حراك دولي ومحلي لنزع فتيل التوتر السياسي في الصومال

تمارس قوى دولية ومحلية ضغوطا على طرفي النزاع السياسي في الصومال لإنهاء التوتر الذي يصرف أنظار مقديشو عن قتال الجهاديين الذين يجيدون الاستثمار في الأزمات لتقوية نفوذهم بما يهدد أمن المنطقة الهش واستقرارها، إلا أن الضغوط الكلامية تظل غير كافية ما لم تكن مصحوبة بخطوات عملية تكبح طرفي النزاع.
مقديشو- كثفت القوى الدولية كما الأطراف المحلية داخل الصومال من تحركاتها لتجنيب البلاد خطر الدخول في دوامة عنف بعد أن توترت الأجواء السياسية بين الرئيس محمد عبدالله محمد (فرماجو) ورئيس الوزراء محمد حسين روبلي، فيما تصرف الأزمة انتباه الحكومة عن محاربة تمرد متشددين من جماعة الشباب المتحالفة مع تنظيم القاعدة.
وأجرت الأمم المتحدة وعدد من الدول على رأسها الولايات المتحدة إلى جانب بعض الأعيان والسياسيين الصوماليين محادثات مع رئيس الوزراء ورئيس الصومال لحثهما على تجاوز الخلافات السياسية بشأن الانتخابات الرئاسية.
وقال مسؤول حكومي صومالي إن روبلي تحدث بشكل منفصل مع مساعدة وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية مولي فيي بشأن الوضع السياسي في الصومال.
وتحدث مساعدة وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية أيضا مع الرئيس فرماجو وحثته على دعم روبلي لإتمام الانتخابات البرلمانية سريعا.

وكانت الانتخابات قد بدأت في الأول من نوفمبر وكان من المفترض إتمامها في الرباع والعشرين من ديسمبر لكن إلى الآن تم انتخاب 30 نائبا فقط من أصل 275، بحسب مفوضية الانتخابات.
والاثنين علق فرماجو صلاحيات رئيس الوزراء للاشتباه بتورطه في فساد، في خطوة وصفها روبلي بأنها “محاولة انقلاب”، وطالب جميع القوات الأمنية بتلقي الأوامر من مكتبه.
ولا تزال أجواء التوتر تخيم على قوات أمنية موالية لسياسيين متحالفين مع رئيس الوزراء في منطقة قريبة من القصر الرئاسي.
وقال بعض متساكني مقديشو إنه بالرغم من الهدوء في العاصمة، فإنهم لاحظوا وجودا أكبر من المعتاد لقوات أمنية موالية لحلفاء سياسيين لروبلي، لكنها ظلت بعيدة إلى حد كبير عن الشوارع.
ويرى مراقبون أن أطماع فرماجو وأجنداته الشخصية هي السبب الرئيسي في المأزق السياسي الذي تعيشه البلاد، إذ أنه يطمح إلى تمديد ولايته المنتهية منذ الثامن من فبراير الماضي لمدة عامين عبر استمراره في خلق الصراعات السياسية بعد رفض شعبي للتمديد له.
وانتهت ولاية فرماجو الذي يتولى الحكم منذ 2017 في الثامن من فبراير من دون أن يتمكّن من الاتفاق مع القادة الإقليميين على تنظيم انتخابات في الصومال الذي يتبنى نظاما انتخابيا معقدا وغير مباشر.
وكان إعلان فرماجو في منتصف أبريل عن تمديد ولايته لمدة عامين أدى إلى اشتباكات مسلحة في مقديشو.
وفي بادرة تهدئة كلف فرماجو روبلي بتنظيم الانتخابات، لكن في الأشهر التي تلت استمر التوتر بين الرجلين وبلغت المواجهة بينهما أوجها في السادس عشر من سبتمبر مع إعلان رئيس الدولة تعليق الصلاحيات التنفيذية لرئيس الوزراء الذي رفض القرار.
وتفاهم فرماجو وروبلي أخيرا على وقف التوتر في أواخر أكتوبر وأصدرا دعوة مشتركة لتسريع العملية الانتخابية.
وانتهت انتخابات مجلس الشيوخ في جميع الولايات باستثناء غالمودوغ وبدأ التصويت في أوائل نوفمبر لمجلس النواب، لكن اختيار رئيس بعد نحو عشرة أشهر على انتهاء ولاية فرماجو لا يزال بعيدا.
وقال روبلي إن فرماجو “لا يريد إجراء انتخابات نزيهة في البلاد، بل ويسعى لاستمرار ولايته من خلال وضع عراقيل أمام جهود نجاح عملية الانتخابات”.
وتحذر الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي من أي محاولة لتنظيم انتخابات جزئية أو من خلال عملية لا تكون موضع توافق في البلاد.
يأتي ذلك بالتوازي مع إعلان وزارة المالية عن أزمة اقتصادية كبيرة وعجز مالي لصرف رواتب الموظفين نتيجة توقف المنح المالية لدعم خزينة الدولة إلى جانب جائحة كورونا التي أثرت سلبا على الاقتصاد وقطاعات رئيسية مختلفة، وهو ما يعيق جهود تنظيم الانتخابات.
ويشكل الاقتصاد بدوره تحديا كبيرا أمام إجراء الانتخابات في البلاد، حيث تقدر الميزانية المالية للعملية بأكثر من 40 مليون دولار، على أن تدفع الحكومة 10 في المئة منها بواقع 4 ملايين دولار.
ويعتقد مراقبون أن أزمة رئيس الدولة والمأزق الانتخابي يصرفان الانتباه عن قضايا أكثر أهمية في الصومال مثل تمرد حركة الشباب الإسلامية الذي يهز البلاد منذ 2007.
ويشهد الصومال عدم استقرار منذ 1991 وسقوط النظام العسكري برئاسة الرئيس السابق محمد سياد بري ما أدى إلى تسريع غرق البلاد في حرب فصائل تلاها تمرد بقيادة حركة الشباب الإسلامية المتطرفة.
وعلى الرغم من طردهم من مقديشو بالقوة من قبل بعثة الاتحاد الأفريقي (أميصوم) في 2011، ما يزال عناصر الحركة يسيطرون على مناطق ريفية كبيرة وينفذون هجمات بانتظام في العاصمة.
وحذر محلل أمني صومالي من أن فراغ السلطة والانقسامات بين الزعماء السياسيين يعطيان دفعة لحركة الشباب المتشددة المرتبطة بتنظيم القاعدة، مشيرا إلى سلسلة من الهجمات في الآونة الأخيرة في جزء يسوده هدوء نسبي من البلاد.
وقال حسين شيخ علي مستشار الأمن القومي السابق بالصومال ومؤسس معهد هيرال البحثي في مقديشو إن حركة الشباب استغلت الفراغ الأمني أحسن استغلال لشن هجمات في أجزاء من وسط الصومال كانت تتمتع بسلام نسبي لعشر سنوات تقريبا. وأضاف شيخ علي “هذا فشل من جانب الرئيس والنخبة السياسية في الصومال والمجتمع الدولي. لم تكن لديهم خطة بديلة للمضي قدما”.
وتسيطر الحكومة الفيدرالية الضعيفة على قسم من أراضي الصومال، وتعتمد على دعم قوة حفظ السلام للتصدي لتمرد حركة الشباب.
وأعلن الجيش الصومالي الخميس سقوط أربعة عشر قتيلا بينهم خمسة مدنيين، في مواجهات عنيفة مع مقاتلي حركة الشباب بولاية هيرشبيل جنوبي البلاد.
ونقلت إذاعة “صوت الجيش” (رسمية)، عن مصدر أمني لم تسمّه، قوله إن “القوات الحكومية تصدت لهجوم شنه مقاتلو الشباب على أجزاء من مدينة بلعد بالولاية”.
وذكر المصدر ذاته أن “القوات الحكومة قتلت تسعة من مقاتلي الشباب خلال المواجهات التي استمرت نحو ساعة تقريبا”، دون أن تعلن عن وجود خسائر بشرية في صفوفها.
ويقول المحلل في مجموعة الأزمات الدولية عمر محمود “كل الطاقات تركز على الصراعات الداخلية وبدرجة أقل على جماعة الشباب التي تستفيد من ذلك وهي بارعة جدا في استغلال هذه التوترات السياسية”.