جيل باكستاني جديد تربى على التشدد وعدم قبول الآخر

تنامي التشدد في باكستان خاصة لدى الناشئة يثير مخاوف جدية من بروز أجيال تربت على إقصاء الآخر وعدم القبول به.
الخميس 2022/01/06
تغذية التطرف

تثير العديد من التحذيرات التي يتم إطلاقها بشأن تنامي التشدد في باكستان خاصة لدى الناشئة مخاوف جدية من بروز أجيال تربت على إقصاء الآخر وعدم القبول به بما ينطوي عليه ذلك من مخاطر.

وخلُصت دراسة استقصائية حديثة لطلاب جامعيين في خيبر باختونخوا، المقاطعة الباكستانية الشمالية الغربية المتاخمة لأفغانستان، إلى أن "هناك شكا عميقا وعدم الثقة في التنوع.. عادة ما يتبنى جيل الشباب، الذين تربوا على أيديولوجيات إقصائية، وجهات نظر عسكرية للأمة ويرددون كالببغاوات العبارات التقليدية التي تُروّج لمقولة باكستان حصن العقيدة الإسلامية. ولا يستسيغون حقيقة أن بلدهم موطن لأديان ومعتقدات ومجموعات عرقية متنوعة.. والأسوأ من ذلك هو أن التطرف الديني ينمو في باكستان، وهو ما يزيد من تآكل أي درجة من قبول التنوع هناك".

وأشارت الدراسة، التي أعدها طلاب شاركوا في خمس ورش عمل نظمها معهد "باك" لدراسات السلام ومقره إسلام أباد، إلى أن "قلة قليلة من الشباب في ورش العمل يعرفون أن المسيحيين والهندوس والسيخ والأحمديين، وما إلى ذلك، قد قدموا خدمات للدفاع والتنمية في باكستان".

ويرجع هذا الجهل الجماعي بشكل أساسي إلى أن أيّ ذكر إيجابي للمواطنين غير المسلمين قد رُفض أو أزيل ببساطة من الكتب المدرسية التي يدرسها الملايين من الطلاب في جميع أنحاء البلاد. كما لا تذكر وسائل الإعلام الباكستانية مساهمات الطوائف غير المسلمة في البلاد.

ولم يكن مفاجئًا أن الدراسة حددت أن "غالبية الشباب الباكستاني يفتقرون إلى مهارات التفكير النقدي والتفكير المنطقي الأساسية حتى في مستويات الدراسات العليا مثل الجامعات".

ويفتقر الكثيرون إلى القدرة على تطبيق المنطق الأساسي أثناء معالجة المعلومات المعطاة حيث يسود ميل بينهم للوقوع في فخ الروايات الراسخة ونظريات المؤامرة التي عفا عليها الزمن.

مهمة معقدة أمام أجيال يجرفها تيار التشدد
التعليم مهمة معقدة أمام أجيال يجرفها تيار التشدد 

ولا تعكس جل الدلائل تحركا يُذكر للحكومة سوى تعزيز نظام التعليم الذي يحتمل أن يشكل أرضا خصبة للتطرف والراديكالية في منطقة مجاورة لأفغانستان حيث يبدو أن حركة طالبان عازمة على إعادة البلاد إلى نظام ينشر قيمًا مماثلة.

وقالت الحكومة مؤخرا إنها تقدم منهجا وطنيا فريدا، لكنّ المنتقدين يعتقدون أنه من المرجح أن يعزز أسلمة التعليم الباكستاني من خلال جعل دروس الدين إلزامية، حتى على المستوى الجامعي. كما أنشأ رئيس الوزراء عمران خان مؤخرًا هيئة لرصد المناهج والمناهج الدراسية ووسائل التواصل الاجتماعي بحثًا عن المحتوى "التجديفي".

وتصر الحكومة على أن المنهج الدراسي سيرفع من مستويات التعليم ويضمن حصول خريجي المدارس الحكومية والمدارس الدينية أو المعاهد الدينية على فرص متكافئة.

الحكومة الباكستانية تُصر على أنها تقدم منهجا وطنيا فريدا، لكنّ المنتقدين يعتقدون أنه يعزز أسلمة التعليم من خلال جعل دروس الدين إلزامية حتى في الجامعة

وبمقارنة باكستان بالمدينة المنورة في زمن النبي محمد، أشار خان إلى أن النبي قد أطلق العنان لإمكانيات الناس “الذين لم يكونوا شيئًا من قبل” بسبب “المادية (و) الآلهة الزائفة” التي تجعلهم مقيدين بالأغلال.

وقال خان لعالم الدين الأميركي المسلم حمزة يوسف في مقابلة “أعتقد أن باكستان في نفس الوضع… في هذا البلد، لا يسمح نظامنا لهم بذلك. سواء أكانت جودة التعليم أم لا، فإن الدراسة تكون لعدد صغير فقط… ةقد تكون النسبة واحدًا أو 1.5 في المئة فقط والباقي لا يمكنهم الوصول إلى هذا الحق”.

واتخذ تقرير معهد "باك" لدراسات السلام نظرة أكثر واقعية لنهج خان. وقال “يُقال إن المنهج مبنيّ على فكرة أن المزيد من تعليم الدين سينتج مواطنين أفضل، على الرغم من أن هذه السياسة أوجدت التطرف في الماضي، ولا يوجد دليل يشير إلى أن النتيجة ستكون مختلفة هذه المرة".

وأمرت محكمة عليا في لاهور، في محاولة لضبط الأسلمة، القضاة في المحاكم الدنيا والسلطات في البنجاب بتحديد ما إذا كان يتم تدريس القرآن في فصول منفصلة في جميع أنحاء المقاطعة بما يتماشى مع المناهج الجديدة.

وأصدرت إدارة التعليم المدرسي في حكومة البنجاب ردًّا على ذلك توجيهاً أكد على الحاجة إلى تفتيش جميع المدارس في علاقة بتدريسها قراءة القرآن وتلاوته. وقال التوجيه إن عمليات التفتيش على المدارس يجب أن تكون مشتركة بين رئيس سلطة التعليم بالمنطقة وقاضي المنطقة.

وفي غضون ذلك، أبلغ القسم المحكمة بأنه سيعين 60 ألف مدرس لغة عربية لتقديم تعليم القرآن في المدارس الحكومية.

ومع ذلك، بالنسبة إلى البعض، فإن تنفيذ أمر المحكمة يثبت أنه تجربة مؤلمة. وتشير التقارير الأولية إلى حدوث ارتباك وفوضى على مستوى المحافظة وحالة من الخوف بين الأطفال والمعلمين ومديري المدارس.

الشباب قنابل موقوتة تصنعها الحركات المتشددة
أجيال مكانها الطبيعي في الدراسة لا ظهر دبابة 

وأصبح قضاة برفقة رجال شرطة يحملون البنادق ويقتحمون المدارس، ويستجوبون الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سبعة و12 عاما. وقال العالم النووي والناشط في مجال حقوق الإنسان والناقد التربوي برويز هودبهوي "يُطلب من معلميهم الخروج من الفصل الدراسي أو يُطلب منهم الوقوف بصمت في الزاوية".

وتساءل هودبهوي "ما الذي دفع محكمة لاهور العليا إلى إصدار أوامرها بهذه السرعة؟ لقد استولى الأيديولوجيون في الحكومة على مقاليد السلطة. كما هي الحال في أفغانستان، وأصبح السكان الآن تحت رحمتهم".

وأفضى الوضع الحالي إلى تفاقم التشدد في باكستان حيث جدت حوادث مثيرة آخرها كان قتل المئات من المسلمين الغاضبين لمدير مصنع النسيج السيريلانكي بريانتا كومارا بتهمة التجديف بمدينة سيالكوت في باكستان الشرقية.

وكان جاويد أحمد الغامدي، وهو عالم ديني بارز وعضو سابق في مجلس الفكر الإسلامي المعين من الدولة قد حمّل المسؤولية للجيش والسلطة التشريعية ورجال الدين والحكومة والمثقفين لتورطهم في التعذيب الوحشي، والقتل العشوائي، والتشويه الجماعي الذي تعرض له كومارا.

وكانت الحكومة قد أدانت القتل وألقت القبض على الجناة المزعومين لكنها تبدو غافلة عن الهياكل والسياسات الأساسية التي تمكّن العنف الديني.

وقال الغامدي "كل هؤلاء السياسيين والقادة والمثقفين مسؤولون عن هذه الجريمة.. فهم لا يدينون هذه الأحداث". وأشار إلى أن السياسيين ورجال الدين وغيرهم حضروا جنازات وإحياء ذكرى أشخاص ارتكبوا جرائم مماثلة. وحتى تتغير هذه العقلية، سيكون هناك حتما المزيد من أمثال بريانتا كومارا".

7