حجب المواقع يزيد عزلة السوريين عن العالم زمن كورونا

سوريا تغيب عن قائمة "ترند تويتر" بسبب العقوبات الأميركية على النظام إضافة إلى افتقاد السوريين لخدمات شركة غوغل للسبب نفسه.
السبت 2021/03/20
الحلول الالتفافية موجودة لكنها ليست ناجحة دائما

يشعر السوريون بالعزلة أكثر بعد تفشي وباء كورونا واعتماد العالم على التطبيقات والمواقع الإلكترونية للتواصل، فيما يضطر المستخدمون في سوريا إلى اللجوء إلى مواقع بديلة أو برامج كسر الحجب التي لا تبدو فعالة دائما.

دمشق- لا تتذكّر الصحافية زينة شهلا عدد المرات التي اعتذرت فيها خلال العام الماضي عن المشاركة في مؤتمرات وورش تدريب عبر زوم، باعتبار أن زوم المنصة التي يعد استخدامها “الأكثر شعبية وسهولة حول العالم”، محجوبة في سوريا، شأنها شأن الكثير من المواقع والتطبيقات التي تعتبر أساسية في العالم اليوم.

وحاولت شهلا مرارا مع منظمي الاجتماعات أن تجد طريقة بديلة، من دون جدوى، خصوصا أن هذه المشكلة لا يعاني منها سوى السوريين في بلادهم، إضافة إلى أربع دول أخرى لا يتوفر فيها تطبيق زوم، الذي تحوّل خلال العام الماضي مع التزام الحجر المنزلي من مجرد خدمة لندوات الفيديو إلى أداة محورية في الحياة المهنية والمدرسية والاجتماعية.

وتقول زينة (39 سنة) بينما تتصفّح مواقع إخبارية في مقهى وسط دمشق “ثمة بدائل كتطبيقي واتساب وسكايب، لكن لا بديل عن تويتر مثلا”. ويحجب تويتر كل الأخبار المتداولة عن بلدها، ويطلب منها دائما تغيير موقعها إلى بلد آخر.

تويتر تُحظر الإعلانات التي تستهدف حسابات المعلنين في البلدان الخاضعة للعقوبات الأميركية

وتغيب سوريا عن قائمة “ترند تويتر”، بسبب العقوبات الأميركية على النظام السوري. وبحسب تويتر “تُحظر الإعلانات التي تستهدف حسابات المعلنين في البلدان الخاضعة للعقوبات الأميركية وغيرها من الصادرات الأميركية”.

وتتضمن القائمة التي وضعتها شركة تويتر كلاّ من سوريا وكوبا وكوريا الشمالية وإيران. كذلك تغيب خدمات شركة غوغل عن سوريا للسبب نفسه.

ولدى الدخول إلى قسم الدعم في موقع غوغل، تظهر رسالة مفادها “تقيّد غوغل الوصول إلى بعض خدماتها التجارية في بلدان أو مناطق معينة كسوريا والسودان والصين وكوريا الشمالية وكوبا”.

ويضطر السوريون الراغبون باستخدام تويتر إلى وضع أرقام من دول أجنبية، وتفعيلها بعد التواصل مع أصدقائهم المقيمين في تلك الدول. وتقول شهلا “أضطر لتشغيل بروكسي لفتح مواقع عدة، وحين أفتح تويتر، تظهر لي آخر الأخبار بحسب الموقع الذي أدخل منه”، مضيفة مع ابتسامة “عاينت مرة آخر الأخبار المتداولة في الهند وأنا في سوريا”.

وتشعر زينة “بالعزلة” جراء التقييد الحاصل، وتقول “أشعر كما لو أنّ الساعة التكنولوجية السورية قد توقّفت منذ سنوات. ونتأخر يوما بعد يوم بسبب عدم إمكانية الوصول التقني”.

لكن ذلك لا يمنع زينة من الإضاءة على نقطة إيجابية وحيدة للحجب وهي القدرة على “مشاهدة يوتيوب لساعات متواصلة من دون توقف لثانية واحدة” لعدم وجود أي إعلانات تستهدف السوريين.

وأعلنت شركة تويتر في أغسطس 2020، أنها سوف تتوقف عن المساعدة في “تضخيم” انتشار التغريدات، التي تنشرها الحسابات الرسمية لوسائل الإعلام المملوكة للدول، من خلال حذف هذه الحسابات من نظم التوصيات الخاصة بموقعها.

وحدّ هذا التحرك من ظهور الحسابات المتأثرة بالقرارات الجديدة لوسائل الإعلام المملوكة للحكومات في نتائج البحث، والإشعارات، والخط الزمني لمستخدمي تويتر.

وخلال سنوات الحرب، زادت وتيرة العقوبات وبالتالي المواقع المحظورة. ويطال التقييد التقني حاليا مواقع عدة بينها “كورسيرا” المتخصص في التعليم، و”نتفليكس” أشهر منصة للأفلام والمسلسلات، ومواقع “أمازون” و”أبل ستور” و”غوغل ستور”، وتطبيق “تيك توك” وسواها.

الحكومة السورية تحظر الكثير من المواقع الإخبارية لاسيما المعارضة، في حين يقوم ناشطون بمتابعتها عبر برامج كسر الحظر

ومع القيود على السفر وإجراءات الإغلاق العام حول العالم للحد من انتشار كورونا، بات الاعتماد أكبر على منصات الإنترنت وتطبيقاته من أجل عقد مؤتمرات واجتماعات وورش عمل في المجالات كافة.

وأفاد الخبير التقني السوري محمّد حبش أنه كلما أراد تلبية دعوة إلى اجتماع افتراضي أو ورشة عمل عبر تطبيق “زوم” الذي زاد استخدامه في العالم منذ بدء تفشي جائحة كورونا، تواجهه عبارة “هذا الموقع محجوب في بلدك”.

ويقول حبش (35 عاما) في دمشق “نعيش كأننا في قوقعة معزولة عن العالم الخارجي (…) جعلت جيلا كاملا من الشباب متأخرا تكنولوجيا عن أقرانه”.

ولم يكن بإمكان عمالقة الإنترنت كأمازون وآبل وغوغل، حتى قبل اندلاع النزاع عام 2011، العمل بحرية في دمشق بسبب عقوبات أميركية حظرت تصدير أو بيع أو توريد السلع والبرامج والتكنولوجيا والخدمات دون موافقة الحكومة الأميركية.

ويضيف حبش “لا يستطيع السوريون التعامل مع أي خدمة أجنبية عبر الإنترنت، سواء في مجال التعليم أو التجارة الإلكترونية أو الترفيه”. ووفق حبش ومع تفشي كوفيد – 19، بدأت معالم الحظر تتوضّح أكثر. وتُعدّ سوريا واحدة من أربع دول في العالم لا تتوفر فيها خدمات نتفليكس.

ويتردّد حبش إلى ورشة صغيرة في دمشق، ليُساعد صاحبها ببعض شؤون الصيانة. محاطا بقطع تبديل وأجهزة إلكترونية، يُحاول كسر أحد القيود المفروضة على موقع كورسيرا التعليمي عبر تحميل برنامج لإلغاء الحظر (بروكسي).

ويشرح “هناك حلول التفافية كاستخدام بروكسي، لكنها ليست ناجحة دائما (..) يمكن للبروكسي أن يدفعك خطوة نحو الأمام، لكن بعد ذلك لن ينفع هذا الحل أيضا”.

وإذا كانت الحلول قد تنجح في تشغيل زوم أحيانا، لكنها لا تنفع مع منصات أخرى كنتفليكس، وهو ما يفسّر الإقبال الكثيف على محلات بيع الأقراص الصلبة المقرصنة لتعوّض عن غياب الأفلام المحجوبة.

السوريون لا يستطيعون التعامل مع أي خدمة أجنبية عبر الإنترنت، سواء في مجال التعليم أو التجارة الإلكترونية أو الترفيه
السوريون لا يستطيعون التعامل مع أي خدمة أجنبية عبر الإنترنت، سواء في مجال التعليم أو التجارة الإلكترونية أو الترفيه

ولا يمكن للسوريين بأي طريقة التمتّع بالتسوّق عبر الإنترنت، في عملية يشبّهها حبش بـ”المهمة المستحيلة”. ويضيف “لا مجال هنا لأي نشاط أو تجارة إلكترونية لا بيع ولا شراء”.

وحتى يتمكّن من شراء جهاز عرض إلكتروني يساعده في تقديم محاضراته، بذل حبش مع أصدقاء خارج سوريا جهدا كبيرا. وتطلب الأمر أن يتواصل مع صديق في لبنان، تولّى عملية الشراء عبر أمازون. واستغرق وصولها إلى لبنان ثلاثة أشهر تقريبا.

في أشهر سوق للهواتف في دمشق، يكتفي عمر (26 سنة) الطالبُ في جامعة دمشق، بمعاينة آخر إصدارات الهواتف الذكية المحمولة، من دون أن يبدي رغبة في اقتنائها “لعدم تمكنه من الاستفادة من جميع ميزاتها”.

ورغم العقوبات المفروضة على سوريا، ما زال بإمكان بعض التجار عبر أسواق موازية إحضار أحدث الهواتف كأجهزة آيفون التي يتجاوز سعر الواحد منها ستة ملايين ليرة سورية، أي ما يعادل أكثر من ثمانين ضعفا من الحد الأدنى للأجور.

يضطر السوريون الراغبون باستخدام تويتر إلى وضع أرقام من دول أجنبية، وتفعيلها بعد التواصل مع أصدقائهم المقيمين في تلك الدول

ويقول عمر “أي تطبيق أريد تحميله يحتاج إلى طرق دفع إلكتروني، وغالبية البرامج الجديدة لا تعمل، فما الفائدة من شراء هاتف جديد؟”. ويضيف “الهاتف في سوريا يخسر معظم ميزاته ولو كان جديدا، فقط لأنه في سوريا”.

من جهتها، تحظر الحكومة السورية الكثير من المواقع الإخبارية لاسيما المعارضة، في حين يقوم ناشطون بمتابعتها عبر برامج كسر الحظر. وبحسب مؤشر منظمة “فريدوم هاوس” الذي أصدرته لعام 2020، فإن سوريا حققت 0 من 4 في مجال حرية التعبير وحرية الإعلام، في ظل عدم وجود أي مساحة لحرية الصحافة والقدرة على إنشاء دخول آمن على أي من مواقع الإنترنت.

وذكرت المنظمة الأميركية أن هذا التصنيف يعود إلى الصرامة والقيود المفروضة من الأجهزة الأمنية، خاصة وأن جميع المؤسسات الإعلامية الخاصة يملكها مقربون من النظام ويشرف عليها جهاز مخابرات أمن الدولة مباشرة، بالإضافة إلى كون القنوات الرسمية السورية بيد النظام، ومكتب الأمن القومي التابع لرئاسة الجمهورية.

18