"جيش من الأيتام" أحد وجوه الخراب الناجم عن الإيدز في جنوب أفريقيا

رغم التقدم المحرز، ما زالت حكومة جنوب أفريقيا قلقة بشأن معدلات الإصابة المرتفعة لاسيما بين المراهقات.
الاثنين 2022/11/28
نسبة المصابين بالإيدز لا تزال في ارتفاع

جوهانسبورغ - حُرم ندوميسو جاميدي من والديه اللذين أودى الإيدز بحياتهما الواحد تلو الآخر في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كغيره من عدد كبير من مواطني جنوب أفريقيا. وأدت العلاجات إلى منع احتدام الأزمة لكن تأثيرها على هذا الجيل الضائع ما زال واضحا.

ويعرض مغني الراب البالغ من العمر 28 عاما والذي اضطر إلى تربية أخويه الصغيرين منذ أن كان في سن الثالثة عشرة صورا لوالديه معلقة على جدار تحت ضوء خافت في المرآب الذي يعيش فيه في مدينة الصفيح فسلوروس على بعد نحو ثلاثين كيلومترًا عن جوهانسبورغ.

وقال لوكالة فرانس برس “كانا مصابين بفايروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) وكاد موتهما أن يدمرني”. وعبر عن أسفه لأنه “لم يكن لديه من يوجهه وهو في سن المراهقة”. وقد نجا من المخدرات والجريمة ويقول إن الموسيقى أنقذته.

وقبل أيام قليلة من اليوم العالمي للإيدز في الأول من ديسمبر، لا تزال نسبة المصابين بالإيدز في جنوب أفريقيا تبلغ 13.7 في المئة، وهي واحدة من أعلى النسب في العالم.

العلاقات الجنسية التعاقدية مع رجال أكبر سنا مقابل المال السبب الرئيسي لهذا الانتشار، ويغذيه معدل البطالة المرتفع جدا

لكن أكثر من 5.4 مليون شخص من أصل ما يقدر بنحو 8.2 مليون مصاب يتناولون أدوية مضادة للفايروسات في إطار واحد من أكبر برامج علاج فايروس الإيدز في العالم أدى إلى خفض معدل الوفيات بشكل كبير.

وتذكر أغنيس موكوتو التي ترأس برنامجا مخصصا لمحاربة المرض في كيب تاون ضمن منظمة غير حكومية أن عدد الأطفال الذين يصبحون أيتاما بسبب الإيدز انخفض نتيجة لهذا البرنامج.

وقد تراجع عددهم من 1.9 مليون طفل في 2009 إلى 960 ألفا في 2021، حسب برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز. وأدت الفجوة في هرم الأعمار بسبب الوباء إلى خلق جيل ضائع، وخصوصا آباء صغار السن.

تقول الطبيبة ليندا جيل بيكير من مؤسسة ديزموند توتو لمكافحة الإيدز “في الأيام المظلمة من مطلع الألفية الثانية، كان الناس يموتون بشكل جماعي ما أدى إلى جيش من الأيتام”.

وتوفي والدا ندوميسو في ذروة الكارثة منذ حوالي خمسة عشر عامًا. في ذلك الوقت، انتشرت العدوى بسرعة كبيرة وضاعفها عدم اعتراف رئيس جنوب أفريقيا آنذاك ثابو مبيكي بالأزمة، ما أدى إلى تأخر توزيع العلاجات ومضادات الفايروسات بشكل واسع في البلاد.

وأفادت دراسة أجرتها جامعة هارفرد بأن أكثر من 330 ألف شخص لقوا حتفهم بسبب سوء إدارة الرئيس مبيكي ووزيرة الصحة التي كانت تسمى “الدكتورة شمندر” لأنها أوصت باستخدام مغلي الليمون كعلاج.

وأكد نائب الرئيس ديفيد مابوزا مؤخرًا أنه على الرغم من التقدم المحرز، ما زالت حكومة جنوب إفريقيا “قلقة بشأن معدلات الإصابة المرتفعة، لاسيما بين المراهقات والشابات”.

وتعد العلاقات الجنسية التعاقدية مع رجال أكبر سنا مقابل المال السبب الرئيسي لهذا الانتشار، ويغذيه معدل البطالة المرتفع جدا (33.9 في المئة).

وخوفا من العار، تمتنع هؤلاء النساء عن البحث عن رعاية صحية كافية، على حد قول سيبونجيل تشابالالا رئيسة “حملة التحرك للعلاج” (تريتمنت أكشن كامبين)، مشيرة إلى ممرضات يؤنبن اللواتي يطلبن وسائل لمنع الحمل أو الخضوع لفحص.

وأدى تحريم الحديث عن الإيدز أو الإحراج الذي يسببه إلى عزل الشاب الموسيقي. وهو يتذكر أنه عندما مات والداه “أدارت أسرة والدتهما ظهرها لهم ولم تكن تريد أن تعرف ما ينقصهم”.

13.7

في المئة، نسبة المصابين بالإيدز في جنوب أفريقيا وهي واحدة من أعلى النسب في العالم

وقدم لهما الجيران الطعام. ووجد ندوميسو وظيفة في مطعم للوجبات السريعة لكن راتبه “لم يكن كافيا”. ويعيش شقيقاه الأصغر سنا وأحدهما مدمن مخدرات في أكواخ هشة قريبة.

والخوف من العار هو الذي حال دون حصول والديه على علاج مناسب وكان عليهما الاختباء. ويؤكد مغني الراب أنه “لو تناولا علاجا لكان أحدهما على قيد الحياة حتى الآن”. كما يتعين على أيتام الإيدز الآخرين الكفاح من أجل الحصول على وثائق.

وتقول نونهلانهلا مازاليني التي تدير مأوى في غرب جوهانسبورغ إنها “تعتني بـ21 شابا مصابين بالإيدز لا يملكون أوراقا ثبوتية لأن أسرهم تخلت عنهم”. وتضيف أن “لديها طفلا صغيرا أعمى استقبلوه منذ أن كان في الثانية من عمره. إنه الآن في الرابعة والعشرين، بلا وظيفة، ولا يمكنه طلب مساعدة اجتماعية لأنه لا يملك أوراقًا ثبوتية”.

وندوميسو أصبح أبا منذ فترة قصيرة. وعرض بفخر لفرانس برس أحدث تسجيل فيديو له على جهاز الكمبيوتر. وهو يبحث أيضًا عن عمل، لكن الأمر معقد دون شهادات. وهو يعتقد أنه لو لم يود الإيدز بحياة والديه لسنحت له “فرص”، كما يقول بحزن.

وقال “ما كانت الحياة ستصبح بهذا الشكل”. وفي يوليو 2022 تعهد قادة أفارقة بدعم مبادرة تركز على تمكين الفتيات اليافعات والشابات وتحقيق المساواة بين الجنسين في أفريقيا جنوب الصحراء، والتقليل من الإصابة بمرض الإيدز مع التعليم الثانوي كمدخل إستراتيجي لذلك.

وعبر دعم مبادرة “التعليم الإضافي” يلتزم القادة باتخاذ الإجراءات لإبقاء الفتيات في المدرسة، مما سيقلل بشكل كبير من تعرّضهن للإصابة بفايروس نقص المناعة البشرية.

ففي كل أسبوع تصاب تقريبا 4.200 من الفتيات والنساء الصغيرات في أفريقيا جنوب الصحراء بفايروس نقص المناعة البشرية. وفي عام 2020 توفيت أكثر من 23 ألف شابة بسبب أمراض مرتبطة بالإيدز مما يجعله السبب الرئيسي الثاني للوفاة بين الفتيات والنساء (بعمر 15 – 29 سنة) بعد الوفيات المرتبطة بالحمل في أفريقيا جنوب الصحراء.

وأعرب القادة المجتمعون في قمة الاتحاد الأفريقي في لوساكا عن تقديم دعمهم للمبادرة التي تدعو إلى توفير تعليم ثانوي مجاني وعالي الجودة لجميع الفتيات والفتيان في أفريقيا جنوب الصحراء بحلول عام 2025.

17