حادثة وفاة لاعب مصري تكشف انحياز الجمهور للإعلام المهني لا الإثارة

إبعاد أحمد شوبير يفتح الباب لضخ دماء جديدة في البرامج الرياضية.
الجمعة 2024/07/12
أخطاء بالجملة

القاهرة - أحدثت وفاة لاعب المنتخب الوطني المصري لكرة القدم أحمد رفعت هزة كبيرة في الإعلام الرياضي، وأثبتت تداعياتها أن الجمهور ناقم على المحتوى الذي تقدمه هذه البرامج باعتباره سببًا في تدهور الرياضة، وانجذب قطاع كبير من المواطنين إلى نقاشات مهنية أثارها إعلاميون شباب، تمكنوا من كشف خيوط القضية التي قد تطال مسؤولين عن الرياضة المصرية.

والتقطت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي تملك عددا من الفضائيات المصرية، إشارات الجمهور سريعًا واتخذت قرارا، الخميس، بوقف البرنامج الذي يقدمه الإعلامي أحمد شوبير على قناة أون سبورت، وإنهاء التعاقد معه، لأنه كان يتولى منصب نائب رئيس نادي فيوتشر قبل تغيير اسمه إلى مودرن فيوتشر، والذي لعب له اللاعب أحمد رفعت، واتهم من قبل شوبير بتناول منشطات قبل وفاته.

وقالت الشركة المتحدة في بيان لها إن شوبير “خالف القواعد المهنية وسياسات المحتوى الخاصة بالشركة، والشركة تضع احترام الرأي العام المصري في مقدمة أولوياتها”، مشيرة إلى أن الفوضى في قطاع الإعلام الرياضي تستلزم مواجهة حاسمة حرصا على حق المواطن في إعلام رياضي يحترم الحقيقة ويتوخى الصدق.

وبرهنت تداعيات وفاة أحمد رفعت أن المشاهدين لهم ارتباط وثيق بوسائل الإعلام إذا وجدوا النموذج الإعلامي المهني الذي يغيب بشكل كبير عن المشهد الحالي، ويعد ذلك أحد أبرز أسباب عزوف الجمهور عن الإعلام التقليدي، وأن تغيير السياسات السابقة التي تقوم على تسطيح الأزمات وإثارة التعصب أمر حتمي الآن.

حسن علي: الجمهور يمكن أن يُعيد الاعتبار للإعلام في حال وجد احتراما لعقله
حسن علي: الجمهور يمكن أن يُعيد الاعتبار للإعلام في حال وجد احتراما لعقله

وبات إبعاد المزيد من الوجوه في الإعلام الرياضي مطروحا لصالح منح الثقة لإعلاميين شباب قد يستحوذون على جزء معتبر في المشهد الإعلامي مع توسع الفضائيات في تقديم برامج رياضية.

وحقق الإعلامي إبراهيم فايق، مقدم برنامج “الكورة مع فايق” على فضائية “إم.بي.سي.مصر” سبقاً إعلاميًا حينما استضاف اللاعب أحمد رفعت قبل أيام قليلة من وفاته، وأشار إلى تعرضه لظلم من جهات لم يسمها ساهمت في تدهور حالته النفسية وقادت إلى سقوطه خلال إحدى مباريات الدوري العام في مارس الماضي. واستكمل فايق سبقه باستضافة وكيل اللاعب نادر شوقي في حلقة حققت نسبة مشاهدة مرتفعة للغاية في يوم وفاته وكشف فيها العديد من تفاصيل ما تعرض له اللاعب.

واستطاع الإعلامي الشاب هاني حتحوت، مقدم برنامج “الماتش” على فضائية صدى البلد، أن يجذب الرأي العام بعد أن أجرى مداخلة مع وليد دعبس رئيس نادي مودرن فيوتشر ووجه إليه أسئلة أصابت أهدافها بدقة وكشفت على نحو أكبر المتسببين في الأزمات التي لحقت باللاعب قبل وفاته، وترتب على الحلقة استقالة دعبس من منصبه.

ووجه الإعلامي إبراهيم عبدالجواد، مقدم برنامج “الهداف” على فضائية “أون تايم سبورت” انتقادات غير مسبوقة للقائمين على إدارة الرياضة في مصر وحملهم مسؤولية ما حدث مع اللاعب، وهو أمر غير معتاد في مصر، ما بعث إشارات إيجابية تؤكد أن قضايا الفساد الرياضي سيتم فتحها بحرية.

وعقب كل حلقة كانت تعلو فيها صوت المهنية تأتي الردود سريعة من الجمهور الذي اختص الإعلاميين الثلاثة بتوجيه عبارات الثناء والشكر والإشادة بالمهنية، وبدا الرأي العام لديه شغف لهذا النوع من الإعلام الذي يكشف الحقائق ويتحول إلى جهة محاسبة ورقابة على ما يدور في المشهد العام، وليس الرياضي فحسب، ما بعث رسالة بإمكانية أن يلعب الإعلام دوره المطلوب، ويسهم في إعادة الثقة مع الجمهور.

وأكد أستاذ الإعلام بجامعة قناة السويس “شمال شرق القاهرة” حسن علي أن ما حققه الإعلاميون الثلاثة يبرهن على أن ملف الرياضة بحاجة إلى مراجعة شاملة، وأن حالة الإعلام الرياضي المتردية انعكاس لأوضاع الرياضة بعد أن سيطرت على المشهد مجموعة من الرياضيين الذين دخلوا مجال الإعلام مؤخرا، مع ضرورة فتح المجال أمام إعلاميين شباب، يدركون الجوانب المهنية ويعملون على إعلائها.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر لم يطبق ما وصفها بمعايير الإعلام الرياضي والوضع كذلك بالنسبة لنقابة الإعلاميين والأمر يرجع لوجود أباطرة يسيطرون على هذا السوق ويرون بأنهم الأكثر قدرة على جذب الإعلانات إلى القنوات الفضائية، ويمكن الاعتماد على جيل جديد لم تصبه الأمراض التي أصابت زملاءهم الذين يستحوذون على الإعلام الرياضي.

وأشار إلى أن قضية اللاعب أحمد رفعت ومن بعدها قضية انضمام لاعبة سباق الدراجات شهد سعيد إلى البعثة الأولمبية المصرية مقدمة للمزيد من القضايا المتوقع أن تكون حاضرة في صدارة المشهد الرياضي، وأن الفساد الواضح في القضيتين جعل الجميع في حالة صدمة مما وصلت إليه أوضاع الرياضة، وأصبح هناك قدر من التوازن يعبر عنه عدد آخر من الإعلاميين الذين يعول عليهم لجذب الجمهور.

وكشف الإعلام الرياضي من خلال موقع “يالا كورة” واقعة فساد أخرى بشأن اختيار اللاعبة شهد سعيد، ضمن البعثة المصرية المشاركة في أولمبياد باريس في ظل إدانة اللاعبة قبل أشهر بالإيقاف والغرامة على خلفية تعمدها إصابة زميلتها جنة عليوة، في منافسات بطولة الجمهورية، على مرأى ومسمع من الجميع خلال السباق.

مم

وشدد حسن علي في حديثه لـ”العرب” على أن الجمهور يمكن أن يُعيد الاعتبار للإعلام، حال وجد احتراما لعقله، وعلى النقيض يمكن أن يغض الطرف عما يتم نشره من معلومات لا يثق في صحتها، وأن الإمساك بالفرصة الحالية التي نتجت عن كشف العديد من وقائع الفساد، خيط مهم لتطوير ملف الإعلام بأكمله، ويخدم الحكومة المصرية التي يمكن أن تحتمي بالإعلام كحائط صد لها.

وتشكل الفضائيات المصرية قوة لا يستهان بها ويمكن أن تحقق تأثيراً واسعًا في الشارع إذا مضت على نفس النهج، وأن التعامل مع قضايا الرأي العام بحنكة يساعدها على ملء الفراغ الذي تشغله منصات التواصل الاجتماعي التي تنفذ من خلالها الشائعات والمعلومات المغلوطة، وحال جرى تغيير القائمين على المشهد الإعلامي الأيام المقبلة فالاعتماد على الإعلام التقليدي قد يأخذ أبعادا أكثر إيجابية.

وقالت أستاذة الإعلام السياسي بجامعة القاهرة ليلي عبدالمجيد إن مقولة “الجمهور يبحث عن الإثارة” ثبت كذبها مع تقديم محتوى إعلامي مهني في بعض البرامج، وأن التغيير يجب أن يطال جميع البرامج بما يساعد على تطوير قدرة المواطنين على التفرقة بين الغث والسمين، وأن الجمهور بحاجة للخروج بقيمة معلوماتية إضافية من دون الاعتماد على الإثارة الوقتية

ولفتت في تصريح لـ”العرب” إلى أن الجمهور ينتظر تقديم محتوى يشعره بوجود جهود تبذل، وأن تبقى بعيدة عن خدمة مصالح أي طرف، وأن الإعلاميين الشباب استطاعوا الوصول للجمهور لأنه ليست لديهم مصلحة مباشرة في التغطية على ما جاء في الوقائع الأخيرة، واقتصار عملهم على المجال الإعلامي ساهم في أن يكونوا أكثر قدرة من غيرهم على فضح ما يدور في الخفاء.

وما يعرقل خطوات الإحلال والتجديد في الإعلام الرياضي سيطرة الإعلانات على توجهات الفضائيات، ووجود أسماء لها قدرة على جذب شركات الإعلانات، وتستجيب فضائيات لهم، لأنها تبحث عما يضمن لها مضاعفة العائدات المالية.

5