جونسون العنيد يرفض الاستقالة رغم انحسار تأييده

لا يزال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون متمسكا بالبقاء في منصبه رغم انحسار تأييده داخل حزب المحافظين ورغم الاستقالات التي عصفت بحكومته ما يزيد في إضعافه. ولا يتوقع محللون أن يواصل جونسون عناده وتجاهل تزايد الدعوات لاستقالته وأنه سيتنحى في نهاية المطاف.
لندن - تعهد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الأربعاء بمواصلة التصدي للدعوات المطالبة باستقالته، قائلا إنه لن يرحل عن المنصب رغم سلسلة الاستقالات التي ضربت حكومته كاشفة عن انحسار الدعم عنه بشكل كبير، إلا أن محللين يرجحون أن يستقيل جونسون في نهاية المطاف وأنه لن يقدر على تحدي رغبات حزبه المحافظ في تنحيته.
ويقول مراقبون إن إصرار جونسون على البقاء في منصبه سيكلف حزب المحافظين خسائر انتخابية مستقبلية وانحسار قاعدة التأييد الشعبي لسياساته.
ويشير هؤلاء إلى أن الاستقالات من الحكومة البريطانية ستتواصل في قادم الأيام ما لا يبقي لجونسون فرص البقاء في المنصب.
وحاول جونسون، الذي يبدو أن عزلته تتزايد يوما بعد يوم، استغلال جلسة برلمانية للرد على الأسئلة في محاولة لإظهار صلابة موقفه، مكررا التبريرات التي ساقها إزاء أحدث فضيحة أضرت بصورة حكومته وأدت إلى تصدع صفوفها.

ساجد جاويد: الوضع لن يتغير مع جونسون وفُقدت الثقة به
وفي وقت سابق، حاول جونسون إعادة تثبيت أركان سلطته من خلال تعيين ناظم الزهاوي، النجم الصاعد في حزب المحافظين الذي يُنسب إليه الفضل على نطاق واسع في نجاح عملية توزيع لقاحات كوفيد – 19، وزيرا للمالية.
لكن أداءه في الرد على أسئلة المشرعين قوبل بإيماءات صامتة، وفي بعض الأحيان بضحك صريح. وفي لحظة ما، تلقى جونسون سؤالا من أحد أعضاء حزبه عما إذا كانت هناك أي ظروف على الإطلاق تقتضي منه أن يتقدم فيها باستقالته؟ وأجاب جونسون أنه لن يستقيل إلا إذا عجزت الحكومة عن مواصلة أداء عملها.
وهناك حتى من زملائه في الحكومة من حاولوا جاهدين كتم ضحكاتهم حين سخر زعيم حزب العمال المعارض كير ستارمر من حكومته لكونها “خفيفة الوزن”.
وقال جونسون أمام النواب “عندما تكون الأوقات عصيبة… هذه بالضبط هي اللحظة التي تتوقع فيها أن تواصل الحكومة عملها، لا أن تنسحب… وأن تباشر المهام المنوطة بها وأن تركز على الأشياء التي تهم الناس”.
وكان وزيرا الصحة والمال ساجد جاويد وريشي سوناك أعلنا بفارق دقائق استقالتيهما الثلاثاء بعدما سئما من سلسلة الفضائح التي تهز الحكومة منذ أشهر.
وبعد جلسة مجلس العموم، حث جاويد الوزراء الآخرين على الاستقالة. وقال إن “المشكلة تبدأ من القمة وأعتقد أن ذلك لن يتغير… وهذا يعني لمن هم مثلنا في هذا الموقع، الذين يتحملون المسؤولية، إجراء هذا التغيير”.
وقال أندرو بريدجن عضو البرلمان عن حزب المحافظين وأحد أشد منتقدي جونسون، لشبكة سكاي نيوز إن قضية بينشر كانت “القشة التي قصمت ظهر البعير” بالنسبة إلى سوناك وجاويد.
وأضاف “أنا والكثير من أعضاء الحزب مصممون الآن على رحيله بحلول العطلة الصيفية (التي تبدأ في الثاني والعشرين من يوليو)”، مؤكدا أنه “بقدر ما نُسرع في ذلك يكون الأمر أفضل”.
وفي الوقت نفسه، انسحب أعضاء آخرون في مناصب أدنى من الحكومة، بينهم خمسة برتبة سكرتير دولة الأربعاء، مما يرفع العدد الإجمالي للمستقيلين منذ الثلاثاء إلى 27 عضوا.
إصرار جونسون على البقاء في منصبه سيكلف حزب المحافظين خسائر انتخابية مستقبلية وانحسار قاعدة التأييد الشعبي لسياساته
وكتب وزراء الدولة كيمي بادينوخ ونيل اوبراين وأليكس بورغهارت ولي رولي وجوليا لوبيز، في رسالتهم إلى جونسون “يجب أن نطلب، من أجل مصلحة الحزب والبلد، أن تتنحّى”.
وكان سكرتير الدولة للشؤون المالية جون غلين آخر الراحلين مؤكدا أن سبب استقالته هو “انعدام تام للثقة” في رئيس الوزراء.
وتساءل مراقبون عن مدى قدرة جونسون على تفادي السقوط. ومازال وزراء كبار آخرون في الحكومة بينهم وزيرة الخارجية ليز تراس ووزير الدفاع بن والاس، يدعمون جونسون، لكن كثيرين منهم يتساءلون إلى متى يمكن أن يستمر هذا الوضع؟
وجاءت الاستقالة المفاجئة لوزيري الخارجية والمال الثلاثاء بعدما قدم رئيس الوزراء اعتذارات جديدة على فضيحة جديدة، معترفا بارتكابه “خطأ” بتعيينه في فبراير الماضي في حكومته كريس بينشر في منصب مساعد المسؤول عن الانضباط البرلماني للنواب المحافظين.
وبينشر استقال الأسبوع الماضي بعدما اتهم بالتحرش برجلين. وبعدما أكدت العكس، اعترفت رئاسة الحكومة الثلاثاء بأن رئيس الوزراء أبلغ في 2019 باتهامات سابقة حيال بينشر لكنه “نسيها” عندما تم تعيينه.
ورأى سكرتير الدولة للمدارس روبن ووكر الذي استقال الأربعاء أن “الإنجازات العظيمة” للحكومة “طغت عليها أخطاء وتساؤلات تتعلق بالنزاهة”.
وتحدث جاويد (52 عاما) عن هذه النقطة أيضا معتبرا أن من حق البريطانيين أن يتوقعوا “النزاهة من حكومتهم”.
وتابع أن التصويت على الثقة في جونسون في يونيو كان ينبغي أن يشكل فرصة لإبداء “تواضع” وإظهار “توجه جديد”، لكن “يؤسفني القول إنه من الواضح بالنسبة إلي أنّ الوضع لن يتغيّر تحت قيادتكم وفُقدت الثقة بكم”.

أندرو بريدجن: قضية بينشر كانت القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة إلى سوناك وجاويد
وتأتي استقالة سوناك (42 عاما) في خضم أزمة غلاء معيشة في المملكة المتحدة. وكتب سوناك في رسالة استقالته إلى جونسون أن “الرأي العام يتوقع أن تقاد الحكومة بشكل سليم وجدي وبكفاءة”. وأضاف “أدرك أن هذا قد يكون آخر منصب وزاري أتولاه، لكنني أعتقد أن هذه المعايير تستحق النضال من أجلها ولهذا السبب أستقيل”.
وسارع جونسون إلى استبدال الوزيرين المستقيلين، معيّنا وزير التربية ناظم زهاوي في وزارة المال وستيف باركلي الذي كان مسؤولا حتى الآن عن تنسيق الشؤون الحكومية، في وزارة الصحة. وأكد وزراء مؤيدون لجونسون دعمهم لرئيس الوزراء بينهم نادين دوريز المكلفة بالثقافة.
ويواجه جونسون أساسا تداعيات فضيحة الحفلات التي أقيمت في مقر الحكومة خلال مرحلة الإغلاق التام إبان الجائحة وقد أفلت قبل أسابيع من تصويت على سحب الثقة قرره نواب حزبه المحافظ.
وتضاف إلى ذلك قضايا أخرى ذات طابع جنسي في البرلمان. فقد أوقف نائب يشتبه في أنه ارتكب عملية اغتصاب وأفرج عنه بكفالة منتصف يونيو واستقال آخر في أبريل لأنه شاهد فيلما إباحيا في البرلمان على هاتفه النقال وحكم على نائب سابق في مايو بالسجن 18 شهرا بعد إدانته بتهمة الاعتداء جنسيا على مراهق في الخامسة عشرة.
وأدى خروج النائبين الأخيرين إلى تنظيم انتخابات تشريعية فرعية تكبد المحافظون بنتيجتها هزيمة مدوية. وأتى ذلك فيما كان الحزب سجل نتائج سيئة جدا خلال انتخابات محلية في مايو.
ويثير الوضع استياء البريطانيين الذين يواجهون أعلى نسبة تضخم منذ أربعين عاما مع 9.1 في المئة في مايو بمعدل سنوي.
وبعد إضراب غير مسبوق لعمال السكك الحديدية في نهاية يونيو، دعت النقابات إلى تحركات احتجاجية خلال الصيف فيما أعلنت مهن عدة من محامين وعاملين في قطاع الرعاية الصحية ومدرسين عن تنظيم تحركات أو أنهم فعلوا ذلك.
وجاء في نتائج استطلاع للرأي أجراه معهد يوغوف ونشرت مساء الثلاثاء أن 69 في المئة من الناخبين البريطانيين يرون أن على جونسون الاستقالة. ويرى 54 في المئة من الناخبين المحافظين أن على رئيس الوزراء مغادرة منصبه.