاد، لكن تحت سيطرة موسكو”.
وأضافت أنه “أبلغ قائد قوات القيادة العامة بأن المجموعة ستتبع قائدًا جديدًا”. واعتبر الباحث الليبي جلال حرشاوي في تصريح للوكالة أن “توقيت زيارة يفكوروف إلى بنغازي قبل يوم واحد من حادث تحطم طائرة رئيس فاغنر يفغيني بريغوجين هو محض صدفة”، مضيفًا أن الزيارة تشير إلى أن “البصمة الروسية في ليبيا قد تزيد وتتوسع بدلًا من أن تتقلص”.
ولفت إلى الاعتقاد بأن وفاة بريغوجين جعلت مصير فاغنر على المحك، خصوصًا شبكة عملياتها العسكرية والتجارية المعقدة والمربحة في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا. ويتوقع مراقبون بقاء المجموعة كما هي إلى حد ما في أفريقيا، في ظل إدارة جديدة أو أن تُضم إلى مجموعة روسية أخرى من المرتزقة، لكن قدرتها على العمل في أماكن قد لا يكون لموسكو فيها وجود رسمي أو قانوني يجعلها أداة لا تقدر بثمن في يد الكرملين لتنفيذ سياسته الخارجية.
◙ مراقبون يتوقعون بقاء مجموعة فاغنر كما هي إلى حد ما في أفريقيا أو أن تُضم إلى مجموعة روسية أخرى من المرتزقة
وكثف بريغوجين جهوده بعد التمرد الذي شنه في يونيو الماضي على السلطات في موسكو بتعزيز وجود فاغنر في أفريقيا. وقال في مقطع فيديو نُشر الاثنين الماضي من دولة أفريقية لم يذكر اسمها إن “شركة فاغنر العسكرية الخاصة تجعل روسيا أعظم في كل القارات، وتجعل أفريقيا أكثر حرية”. وقال محللون مستقلون ومنظمة هيومن رايتس ووتش إن نحو ألفين من مرتزقة فاغنر الموجودين في ليبيا منذ العام 2019 ساعدوا قوات القيادة العامة في هجومها على طرابلس حتى وقف إطلاق النار في العام 2020، وقاموا بحراسة منشآت عسكرية ونفطية.
وذكر حرشاوي أن روسيا ليس لها دور عسكري رسمي في ليبيا، ولا يمكنها التدخل بشكل مباشر دون انتهاك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، وبالتالي فإن مشاركتها هناك يجب أن تكون من خلال فاغنر أو مجموعة مماثلة. وقالت رويترز إن ناطقا باسم حفتر لم يرد على استفسارات بشأن الاجتماع مع المسؤول الروسي، لكنه قال في وقت سابق إن الرجلين “ناقشا التعاون العسكري بما يشمل تنسيق التدريب على الأسلحة الروسية”، وقالت وزارة الدفاع الروسية إن المحادثات ستتناول التعاون في مكافحة الإرهاب.
ومنذ 10 سنوات، نشطت فاغنر في أفريقيا الوسطى ومالي وليبيا، وعرفت كشريك لأنظمة تريد التخلص من رعاتها الغربيين أو تبحث عن مقاتلين متكتمين ولا يرحمون. وشملت هذه الأنشطة عمليات واسعة النطاق في أفريقيا حيث قامت فاغنر بتوسيع خدمات مقاتليها في بعض الدول مقابل امتيازات تعدين الذهب والماس. وفي 2020، ذكر تقرير للأمم المتحدة أن ما يصل إلى 1200 من مقاتلي فاغنر كانوا يدعمون حفتر الذي كان يحاول وقتها السيطرة على طرابلس، واستمر هجومه أكثر من عام لكنه لم ينجح. ويقول خبراء إن المئات من مقاتلي فاغنر ما زالوا موجودين في البلاد.