حبكة مصرية تتماشى مع غرام وانتقام السوشيال ميديا

القاهرة - أسهمت زيادة الإنتاج السينمائي في مصر خلال الفترة الماضية في تنوع الموضوعات التي تتطرق إليها الأفلام المقدمة، وتعدد القضايا التي تهم شرائح مختلفة من الجمهور، وقد وفر التنوع والتعدد فرصة لكثير من الممثلين لإظهار طاقاتهم الفنية، بما لا يحصر البطل أو البطلة في دور أو شخصية واحدة.

في الفيلم المصري “بيت الروبي” الذي بدأت دور العرض طرحه في موسم عيد الأضحى توجد قضية مركزية جرى تسليط الضوء عليها، وتشغل بال قطاعات كبيرة من متابعي السوشيال ميديا أو مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت جزءا رئيسيا من حياتنا، حيث تنقلب حياة المهندس إبراهيم الروبي، وقام بدوره كريم عبدالعزيز، رأسا على عقب عندما انخرط فيها وجارى روادها بعد فترة من الرفض والممانعة.

اجتهد المؤلفان محمد الدباح وريم القماش في تقديم وصفة تهم فئة عريضة من الناس، واقتربا كثيرا من عالم السوشيال ميديا والصخب الذي يصاحبه والهوس بالسباق حول الترند وما يفعله في المجتمع، وبدت خبرتهما في هذا المجال واسعة ولديهما دراية بأمور دقيقة، لأنهما عزفا على وتر الصعود والهبوط، والغرام والانتقال، في هذا العالم الساحر، والذي يستطيع أن يتسلل إلى حياة الناس ويسطو عليها بسهولة.

استثمر المخرج بيتر ميمي نجاحاته الفنية في الدراما والسينما والتي حققها في السنوات الأخيرة من خلال مجموعة من الأعمال الجادة التي تتطرق إلى قضايا وطنية وأمنية وسياسية، كشف من خلالها حجم براعته الفنية، وقدرته على توظيف إمكانيات الممثلين، بل وإظهار أفضلها، وهو ما فعله مع الممثل كريم عبدالعزيز الذي يجتمع لأول مرة مع الفنان كريم محمود عبدالعزيز، فقد قدما “دويتو” أو ثنائيا نجح في توفير وجبة جيدة من الضحك اللذيذ ترضي غرور الجمهور الذي وجد نفسه أمام توليفة فنية تتماشى مع ما يحتاجه من رؤية عمل فني ممتع.

حوت التوليفة السينمائية الكوميديا والدراما والأكشن في سياق واحد، لم تنفصل في غالبية المشاهد، وكان الانتقال أو الجمع بينهم سلسا بصورة لا يعرف الجمهور هل يضحك أم يبكي من السخرية والجدية، لأن القضية الرئيسية في الفيلم، وهي الفتنة بالسوشيال ميديا، بها قماشة استفاد منها المخرج في تأكيد أهميتها وخطورتها أيضا.

اللافت أن العبرة في سلاح التواصل الاجتماعي أن مضامينه لا تسقط بالتقادم، فهناك ذاكرة وأرشيف ومعلومات محتفظ بها يمكن استرجاعها عند الطلب، لتظل سيفا مسلطا على رقاب المعنيين بها، كما حدث مع الفنانة نور التي قامت بدور الدكتورة إيمان الروبي زوجة إبراهيم الروبي وابنة عمه وحب الطفولة، والتي اتهمت بإجراء عملية لسيدة أودت بحياتها، وتحولت إلى قضية قبل سبعة أعوام واهتمت بها السوشيال.

على إثر الضجة التي حدثت معها هربت إلى جنوب سيناء وزوجها واعتزلا الناس، وأقاما بيتا صغيرا في شرم الشيخ بجنوب سيناء، سمّاه طفلهما “بيت الروبي”، وعاشا حياة شبه طبيعية مع طفليهما، وفجأة تتغير حياتهما عندما يحضر إليهم شقيق إبراهيم، إيهاب الروبي وقام بدوره كريم محمود عبدالعزيز، وزوجته بهيرة وقامت بدورها الفنانة تارا عماد، للعودة معهما إلى القاهرة للقيام ببعض الإجراءات الرسمية الخاصة بإنهاء ميراث يريد أن يستثمره إبراهيم في افتتاح محل كوافير.

ذهب إبراهيم الروبي وزوجته وطفليهما إلى القاهرة في مهمة قدر لها أن تستمر يومين أو ثلاثة، لكنها تحولت في النهاية إلى إقامة دائمة، واستخدمت في الخروج من العزلة الإرادية بشرم الشيخ، وبها العبرة التي أراد العمل توصيلها وتتعلق بضرورة المواجهة وعدم الهروب منها مهما كانت النتيجة.

تفاصيل ومفارقات

قدمت هذه الثيمة من خلال تفاصيل ومفارقات عدة خاصة بالعلاقة بين المهندس والأكاديمي إبراهيم وزوجته الطبيبة إيمان والآلية التي يديران بها حياتهما والطريقة التي يربيان بها طفليهما، بعد أن لعبت السوشيال ميديا دورا في تدمير بهيرة واحتمال تحطيم نفسية الصغيرين، والإرباكات التي أحدثتها هذه الحياة في حياة إبراهيم العملية والاجتماعية، فقد تيقنا أن مواقع التواصل الاجتماعي إذا كانت شرا لا بد منه، فيمكن أيضا تحويلها إلى خير لا بد منه.

قد تكون هناك الكثير من المشاهد المفتعلة، مثل حفل زفاف ابن عمهما بيبو الروبي وقام بدوره الفنان محمد عبدالرحمن، لكن المخرج استل منه عنصرا مهما وهو الأغنية التافهة التي اضطر إبراهيم لغنائها من وحي الموقف في الحفل للحصول على توقيع ابن عمه لإنهاء ملف الميراث العائلي، وتحولت إلى ترند، ومنها أصبح إبراهيم الروبي مشهورا، وبدأت تتلقفه شركة خاصة بالتسويق على السوشيال ميديا.

أكد دخول هذه الشركة أن الترند صناعة لها روادها ورعاتها، ولم تعد المسألة صدفة أو تتم مجازفة، وهي واحدة من الرسائل التي نجح فيلم “بيت الروبي” في توصيلها للجمهور، فهناك مستفيدون ومتربصون، ومغرمون بها للدرجة التي لا يتورعون عن كشف أدق تفاصيل حياتهم الشخصية.

كانت بهيرة زوجة إيهاب الروبي الحامل تفعل ذلك على الدوام بلا مراعاة لحرمة منزل أو خصوصية أسرة، وبدأت تحقد على انتشار إبراهيم الروبي لمجرد ظهوره في فيديو صدفة عبر هاتفها المحمول الذي تركته مفتوحا أثناء تلقيها النصيحة منه بعد تماديها في نقل تفاصيل حياتها، وهي التي تعمل في هذا المجال لسنوات ولم تحقق ما حصده إبراهيم في فيديو واحد.

قدم هذا المشهد مجموعة من العبر والدروس، أبرزها عدم وجود قواعد تحكم الانتشار على السوشيال ميديا في مصر، وأن الصدفة تلعب دورا مهما، كما أن الناس يمكنهم أن يتقبلوا الجدية كما يتقبلون السطحية، وأن هذا العمل لا تحكمه قواعد يمكن من خلالها ضبطه أو تهذيبه، لكن تظل فكرة القيمة التي حواها حديث إبراهيم المفاجئ لها أهمية.

سياق غير مألوف

توقع الكثير من المشاهدين أن يضبط المؤلفان والمخرج إيقاع الفيلم على قاعدة “لا يصح إلا الصحيح” وأن الخير ينتصر في النهاية كثيمة تقليدية تنتهي بها غالبية الأفلام المصرية، غير أن طاقم العمل كان ذكيا في حبكته وتركها مفتوحة، فقد كان بإمكانهم في مشهد ولادة بهيرة في السيارة المتوقفة في الشارع بسبب زحمة المرور بمعرفة الطبيبة إيمان أن يتم ترك المارة يصورونها أثناء إجراء العملية بدلا من نهرهم، وكان يمكن بث جزء منها عبر السوشيال ميديا وإعادة الاعتبار لطبيبة ظلمت.

اختار المخرج بيتر ميمي عدم نقل المشهد على أساس أنه ليس بالضرورة أن يتم إصلاح ما أفسدته مواقع التواصل، لأن ذلك لن يحدث أبدا، وسف يظل استدعاء الصورة الذهنية القديمة متاحا ولو جاءت صورة أخرى براقة، وهي فكرة خرجت من رحم الإطار المتعارف عليه وانتصرت للواقع العملي وتعقيداته، وأن المواجهة بين الخير والشر لا تعني التعادل بينهما، فقد ينتصر أحدهما على الآخر إلى ما لا نهاية.

مع أن كريم محمود عبدالعزيز يلتقي لأول مرة كريم عبدالعزيز، غير أن الكيمياء الفنية بينهما كانت عالية، وكأنهما عملا سويا من قبل، وربما تفوق كريم الصغير على كريم الكبير في الجانب الكوميدي، وأكد أنه يحمل جينات فنية من والده الفنان الرحل محمود عبدالعزيز.