حذف مشاهد من مسلسل "أبوعمر المصري" استفزت الخرطوم

احتجاج وزارة الخارجية السودانية على العمل التلفزيوني، لم يكن مفاجئا لمن يتابع تطور العلاقات بين الخرطوم والقاهرة.
الاثنين 2018/05/21
كيمياء مفقودة رغم محاولات التقارب

القاهرة - أعلن رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المصري (رسمي) مكرم محمد أحمد، الأحد حذف مشاهد من مسلسل أثار غضب الخرطوم. وكانت الخارجية السودانية أعلنت، مساء السبت، استدعاء السفير المصري أسامة شلتوت، وتسلميه احتجاجا رسميا على عرض مسلسل “أبوعمر المصري”. وخلال مؤتمر صحافي قال مكرم محمد أحمد إن “المجلس حريص كل الحرص على تعزيز العلاقات بين مصر والسودان”، بحسب الوكالة المصرية الرسمية للأنباء.

وأضاف أن “ما أثير بشأن ما جاء في مسلسل (أبوعمر المصري) من افتراء على السودان تم النظر فيه وتفنيده، وحذف ما قد يسيء لدولة السودان، مع العلم أن أحداث المسلسل واضحة ولم تتضمن أي إهانة أو اتهام للسودان الشقيق” .

وسبق أن نفت شبكة قنوات “أون تي في” المصرية الخاصة التي تعرض مسلسل أبوعمر المصري وجود أي تلميحات إلى السودان، وأن العمل لا يمت بصلة لمواقف القاهرة الحريصة على تقوية العلاقات مع الخرطوم.

ويعكس الموقف السوداني الغاضب من عرض مسلسل “أبوعمر المصري” المستوحى من رواية حملت الاسم ذاته للكاتب والأديب عزالدين شكري صدرت منذ ستة أعوام وتروي قصة سيكولوجية المتطرف، والإرهاب العابر للدول، مدى حساسية السودان إزاء أي إشارة مصرية مقصودة كانت أم غير مقصودة تجاهه، خاصة في ما يتعلق بملف التطرف والإرهاب.

ويقول مراقبون إن احتجاج وزارة الخارجية السودانية على العمل التلفزيوني، بعد ثلاثة أيام من عرضه على قنوات “أون تي في”، لم يكن مفاجئا لمن يتابع تطور العلاقات بين الخرطوم والقاهرة، والتي تأثرت بملف الإرهاب وكواليسه المتعددة.

ولطالما وجهت وسائل إعلام مصرية أصابع الاتهام للخرطوم بشأن تورطها في بعض الجرائم الإرهابية، من خلال عناصر إسلامية اتخذت من الأراضي السودانية مركزا للتدريب، أو ممرا للعبور إلى مصر.

وظلت هذه القضية واحدة من القضايا التي تحكمت في العلاقة بين البلدين، وأفضت إلى توتر بينهما، في ظل سعي محموم من قبل السودان لدرء شبهة دعم الإرهاب عنه.

هاني رسلان: ردة فعل السودان على المسلسل تنم عن حساسية مفرطة
هاني رسلان: ردة فعل السودان على المسلسل تنم عن حساسية مفرطة

وحملت التغييرات التي قامت بها الخرطوم مؤخرا، في بعض الأجهزة الأمنية والتنفيذية والحزبية، رغبة في إبعاد كل من حامت حولهم شبهة العلاقة بالتيار الإسلامي أو من لهم علاقة بمتشددين متهمين بدعم الإرهاب. وجرى استبدالهم بشخصيات تميل إلى مكافحة الإرهاب، ولها تاريخ كبير في التعاون مع الدول التي تتصدر محاربته عالميا.

وحقق السودان نتيجة إيجابية في هذا المضمار، خففت من حدة التصريحات والتلميحات التي درجت على الربط بينه وبين تكفيريين. وحقق التعاون الأمني مع مصر تقدما، أدى إلى زيادة الاقتناع بأن السودان عازم على الابتعاد عن العناصر الإسلامية المتهمة من قبل القاهرة بالإرهاب، واتخذت من أراضيه مأوى لها.

ويعود التوتر الذي ظهر في بيان الخارجية السودانية، إلى أن المسلسل لمس ملف الإرهاب المثير، وأعاد للأذهان مرحلة تاريخية تسعى الخرطوم إلى تجاوزها سريعا، مع بداية مرحلة تستعد فيها لترويج أنها ستكون رأس حربة في مكافحة الإرهاب وليس دعمه.

ووصف هاني رسلان الخبير في الشؤون السودانية ردة فعل الحكومة السودانية على المسلسل، بأنها “مبالغ فيها وتنم عن حساسية مفرطة، وتم التعامل مع العمل الدرامي بمنطق من على رأسه بطحة”. وقال رسلان لـ “العرب”، إنه خلال فترة التسعينات من القرن الماضي، كان السودان مفتوحا لتنظيم القاعدة والجماعة الإسلامية، وهناك تم التدبير لمحاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا 1995، فضلا عن التخطيط لاغتيال شخصيات سياسية بمصر، أبرزها صفوف الشريف رئيس مجلس الشورى ووزير الإعلام الأسبق.

وأضاف أن التفجيرات التي استهدفت الجامعة الأميركية بالقاهرة في التسعينات أيضا على يد تنظيم “الفتح” التابع لتنظيم الجهاد الإسلامي، جرى التخطيط لها وتمويلها من داخل السودان.

وعقب ثورة 30 يونيو 2013، هرب عدد من قادة حركة “حسم” -وهي جناح عسكري للإخوان- إلى السودان، وخططوا هناك لتنفيذ عمليات إرهابية داخل محافظات مصرية.

وأوضح رسلان أن المتهم الرئيسي في تفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة في ديسمبر 2016، عاش فترةً طويلة في السودان، باعتراف والدته وشقيقته، قبل أن ينضم إلى تنظيم داعش في سيناء، ومنها غادر إلى القاهرة لتنفيذ العملية التي قتل فيها 29 وأصيب 31 شخصا. وأكدت مصادر مصرية لـ “العرب” أن السودان كان حتى وقت قريب يؤوي محكوما عليهم في قضايا إرهاب، ومؤخرا حذّرتهم الخرطوم من الظهور علانية، وقام عدد كبير منهم بمغادرة البلاد في هدوء.

وأضافت المصادر أن القاهرة ارتاحت لتحركات الخرطوم في هذا المجال مؤخرا، لكنها لا تزال تعتبر الخطوات التي تم اتخاذها غير كافية، لأن هناك جيوبا داخل النظام الحاكم لا تريد التفريط تماما في ورقة الإسلاميين، انطلاقا من قناعات أيديولوجية.

وتبدو مشاركة السودان المعلنة في مكافحة الإرهاب، بالتعاون مع الولايات المتحدة ومصر، مدخلا لإعادة تأهيل النظام الحاكم، بل يمكن أن تكون عنصرا مهما، بحكم موقع السودان الجغرافي القريب من دول تعج بمتشددين، مثل ليبيا وأفريقيا الوسطى والصومال ومصر.

ويعود القلق من مسلسل “أبوعمر المصري”، إلى عدم الثقة والحساسية المفرطة بين مصر والسودان، لأن الأخير اعتاد تلقي إشارات الإرهاب بصورة غير مباشرة من الأولى. وصب الغضب على العمل الفني، وفي ذهنه أن هناك جهات في الدولة المصرية سمحت بعرضه ومنحته موافقتها. ما يعني أنه ينطوي على رسالة ضمنية رسمية، في وقت بدأت تزول فيه الكثير من السحب الظاهرة.

ويتناسى هذا التقدير، أن العمل الدرامي صدر في رواية منذ وقت وموجود في الأسواق العربية، وكاتبها (عزالدين شكري فشير) محسوب على المعارضة المصرية. والرواية لا تدور في السودان، لكن تلمسه بشكل عابر، في وقت كان يتردد اسمه في مجال التطرف ودعم الإسلاميين في دول مختلفة. والعمل يعتبر السودان محطة وليس مسرحا أساسيا.

ويقوم ببطولة مسلسل “أبوعمر المصري” الفنان أحمد عز، وتدور أحداثه حول محام مصري يدعى “فخر الدين” (أحمد عز) ينجو من محاولة اغتيال يُقتل فيها ابن خالته، ليقرر الهرب إلى فرنسا، ومنها إلى السودان، وهناك يتحول إلى كادر مهم من كوادر الجماعات الإسلامية المسلحة، وعينه على العودة والثأر من قاتل ابن خالته.

2