حبس رجل الأعمال المصري محمد الأمين: قضية كيدية أم لا أحد فوق القانون

بين الشماتة والصدمة وتبني نظريات المؤامرة كان تفاعل المصريين مع خبر القبض على رجل الأعمال محمد الأمين، وهو مؤسس عدة منصات إعلامية، بتهمة الاتّجار بالبشر، في دار الأيتام التي أسسها.
القاهرة - تصدر اسم رجل الأعمال المصري المعروف محمد الأمين منصات التواصل الاجتماعي في مصر، على خلفية قرار جهات التحقيق المصرية حبسه لمدة أربعة أيام على ذمة التحقيق في قضية تتعلق باتهامه بالاتجار بالبشر والتعدي الجنسي على بعض الفتيات بداري أيتام يملكهما في محافظة بني سويف الواقعة جنوبي العاصمة القاهرة.
ووفق جريدة “الأهرام” المصرية (حكومية) فقد وجهت النيابة للأمين في القضية التي تحمل رقم 188 لعام 2022، اتهامات بالتعدي على بعض الفتيات بداري أيتام أسسهما المذكور، كما طلبت النيابة تحريات إدارة مكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية حول الواقعة. وكشفت مصادر تابعت التحقيقات مع الأمين لبوابة “أخبار اليوم” (حكومية) أن جهات التحقيق استمعت إلى أقوال المتهم، وواجهته بالتهم المنسوبة إليه، والتي أمرت على إثرها بضبطه. وقال المتهم في التحقيقات إنه لم يرتكب التهم الموجهة إليه بمحاولة هتك عرض أطفال أيتام من نزلاء الدارين المملوكتين له.
والأمين هو أحد أقطاب الإعلام المصري بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك، حيث يمتلك 14 قناة فضائية أبرزها مجموعة قنوات “سي.بي.سي” الشهيرة وقنوات “مودرن” بالإضافة إلى حصص في ثلاث صحف مصرية هي “الوطن” و”الفجر” و”اليوم السابع”، كما شارك في تأسيس غرفة لصناعة وتنظيم الإعلام التي جمع خلالها جميع الصحف والقنوات الفضائية، إلى جانب تأسيسه وكالة الأخبار العربية “AUA“، قبل أن يبيعها جميعها ويختفي تدريجيًا من المجال العام في السنوات الأخيرة.
وتعود تفاصيل القضية إلى العاشر من ديسمبر الماضي حين تلقت النيابة العامة “بلاغًا من المجلس القومي للأمومة والطفولة بشأن ما نُشِر بإحدى صفحات فيسبوك ‘أطفال مفقودة’ من هتك المتهم عرض فتيات مقيمات بدار أيتام يمتلكها ببني سويف”، حسب بيان النيابة العامة المصرية.

وحسب البيان، استمعت النيابة العامة إلى أقوال الفتيات المجني عليهن اللاتي شهدن باعتياد المتهم هتك عرضهن دون رضاهن، واصطحابه بعضهن إلى فيلته بالساحل الشمالي لمدة أسبوع ليتمكن من هتك عرضهن، وطلبه منهن أفعالًا مخلة.
وقالت نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعي، إن الدار الخاصة برجل الأعمال محمد الأمين تم افتتاحها في 2021 بحضورها، وأشارت إلى أن الدار كانت تبدو مثالية بكل المعايير. وأضافت أنها رفضت محاولات الأمين وطلبه لقاءها بعد الكشف عن الواقعة، قائلة “أعيش صدمة بسبب تصرفاته تجاه بناتنا”. وأشارت إلى أنه كانت هناك مراسلات بين النيابة العامة والأجهزة المعنية، لافتة إلى أن الدار تم إغلاقها في أواخر نوفمبر، وأن اكتمال الأدلة حدث في ديسمبر. وقالت وزيرة التضامن الاجتماعي إن الناجيات من اعتداءات رجل الأعمال تم نقلهن إلى مكان سري، فيما تم نقل بقية الفتيات المقيمات في الدار إلى دار أخرى آمنة.
كما نشرت صفحة “أطفال مفقودة” منشورا أكدت فيه تقديمها للبلاغ و”الوفاء بوعدها للبنات الأيتام اللاتي ناشدنها الوقوف خلفهن”، وقدمت الشكر للنائب العام على أن التحقيقات لم تتوقف طوال الفترة الماضية، ووعدت بنشر تفاصيل الواقعة في وقت لاحق.
وكتبت الصفحة التي تحمل الشارة الزرقاء:
أطفال مفقودة
لما قلنالكوا الأيدي الأمينة طلعت مش أمينة لبنات بيتم التحرش بيها سألتونا اسم الدار إيه و اسم المتحرش إيه…. دلوقتي بعد ما عملنا دورنا نقدر نرد على أسئلتكم
محمد الأمين طلع مش أمين … وما عمل دار سماها الأيدي الأمينة بس هي أيادي عاوزه تتقطع بتنهش في لحم الأيتام الغلابة.
الحمد لله دورنا خلص وأوفينا بوعدنا للأيتام الغلابة اللي قالوا ملناش ظهر… وأثبتنا لهم إن اللي ظهره ربنا محدش يقدر عليه.
ونشرت الصفحة مقاطع فيديو وصلتهن من الفتيات في الدار يستنجدن فيها.
وأصبحت النيابة العامة تتعامل مع الوقائع التي يتم نشرها على منصات التواصل وتحظى بتفاعل واسع، باعتبارها بلاغا رسميا، وبناء عليه تتحرك جهات التحقيق للتحري وجمع المعلومات وتكليف أجهزة الأمن بالبحث وراء خلفيات الموضوع والقبض على المتهمين، في حال تم التأكد من صحة الواقعة محل النقاش.
ويمثل هذا الوجه تغيرا جذريا في نظرة المؤسسة القضائية لمواقع التواصل في مصر، أمام صعود نجمها على حساب الإعلام التقليدي وتراجع شعبيته.
وسبق لمسعد صالح أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة أن صرح لـ”العرب” أن نجاح المواقع الاجتماعية في صناعة قضايا رأي عام وتبني قضايا المظلومين وقليلي الحيلة، جعلها وسيلة إعلامية مفضلة للجهات المنوط بها إقرار العدالة والقضاء على الظلم، وصنع هذا التناغم حالة من التوافق بين الطرفين، بدليل ارتفاع منسوب الرضا بين مستخدمي الشبكات الاجتماعية عن قرارات النيابة.
وتداول مستخدمو مواقع التواصل عبارات من مقاطع فيديو متداولة للضحايا. وانتشرت عدة هاشتاغات في على غرار #الأيدي_القذرة و#الأمين_مش_أمين و#الأيدي_اللي_تتقطع و#متحرش_الأيتام و#أطفال_مفقودة.
في سياق آخر، تصدرت نظريات المؤامرة مواقع التواصل وكان السؤال الأبرز هل هي قضية كيدية أم أن لا أحد فوق القانون حقا؟
وبسبب مهمة الرجل السابقة، تخوف معلقون مصريون من أن تكون التحقيقات مع الأمين شكلية وتنتهي بإطلاق سراحه من دون تحقيق العدالة، فيما تساءل آخرون عن سبب إقدام النظام المصري على الكشف عما فعله الأمين، خصوصاً أنه عيّن العام 2014 عضواً بمجلس أمناء صندوق “تحيا مصر” بقرار جمهوري من الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وسخر معلق مستخدما صورة من فيلم “هي فوضى”:
ولم تفوت أذرع جماعة الإخوان الإعلامية الأمر للدخول على الخط حين شمتت في الأمين الذي “قالوا إنه مؤسس معاول إعلامية لهدم ما أسموه أول نظام منتخب”. لكنّ معلقين سخروا من “غباء أتباع حسن البنا” وكتب معلق:
alhassan_magdy@
محمد_الأمين تناول أتباع البنا للموضوع ينم عن الغباء الذي دفنهم في مزابل التاريخ ، ما علاقة السيسي برجل فاسد هنا أو هناك؟ وإذا ترك الفاسد قالوا إن النظام فاسد وإذا قبض على الفاسد قالوا إنها تصفية الحسابات، دمتم أغبياء ودمتم مشردين وعاش قاهركم.
فيما زعم آخرون أن رجال الأعمال الداعمين لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، وخاصة العاملين في مجال الإعلام، يجري التخلص منهم تباعاً، مثل مالك قناة “المحور” حسن راتب مالك.
وتساءلت إعلامية:
وتعرضت الإعلامية إلى موجة انتقادات واسعة.
وأجاب رامي الجبالي وهو أحد مؤسسي صفحة “أطفال مفقودة” عن تساؤلات الإعلامية مفندا كل نظريات المؤامرة المنتشرة. وكتب:
وقال “سأرد على هذا الكلام ومنشورات على نفس صفحتها تشكك في نزاهة القضاء المصري” الذي نفى عنه صفة السذاجة “حتى يصدر أمرا بضبط وإحضار رجل أعمال بحجم محمد الأمين وحبسه على ذمة التحقيق والتجديد له في الموعد”.
وفي معرض رده أشار الجبالي “أولا الدار لم يمر علي إنشائها 10 سنوات مثلا لنقول أين كنتم يا أجهزة الأمن.. الدار تأسست من أشهر قليلة وحين علمت الأجهزة حبسوه ويحققون معه.. لكن حضرتك حتى هذا لا يعجبك”!
وأضاف “ثانيا هذا النوع من الجرائم يتم في غرف مغلقة، وهذا قد يطمئن كثيرين أن الناس ليسوا مراقبين في غرف نومهم”، مؤكدا أن “الأمين كان يمارس جرائمه في غرفة نوم مخصصة للأمين داخل الدار وبالتالي هذه الجرائم تفضح عندما يتكلم عنها المجني عليه”. ونشر الجبالي صورة حصرية للغرفة.
وانتقد الجبالي “عدم تصديق المجني عليهن لأنهن فتيات بسيطات في مقابل رجل أعمال ذي سطوة ونفوذ”. وتابع “الاتجار بالبشر له صور كثيرة.… أي استغلال لإنسان دون إرادته المستقلة في مقابل مالي أو مصلحة شخصية يسمى اتجارا بالبشر”. وتساءل “لماذا البسيط شهادته دائما مجروحة ومشكوك فيها”.
واضاف منتقدا الإعلامية “ما تفسيرك أن أطفال من عمر 5 سنوات حتى 17 سنة يقولون نفس الكلام بطرق ووسائل مختلفة ولكل طفل رواية تخصه… طفل عمره 5 سنوات هل قبض مالا”؟
وقال الجبالي في منشور آخر أن “صفحة ‘أطفال مفقودة’ جيش من المتطوعين في مصر وكل بقاع العالم وكلهم مصريون يحبون البلد”.