حجب المعلومات يكبل المراسلين بالبيانات الرسمية في مصر

الهيئات الإعلامية المسؤولة عن القطاع تفشل في إقناع الحكومة بخطورة القيود على الصحافة.
الأربعاء 2024/01/24
هل يُجبر المسؤولون على التجاوب مع وسائل الإعلام

يشكو الكثير من مراسلي الصحف في مصر من عدم تجاوب المسؤولين معهم أو الإدلاء بأي معلومات تهم الشارع المصري، ما يضطرهم إلى البقاء مكبلين ولا يستطيعون التحرر من البيانات الرسمية، بينما تناسب القيود المفروضة على المعلومات الكثير من المسؤولين لأنها تسمح لهم بالتهرب من المواضيع الحساسة.

القاهرة - عكست حوادث التضييق على الصحافيين المصريين مؤخرا وتكرارها مؤشرا سلبيا على إمكانية أن تتغير نظرة الحكومة لوسائل الإعلام عموما في ظل إصرار بعض المسؤولين على التعامل مع المنتسبين للصحافة بطريقة غير لائقة، تنم عن عدم فهم لطبيعة المهمة التي يقوم بها رجال الإعلام من رصد للواقع وتوعية الناس بالحقائق ونقل المعلومة للجمهور دون قيود إلا بما يتعارض مع مقتضيات الأمن القومي.

ودخلت نقابة الصحافيين في أزمة مع محافظ كفر الشيخ بشمال القاهرة بعد قراره منع مراسلي الصحف من الجولات الميدانية أو الحصول على أي معلومة، وهي واقعة تكررت في محافظة أسيوط بجنوب البلاد، ورفع صحافيون شكاوى لنقابة باتت في مأزق بين الدفاع عن أعضائها وتجنب الصدام مع السلطة في توقيت يتطلب حكمة.

وأعلن خالد البلشي نقيب الصحافيين أنه سيضع على جدول أعمال اجتماع مجلس النقابة المقبل قضية تداول المعلومات وأطر العلاقة بين المصدر والصحافي وسوف يتخذ المجلس قرارا بشأنها، بعد تكرار وقائع منع بعض الصحافيين من أداء عملهم، مؤكدا أن دور النقابة ليس التضامن فقط، بل التفاوض بين الصحافي والمصدر لمنع التجاوزات بشأن حجب المعلومات ونقل الأخبار.

ويشكو الكثير من مراسلي الصحف في مصر من تعنت بعض المسؤولين، وأصبحوا مكبلي الحركة ولا يستطيعون التحرر من البيانات الرسمية التي تصدر إليهم من جانب مؤسسات عمومية دون وجود إرادة سياسية من الحكومة لحث الوزراء والمحافظين والهيئات على التعامل مع الإعلام بأريحية وتعزيز جسور الثقة بين الطرفين.

محمد شومان: تغير النظرة هو بداية لاقتناع الحكومة بحرية تداول المعلومات
محمد شومان: تغير النظرة هو بداية لاقتناع الحكومة بحرية تداول المعلومات

وأخفقت الهيئات الإعلامية المسؤولة عن إدارة المنظومة في إقناع الحكومة بخطورة بقاء الوضع الراهن دون تغيير يسمح للصحافيين بالحصول على المعلومات بلا قيود، رغم أن هناك توافقا بين أطراف الحوار الوطني، من المؤيدين والمعارضين والنشطاء والحقوقيين، على حتمية إصدار قانون لحرية تداول المعلومات.

وترفض نقابة الصحافيين تصعيد لهجة الاحتجاج ضد الحكومة مع اتساع دائرة التحديات الاقتصادية وتداعياتها على الشارع، كي لا يتم اتهام النقابة بأنها تستثمر في الأزمة الراهنة وتسعى إلى لي ذراع السلطة بتأجيج الصحافيين ضدها، لذلك تتمسك بإدارة ملف حرية المعلومة بعقلانية.

ولا تزال الهيئة الوطنية للصحافة والمجلس الأعلى للإعلام يسعيان لإقناع الحكومة، وحثها على التحرك سريعا نحو تجاوز إشكالية التضييق على المعلومات، وتداعيتها الخطيرة، بما يكرس صورة سلبية عن الحكومة في الشارع، ويسهم في نشر الشائعات.

وتبدو القيود المفروضة على المعلومات مريحة للكثير من المسؤولين في المؤسسات العمومية، لأنها تتيح لهم نشر ما يتفق مع توجهاتهم، وعدا ذلك يتم حجبه عن الإعلام، في غياب معلومات قد تمهد الطريق للتعمق والتحليل والتفسير والتقصي والنقد العلمي وتحسن صورة الحكومة أمام الشارع.

ويرى عاملون في مهنة الصحافة أن حرية الرأي والتعبير في الاختلاف مع وجهات نظر الحكومة بشأن أي قضية تبدأ من إتاحة المسؤولين في المؤسسات العمومية لمعلومات يمكن من خلالها الوقوف على أبعادها، وبعدها يمكن للإعلام ممارسة دوره في النقد وتوصيل صوت الناس بناء على ما أتيح له من معلومات.

وأقر كرم جبر، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أمام جلسة في مجلس النواب مؤخرا بأن تناول الإعلام لأي قرار بشكل نقدي موضوعي بناء على معلومات يفضي إلى تحقيق مصلحة عامة، ويصعب أن يصبح هداما، لذلك تظل حرية تداول المعلومات حقا أصيلا للإعلامي والجمهور، ليؤسس كلاهما موقفا عقلانيا بلا شائعات.

وقال محمد شومان، عميد كلية الإعلام في الجامعة البريطانية بالقاهرة، إن تغير نظرة الحكومة للإعلام هو بداية لاقتناعها بحرية تداول المعلومات والتعامل مع أبناء المهنة بطريقة تعزز مكانتهم في المجتمع، ومن المهم أن يسرع الإعلام بتغيير نفسه ولا يتعامل على أنه وسيط لنقل المعلومة فقط، بل يبحث عن الحقيقة من كل زواياها.

وأضاف شومان لـ”العرب” أن وجود شبه قطيعة بين الإعلام وبعض المسؤولين عمل تشاركي، وهناك بعض أبناء المهنة يفتقدون خبرة التعامل مع أصحاب القرار، مقابل غياب الحس السياسي من قبل قيادات كبيرة لا تعي قيمة الصحافة، ولديها ميراث خاطئ عن المهنة، ودور الحكومة أن تعجل إصدار قانون يتيح تداول المعلومات، إذا أرادت تحسين صورتها والإعلام.

ويمكن بسهولة استكشاف حالة القطيعة بين المؤسسات الحكومية والإعلام بمختلف منابره في تناول الإيجابيات ونشر بعض الإنجازات، والمشكلة أن الكثير من الهيئات الرسمية تتعامل مع التضييق باعتباره قضية إعلامية بحتة بلا اكتراث بحق المواطن في المعرفة، ما يمهد لاستمرار التعتيم، طالما جرى إخراج الجمهور من المعادلة.

◙ الكثير من مراسلي الصحف في مصر يشكون من تعنت بعض المسؤولين وأصبحوا مكبلي الحركة ولا يستطيعون التحرر من البيانات الرسمية التي تصدر إليهم

ويزداد التضييق على الصحافيين المصريين في المناطق النائية عن دوائر صناعة القرار، حيث يرغب كل مسؤول أن يظل في نظر الحكومة بعيدا عن الأنظار ونبش في إخفاقات أو نقد قرارات وتقديم صورة مغايرة عن تلك التي يرفعها لرؤسائه بشأن مجريات العمل داخل نطاقه، وهي إشكالية تجاهد نقابة الصحافيين للبحث عن حل لها.

يرى خبراء في مجال الإعلام أن شعور الكثير من المسؤولين بأن الإعلام يدافع عنهم، سواء تحدثوا إليه أم قاطعوه، دفعهم إلى المزيد من تباعد المسافات مع أبناء المهنة، ولن توجد حرية رأي أو معلومات، وهي أزمة تدفع بعض القيادات إلى التمادي في الخطأ وتتحمل الحكومة وربما النظام برمته وحدهما موجات الغضب جراء تقصير شبه متعمد يقوم على غياب الرقابة الإعلامية.

وأوضح محمد شومان لـ"العرب" أن أي قطيعة بين المسؤولين والإعلام ليست حلا للمشكلة مهما كانت المبررات، لأن البديل سيكون معلومات مغلوطة والمزيد من التراجع للقوى الناعمة، فمع غياب الجدية والتأثير والمعلومات يتسع البحث في قضايا قديمة لتعويض غياب الرسالة الجادة التي تجذب الجمهور للمنابر الإعلامية المتزنة.

وهناك جزء من المشكلة يرتبط بافتقاد الكثير من المسؤولين للحنكة السياسية التي تجعلهم يتحدثون للإعلام ولا يقعون في سقطات تجعلهم مثار سخرية، لكن تظل هناك معضلة أكثر تعقيدا مرتبطة ببعض العاملين في الإعلام أنفسهم، من حيث افتقاد خبرة التعامل مع المسؤولين، ما يعمق أزمة القطيعة مع الصحافيين، فقد تولدت لدى بعض المسؤولين حساسية مفرطة تجاه كل ما هو إعلامي.

وتسعى نقابة الصحافيين للتحرك على نطاق واسع في ملف حرية تداول المعلومات وهي مدفوعة بزوال الكثير من الحجج التي كانت تحتمي بها الحكومة لتأخير إصدار قانون خاص بذلك، مثل الحرب على الإرهاب وتثبيت أركان الاستقرار، ولم تعد أمامها مبررات الآن مقنعة لعدم السماح للإعلام بممارسة دوره بفاعلية إذا أرادت إعلاما قويا يدافع عن الدولة في مواجهة التحديات.

5