حرائق الغابات تفقِد أستراليا نوعا نادرا من الأسماك

يواجه العلماء الأستراليون معضلة حقيقية لإنقاذ نوع نادر من الأسماك يسمى جالاكسايا من الانقراض جراء الأضرار التي تلحقه بسبب جلب أنواع كثيرة من الأسماك إلى أستراليا، وقد زادت الحرائق التي شهدتها البلاد الأمر تعقيدا وسوءا.
كانبرا - توجد أسماك جالاكسايا السمينة، وهي أسماك صغيرة من أسماك المياه العذبة بحجم الإصبع الوسطى لليد، في منطقة يبلغ طولها ثلاثة كيلومترات فقط من مجرى مائي في متنزه كوسيسكو الوطني بأستراليا، والذي تضرر بشدة جراء حرائق الغابات التي شهدتها البلاد في أواخر العام الماضي.
وفي يناير الماضي، ومع استمرار الحرائق، توجه مارك لينترمانز، عالم البيئة المتخصص في الأسماك بجامعة كانبرا، مع فريقه إلى منطقة تانتانجارا كريك بمرتفعات نيو ساوث ويلز ليعطي الأسماك صدمات كهربائية في محاولة لإنقاذها من الانقراض.
وقال لينترمانز “أسماك جالاكسايا السمينة موجودة فقط فوق شلال يبلغ ارتفاعه سبعة أمتار، مما يحول دون قيام سمك السلمون المرقط بغزوها في أعلى المجرى المائي“.
ويعد سمك السلمون المرقط مصدر تهديد رئيسيا لحوالي 15 نوعا من الأسماك في أستراليا، وبينها أسماك جالاكسايا السمينة التي يبلغ طول الواحدة منها 114 ملليمترا، والتي تشكل حرائق الغابات الآن تهديدا خطيرا لها على نحو متزايد.
وجرى تصنيف هذه الأسماك على أنها أنواع مهددة بالانقراض على نحو خطير، من جانب الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، وليس من جانب أستراليا، حيث العمل جار لإدراجها ضمن هذا التصنيف.
كان تم تصنيف أسماك جالاكسايا كنوع منفصل فقط في عام 2014، لذلك فهناك قدر ضئيل جدا من المعلومات التاريخية عنها.
لكن وفقا لتقديرات العلماء والباحثين، لم يتبق من هذه الأسماك سوى نحو ألفين. وفقد هذا النوع 98 في المئة، على الأقل، من موطنه خلال الأعوام المئة الماضية، منذ جلب سمك السلمون المرقط إلى أستراليا بغرض الصيد الترفيهي.
وفي الواقع، تتسبب أنواع كثيرة من الأسماك التي تم جلبها إلى أستراليا في ضرر جسيم للحيوانات المحلية. وعلى سبيل المثال، تسببت القطط والثعالب الوحشية في انقراض عشرين نوعا من الثدييات منذ أحضرت إلى القارة قبل مئتي عام، وفقا لبيانات إدارة البيئة.
وعلى مدار العامين الماضيين، أضر الجفاف الشديد بأسماك جالاكسايا، وبالإضافة إلى ذلك، دمر حوالي 20 ألفا من الجياد البرية في ضفة المجرى المائي، مما أدى إلى القضاء على النباتات وتلويث المجرى. ولكن هذه الأسماك تواجه الآن خطرا جديدا، ألا وهو حرائق الغابات.
وقال لينترمانز إنه في الوقت الذي تنجو فيه هذه الأسماك من الحرائق الفعلية حيث تكون تحت الماء، يشكل هطول الأمطار الذي يعقب ذلك التهديد الرئيسي لها. وأضاف “ينجرف كل الرماد إلى المجرى المائي، إلى جانب أوراق أشجار نصف محروقة وغير محترقة، والتي تبدأ في التحلل في الماء.. يؤدي هذا التحلل إلى نفاد الأكسجين في الماء ويغطي الرماد خياشيم الأسماك فيخنقها، كما تتضرر مصادر طعام الأسماك وبيئة تكاثرها“.
وتسبب الرماد والحطام بالفعل في نفوق الآلاف من الأسماك المحلية في عدة مواقع بولاية نيو ساوث ويلز جنوب شرق البلاد.
واندلع حريق الغابات الأسوأ في منطقة مستجمعات المياه (أحواض التصريف) حيث توجد أسماك جالاكسايا، وذلك في منتصف شهر يناير الماضي، مع توقعات بهطول أمطار غزيرة في الأسبوع التالي.
وفي محاولة لإنقاذ أسماك جالاكسايا قبل أن تجرفها الأمطار والرماد والرواسب إلى مياه النهر، رافق فريق إطفاء محلي الطاقم إلى المنطقة، حيث كان الحريق لا يزال مشتعلا.
واصطاد الطاقم، الذي اضطر إلى قطع مهمة الإنقاذ بسبب تهديد آخر باندلاع المزيد من حرائق الغابات، حوالي 142 سمكة باستخدام تقنية الصيد بالصدمات الكهربائية التي تصيب حركة الأسماك بالشلل لفترة قصيرة.
وأسماك جالاكسايا التي جرى صيدها موجودة حاليا في منشأة آمنة ومبردة في منطقة مزارع سمكية، ومن قبيل المفارقة أن هذه المنشأة كانت تستخدم لتربية سمك السلمون المرقط.
وتابع لينترمانز “لذلك، ستكون المزرعة السمكية الخاصة بالسلمون المرقط بمثابة المنقذ لأسماك جالاكسايا الصغيرة”.
وأوضح “تأكل أسماك جالاكسايا وتتغذى في سعادة، حتى نحدد ماذا سنفعل بشأنها، ويتوقف هذا على ما سيحدث لمواطنها البرية حيث إن موسم حرائق الغابات سيستمر شهرين آخرين”.
وقال “السيناريو الأفضل هو أنه سيتم إطلاق هذه الأسماك في بيئتها القديمة في غضون فترة تتراوح بين أربعة وخمسة أشهر، والسيناريو الأسوأ هو أن نحتفظ بها ونتعلم كيفية تربيتها”.
ومنذ شهر سبتمبر 2019، أتت حرائق الغابات على أكثر من 12 مليون هكتار من الأراضي في شرق وجنوب أستراليا، كما أودت بحياة أكثر من مليار حيوان.
وتوصل تحليل أولي أجراه قسم البيئة إلى تضرر ما لا يقل عن 50 في المئة من بيئة لأكثر من 100 نوع مهدد بالانقراض جراء حرائق غابات، وهي كارثة قد تؤدي إلى انقرض بعضها.
وأعلنت الحكومة الأسترالية أنها ستخصص 34.5 مليون دولار أميركي لدعم الحياة البرية واستعادة مواطن الحيوانات، ومن المرجح أن يزيد هذا المبلغ بعد أن تحدد السلطات الأنواع المهددة بالانقراض التي تحتاج إلى إجراءات طارئة أولا. ويقود لينترمانز دراسة تتناول الأولويات الخاصة بالأسماك وسرطان البحر.