"حدث في الجنة" مسرحية تستعيد أجزاء من تاريخ فلسطين

عمان – قدمت فرقة “مسرح عالخشب” على المسرح الثقافي الملكي في عمّان عرض مسرحية “حدث في الجنة” التي صنفت كواحد من الأعمال المسرحية الدرامية التي تجمع بين الموسيقى والفن المسرحي في عمل واحد متكامل يستعرض ملامح من تاريخ فلسطين خلال القرن الماضي، لتؤكد أن فلسطين هوية شعب بأكمله، وأن حكايات أبنائها اليومية لا تخلو من الفن والحياة.
المسرحية من تأليف وإخراج زيد خليل مصطفى، وشارك في التمثيل خليل شحادة وخليل مصطفى وباسم الحمصي وصلاح عيسى، وكلٍ من الفنانات نهى سمارة وفداء أبوحمّاد ولونا الحكيم ودنيا زعتر، ومصمم الإضاءة ماهر الجريان، ومهندس الصوت سيف الخلايلة.
وتعد “حدث في الجنة” مسرحية وثائقية تتناول الواقع اليومي المألوف في مسار القضية الفلسطينية، وتبرز الأغاني والأهازيج الشعبية الفلسطينية المتوارثة والعادات والتقاليد الشعبية الفلسطينية التي تعتبر جزءاً من تقاليد المنطقة العربية. كما تظهر المسرحية سلوكيات الإنسان الفلسطيني اليومية البسيطة داخل القرى والأحياء الشعبية لتأكيد الهوية الفلسطينية العربية.
☚ المسرحية تبرز الأهازيج الشعبية والعادات والتقاليد الفلسطينية التي تعتبر جزءاً من تقاليد المنطقة العربية
واختار كاتب النص المسرحي زيد خليل مصطفى موضوعه لهذا النوع من المعالجة المسرحية لأنه يريد أن يدعو إلى وجهة نظر مؤيدة لأطروحاته التي تتبنى دعوة صريحة إلى حفظ التوازن الفني بين الحقيقة والخيال، بين الصدق الواقعي والتصور الفني، والتي سبق أن اكتشفها المسرحي الشهير شكسبير منذ أمد بعيد عندما كتب مسرحياته التاريخية.
وفي تقديمه لعمله الجديد يقول المخرج إن تقديم المسرحية يشير إلى أن “السياق الدرامي يعالج خطاباً يتوازى السياسي فيه مع الاجتماعي بأسلوب درامي يبتعد عن طرح الشعارات، فيحاكي ذاكرة المتفرج من خلال حكاية شعبية لأربع نساء يعانين من فقد ابن وزوج وأخ وأب كل منهن، ويحتفلن بذكرياتهن مع ذلك الذي لم يقف لحظة واحدة عن تكوين شخصيته المثقفة والمتسلحة بكل إمكانات الوعي التي تؤهله، وبالتالي تؤهلهن للاستمرار والمضي قدما في مسيرة المقاومة والتحرير بعد استشهاده لهذه الغاية”.
ويضيف “كما تدور أحداث المسرحية حول امرأة تطحن وأمامها جاروشتها المفترضة، وأخرى تفرم أوراق نبات الملوخية وأمامها ملوخيتها المفترضة، وثالثة تبخر الأمل وبيدها مبخرتها المفترضة، والرابعة طفلة تلعب الحجلة، وتجتمع أربعتهن في نهايات العرض على وقع الحرب”.
وتتناول المسرحية نضال الشعب الفلسطيني ومعاناته، وتقدم من منظور فلسفي صورة من صور معاناة أبناء فلسطين، ليس فقط بسبب احتلال أرضهم بل أيضا جراء معاناتهم من محاولات “التغريب” والسرقة التي تنال من هويتهم الثقافية وموروثهم الموسيقي والفني.
وقامت عملية العرض في المسرحية على شخصيات منفعلة تصرخ باستمرار، وتعتمد أكثر على عنصر الصوت في ظل غياب حركة الجسد، وإن حاولت دانيا زعتر تعويض هذا الخلل من خلال تقديم لعبة شعبية مستقاة من التراث العربي والفلسطيني على وجه التحديد، بينما عملت الممثلة فداء أبوحمّاد وكذلك نهى سمارة ولونا حكيم على تقديم شخصيات مختلفة كدور الأم وزوجة الشهيد “وضاح” حيث تبادل على دور الشهيد الفنان خليل شحادة والفنان خليل مصطفى، وجميعهم كان الصوت هو ممثلهم الحقيقي في غياب كامل لحركة الجسد.
ويمكن تصنيف هذا العمل المسرحي في خانة المسرحيات ذات الشخص الواحد، حيث اعتمد المخرج على توظيف سينوغرافيا وأزياء تنقسم إلى بيضاء مخصصة للرجال كدلالة أسطورية على “الشهداء” وتضحيات الرجل الفلسطيني، وإلى اللون الأسود المخصص للنساء الحزينات على خسارة الأحبة، وأرفق كل ذلك بموسيقى تراثية وظفت في تأجيل ظهور الشخصية الرئيسية، وأتاحت الفرصة لتقديم صور لها على لسان بقية الشخصيات على المسرح.
كما اعتمد المخرج على إطالة الحوار بين الشخصيات، ليسرد ما يمكن التطرق إليه من أحداث تراوح في الانتقال من العام إلى الخاص، بدءا من المشهد العربي ووصولا إلى الواقع الفلسطيني المرير، ثم العكس، محاولا اللعب بفكرة الزمن الذي ينتقل بين الماضي والحاضر، وأحيانا يستشرف مستقبلا لا يختلف عنهما كثيرا.
يذكر أن المخرج المسرحي الأردني حاصل على شهادة البكالوريوس في الإخراج المسرحي من جامعة بغداد عام 2003، ويعمل مدرساً للمسرح في وزارة التربية والتعليم، وهو عضو نقابة الفنانين الأردنيين. وعرف مصطفى بصفته ممثلا في العديد من الأعمال التلفزيونية والمسرحية ثم بدأ في العقد الحالي يحترف الإخراج المسرحي.
ونوه زيد مصطفى بأن فرقة “مسرح عالخشبة” التي تشاركه تقديم مسرحية “حدث في الجنة” تأسست عام 2015 من قبل مجموعة من المسرحيين الأردنيين بهدف نشر الوعي بأهمية المسرح في حياة “مجتمعاتنا المحلية عبر وضع الدراسات والأبحاث الفنية، وإصدار نشرات مسرحية وفنية وإنتاج الأعمال الفنية المسرحية والموسيقية والسينمائية”، فيما بدأ أعضاء الفرقة عملهم قبل إنشاء الفرقة بعدّة سنوات، حيث قدموا مسرحيات مثل “طقوس الإشارات والتحولات” عن نص لسعدالله ونوس، و”بروفة جنرال لأكبر القروش الثلاثة” عن نص لبرتولد بريخت، و”هاملت بعد حين” التي تستند إلى نصين، أولهما لشكسبير والآخر لممدوح عدوان.