جيبوتي تتحول إلى محور لطريق الحرير الصيني

الدولة الصغيرة الواقعة في القرن الأفريقي تحظى بإقبال كبير من الدول الكبيرة.
السبت 2019/05/04
ممر استراتيجي للتجارة الدولية

يكشف تركيز الصين على جيبوتي ضمن مشروع الحزام والطريق عن مدى أهمية موقع الدولة الأفريقية الاستراتيجي، والذي سيعزز أهداف بكين التجارية، رغم شكوك الولايات المتحدة حول تلك الدوافع المرتبطة كذلك بتوسيع نفوذها العسكري.

جيبوتي - يُظهر الاهتمام الصيني المتزايد بجيبوتي أن هذه الدولة الصغيرة الواقعة في القرن الأفريقي أصبحت حجر الزاوية لمشروع بكين الطموح الحزام والطريق.

وتركز الصين على جيبوتي كونها بوابة قناة السويس، التي يمر عبرها 10 بالمئة من صادرات النفط العالمية و20 بالمئة من السلع التجارية.

ونسبت صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست الصينية عن تيموثي هيث، كبير محللي أبحاث الدفاع الدولية في مؤسسة راند كوربوريشن الأميركية قوله إن “جيبوتي تحظى بإقبال كبير من الدول الكبيرة”.

وأضاف “ذلك الإقبال يأتي بالنظر إلى أن جيبوتي تتمتع بإدارة منظمة، ولها موقع مثالي، ناهيك عن امتلاكها موانئ جيدة وموقعا جغرافيا هاما”.

وأشار إلى أن العديد من البلدان تريد أن يكون لديها قاعدة في جيبوتي لمراقبة وحماية الملاحة في المنطقة، فمنطقة خليج عدن والبحر الأحمر عبارة عن مساحة مائية حساسة يمر عبرها كميات كبيرة من الشحنات التجارية العالمية.

ولطالما كانت جيبوتي مرتبطة بالقوى التقليدية. فقد قامت الولايات المتحدة ببناء قاعدتها العسكرية ليمونيه في جيبوتي منذ ما يقرب من عقدين.

كما أن العديد من حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك إيطاليا وألمانيا وإسبانيا وفرنسا واليابان لديهم أيضا وجود عسكري في القرن الأفريقي.

لكن بدأ يُنظر إلى الوضع الراهن هناك على أن فيه تحد، بعد أن فتحت دولة غير حليفة للولايات المتحدة، وهي الصين، أول قاعدة بحرية في البلد الأفريقي سنة 2017، على بعد 12 كلم فقط من قاعدة ليمونيه.

ويقول أندرو سكوبيل، المحلل في راند كوربوريشن إن واشنطن والقوى الأوروبية كانت الجهات الفاعلة المهيمنة في الشرق الأوسط، لكن الصين بدأ ظهرت كعنصر فاعل من الناحية الاقتصادية.

وتهدف مبادرة الحزام والطريق إلى ضخ استثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية للممرات الاقتصادية العالمية لربط أكثر من 70 بلدا.

وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد أطلق المبادرة في 2013،لإنشاء حزام بري من سكك الحديد والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحري يسمح للصين بالوصول إلى أفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي، بكلفة إجمالية تبلغ تريليون دولار.

ومع احتمالية تنامي الوجود العسكري للغرب في المستقبل، تعطي الصين أولوية لمساعيها التجارية على المساعي الأخرى لتحييد الشكوك الغربية، بينما تواصل تطوير طريق الحرير البحري.

30 بالمئة من حجم التجارة العالمية تمر عبر جيبوتي منها 20 بالمئة بضائع والباقي نفط

وركزت الصين في الآونة الأخيرة على المشروعات الاقتصادية المحلية، مثل القطار الكهربائي عالي السرعة بين العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وجيبوتي.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الشركات الصينية قامت ببناء المنطقة التجارية الدولية الحرة في جيبوتي، ما وفر مساحة للتعاون مع المجتمعات المحلية.

ويقول باول نانتوليا، الباحث المشارك في مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية إن تلك المشروعات تبلغ قيمتها حوالي 5 مليارات دولار، معظمها يأتي من مقرضين مدعومين من الحكومة الصينية ومن القطاع الخاص.

وأوضح أن أنشطة بكين في جيبوتي تعكس مزيجا من المصالح التجارية والعسكرية وهذا النموذج المزدوج سمح للحكومة الصينية بالتقليل من الأهمية العسكرية لأنشطتها في جيبوتي.

ونقلت الصحيفة الصينية عن مسؤول عسكري، لم تذكر هويته، أنه لطالما اعتمدت بكين على إرسال سفن إمداد لدعم مصالحها الخارجية، إلا أنها بدأت ترى أن ذلك النمط يحتاج للتغيير.

وقال لي تشون بانغ، المفوض السياسي للقاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي، في برنامج بثه التلفزيون الصيني، مطلع الشهر الماضي “سننتقل بشكل تدريجي من الاعتماد على إرسال سفن إمداد إلى إنشاء قواعد في الخارج”.

وأكد في تصريحات حينها أن قاعدة بلاده في جيبوتي عززت قدرتها على توفير الدعم الأمني.

ورغم القلق الغربي، والذي ساقه تقرير لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) نشر الخميس من أن بكين قد تزيد من قواعدها العسكرية حول العالم لحماية مشاريعها المرتبطة ببرنامج “طرق الحرير الجديد”، إلا أن بلدان القارة الأفريقية ترى عكس ذلك.

وذكر تقرير البنتاغون أن المسؤولين الصينيين يستخدمون الوزن الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري المتنامي للصين لتعزيز سيطرتها في المنطقة، وتوسيع نفوذها حول العالم.

كما أصدر المعهد الوطني للدراسات الدفاعية في اليابان تقريرا في فبراير الماضي يقول “لا تدافع الصين فقط عن فكرة إعادة تنظيم النظام الدولي، بل أيضا تتخذ خطوات قوية وجدية نحو التحقيق الفعلي لتلك الفكرة”.

ويرى أديسوجي أديلاجا، الأستاذ في جامعة ولاية ميشيغان أن العديد من الحكومات الأفريقية غير قلقة بشأن النفوذ الصيني في المنطقة، نظرا لاحتياجات البنى التحتية الرئيسية.

وقال أديلاجا وهو باحث في برنامج أفريقيا بمركز ويلسون “نسمع شكاوى من الغرب أكثر من الحكومات الأفريقية، كما نسمع شكاوى من الشعوب الأفريقية أكثر مما نسمعه من الحكومات”.

ويحذّر محللون من أن بكين بحاجة إلى تقديم المزيد من الفوائد العملية للمجتمعات المحلية للحفاظ على مجال نفوذها على المدى الطويل.

ويعتقد أديلاجا أنه لم يتم بعد رؤية ما إذا كانت تنمية جيبوتي اقتصاديا واجتماعيًا هي من الأولويات التي تركز عليها الصين.

10