حادثة اعتداء على مدرسات تسلط الضوء على هشاشة وضع المرأة الجزائرية

الجزائر – كشفت حادثة اعتداء على تسع مدرسات في مسكنهن الوظيفي في أقصى جنوب البلاد، هشاشة وضع المرأة الجزائرية التي ما زالت تقاوم لسن تشريعات وقوانين تضمن لها حقوقها وحرياتها.
وأعلنت النيابة العامة الجزائرية أنّ قوات الأمن ألقت القبض على تسعة أشخاص للاشتباه في ارتكابهم اعتداء على تسع أستاذات في مسكنهنّ في أقصى جنوب البلاد، مشيرة إلى إنّ إحدى الضحايا تعرّضت "لاعتداء جنسي".
ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية الخميس عن مساعد النائب العام لمجلس قضاء أدرار (1400 كلم جنوب غرب الجزائر) قوله إنّ "الضحايا تعرّضن حسب التحريات للضرب العنيف المفضي إلى جروح ولاعتداء جنسي على إحداهن وسرقة أغراضهن، ممثّلة في هواتف نقالة ومبالغ مالية".
وأضاف أن الأستاذات تعرّضن أيضا "للرعب والتهديد النفسي من طرف هؤلاء المجرمين باستخدام أسلحة بيضاء".
ووفقا للنيابة العامة فقد "أسفرت (التحقيقات) إلى حدّ الآن عن القبض على تسعة أشخاص مشتبه فيهم، من بينهم أربعة موقوفون اعترفوا صراحة بضلوعهم في هذه الجريمة، حيث تم استرجاع بعض المسروقات".
وكان وزير التربية الجزائري محمد واجعوط وعد صباح الخميس بأن تأخذ العدالة مجراها بعد "الاعتداء السافر" الذي تعرّضت له تسع أستاذات في مسكنهن بأقصى جنوب البلاد، وتبعته حملة استنكار واسعة بين زملائهن ولدى الرأي العام.
واقتحم أربعة أشخاص ليل الاثنين - الثلاثاء المسكن الوظيفي لتسع أستاذات في برج باجي مختار قرب الحدود مع دولة مالي، واعتدوا عليهن بالأسلحة البيضاء، كما جاء في بيان للنائب العام لمجلس قضاء أدرار الذي تخضع برج باجي مختار لسلطته القضائية.
وأكّدت النقابة الجزائرية لعمال التربية في اتصال مع وكالة فرنس برس الوقائع، كما أكّدت سرقة هواتف وأجهزة الإعلام الآلي الخاصة بالمدرسات.
ومنذ البداية تحدثت وسائل إعلام عن تعرضهن لـ"اغتصاب جماعي"، قبل أن تؤكد النيابة ذلك، رغم أنها نبّهت إلى أن "ما تداولته وسائط التواصل الاجتماعي في بعض جزئيات القضية شابه الكثير من المبالغات".
وفور انتشار الخبر، بدأت حملة استنكار واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ووصف الاعتداء بـ"فعل جبان" على نساء "انتقلن إلى هذه المنطقة البعيدة جدا من أجل تعليم الأطفال".
وقرّرت النقابة الجزائرية لعمال التربية توقيف الدراسة والإضراب عن العمل تضامنا مع الأستاذات.
وقال الأمين العام للنقابة محمد بلعمري "لن نعود إلى التدريس حتى يتم توفير الظروف الأمنية المناسبة. لن نرسل بناتنا إلى هناك ليتمّ الاعتداء عليهن مرة أخرى".
واعتبر حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض (يميني علماني) أن "هذا الفعل يطرح بقوة هشاشة وضع المرأة" الجزائرية.
وندد المجلس الوطني لحقوق الإنسان الخميس "بشدة" بالاعتداء "الوحشي والهمجي" الذي تعرضت له الأستاذات، مطالبا السلطات المحلية بـ"تعزيز" الأمن والتطبيق "الصارم" للقانون في حق المعتدين.
وبعد أن أكد المجلس أن الحق في العمل "مكفول من طرف الدولة الجزائرية لجميع المواطنين والمواطنات مع مراعاة مبدأ توفير نفس الإمكانيات للجميع دون أي تمييز"، ذكر بأن الجزائر "بذلت الكثير من الجهد من أجل تكريس كل الحقوق للمواطنات الجزائريات من خلال المصادقة على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة وتكريس حماية المرأة من كل أشكال العنف من خلال المادة 40 من دستور 2020 ... مع ضمان استفادة الضحايا من هياكل الاستقبال وأنظمة التكفل والمساعدة القضائية".
ولا توجد أرقام رسمية تسمح بإحصاء حالات العنف المسلط ضدّ النساء وبالتالي تقييم الوضع وتهيئة الآليات اللازمة للحد من الظاهرة والتكفل بالضحايا، وهو ما يقول مراقبون إنه يكشف عدم اهتمام السلطات الجزائرية بالمرأة وحضورها في المجتمع وسعيها لإرساء الهيئات اللازمة للحد من ظاهرة العنف المتفشي في المجتمع.
ووفقا لأرقام المديرية العامة للأمن الوطني، ارتفع عدد الشكاوى المسجلة في عام 2019 إلى أكثر من 7000.
وتقول منظمات وجمعيات حقوقية إن الجزائر تحصي ما بين 7 و8 آلاف حالة عنف ضد المرأة سنويا، على الرغم من وجود نصوص قانونية تعاقب بالسجن كل من تورط في الاعتداء أو تعنيف النساء، إلّا أن الأرقام المعلنة حول الظاهرة لا تعكس الحجم الحقيقي لما تعانيه الكثير من الجزائريات بسبب العنف الأسري.
وحسب دراسة أجرتها 25 جمعية ناشطة في مجال الدفاع والتكفل بالنساء ضحايا العنف، فإن "40 في المئة من النساء المعنّفات لم يقدّمن أي شكوى".
وبحسب جمعية جزائرية تحصي حالات قتل النساء، فإن 50 امرأة تعرّضت للقتل في 2020 وأكثر من سبعين في 2019، وهي أرقام أقل من الواقع بكثير.
ومنذ الذكرى الثانية للحراك المناهض للسلطة في 22 فبراير، عاد الجزائريون للتظاهر بالآلاف في العاصمة والعديد من المدن الأخرى، بعد توقف دام نحو سنة بسبب انتشار وباء كوفيد - 19.
وتشارك النساء الجزائريات في الاحتجاجات الأسبوعية للمطالبة بحقوقهن وتغيير قوانين جائرة لم تعد مناسبة للعصر الراهن، ولعل من أهمها قانون الأسرة الذي تقول ناشطات إنه يجعل منهن "قاصرات مدى الحياة".
وقانون الأسرة الجزائري مستمد في الكثير من أجزائه من الشريعة الإسلامية، وتم سنّه في عهد الحزب الواحد سنة 1984 وعدّله الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة في 2005، لكن الكثير من الجمعيات النسوية تعتبره غير دستوري لأنه لا يساوي بين الرجال والنساء كما ينص الدستور.