جولة تصعيد جديدة بين الحكومة والمدرسين النواب في تونس

تونس - دشن المدرسون المؤقتون (النواب) جولة تصعيد جديدة مع الحكومة التونسية، بإعلام الدخول في إضراب عام مفتوح ومقاطعة الدروس، بسبب عدم تسوية وضعيتهم إلى حدّ الآن. وترى أوساط تربوية في تونس أن الخطوة التي اتخذها المدرسون المؤقتون منتظرة، لافتين إلى أن المشكلة تفاقمت إلى المطالبة بالتوظيف والمستحقات المالية، بعد أن كانت مقتصرة على الترسيم في المؤسسات التربوية.
وتجسّد وضعية المدرسين المؤقتين خيارات التشغيل الهشة التي اعتمدتها حكومات ما بعد 2011، من أجل شراء سلم اجتماعي وإسكات أصوات قد تحتج ضدّ السلطة، فوجد الآلاف من المدرّسين أنفسهم في وضعية تهميش وبعيدة عن مقاييس التوظيف في القطاع العمومي.
وانتقدت المنسّقة الوطنية للمعلمين النواب وفاء الدلنسي، مساء الأحد، “عدم تنزيل الأوامر الترتيبية الخاصّة بتسوية وضعياتهم المهنية وعدم صرف أجورهم ومستحقاتهم المالية منذ بداية السنة الدراسية رغم توقيعهم لعقود.” وأوضحت وفاء الدلنسي في تصريح لإذاعة محلية أنّ “التنسيقية الوطنية للأساتذة والمعلمين النواب، قررت الدخول في إضراب مفتوح ومقاطعة استئناف الدروس الاثنين على خلفية هذه المطالب.”
ويعتبر الأساتذة المؤقتون إحدى الآليات التي تعتمدها وزارة التربية في تونس للتعويض المؤقت في سلك التعليم بالاعتماد على الخريجين الجامعيين، مع إبقائهم على لائحة الانتظار ما يمنحهم لاحقا الأولوية في التعيين عند تسجيل نقص في أعداد المدرسين. ويؤكد هؤلاء أن العقود التي تربطهم بوزارة التربية هشة ولا تفضي إلى التوظيف، وكثيرا ما دعوا إلى تسوية الوضعيات عبر التوظيف المباشر والجلوس إلى طاولة الحوار لإيجاد الحلول وتنزيل الاتّفاق المطلوب بالرائد الرسمي حتّى يكون ملزما للجميع.
وأفاد الخبير في علوم التربية فريد الشويخي بأن “التصعيد كان منتظرا، لكن الملف لا يتمّ حلّه بالوعود خصوصا بعد قرابة 8 سنوات من الوعود والاتفاقيات دون تفعيل أو ميزانية واضحة.” وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “المشكلة كانت تقتصر على ترسيم المدرسين المؤقتين وتوظيفهم، واليوم أضيفت لتلك المطالب مسألة المستحقات المالية وغيرها”، لافتا إلى أن “المطالب مشروعة منذ 8 سنوات حيث تعاقب على وزارة التربية 6 وزراء.” ودعا الشويخي الحكومة إلى “ضرورة تفعيل هذا الاتفاق ولو جزئيا.”
ويأتي ذلك بعدما توصلت وزارة التربية ونقابة التعليم الأساسي في وقت سابق إلى اتفاق بشأن جملة من المطالب دعا إلى تلبيتها الطرف النقابي، وأهمها التعجيل بالإعلان عن القائمة النهائية للمدرسين المؤقتين خارج الاتفاقية في انتظار التسوية ووضع خطة للتوظيف.
وذكر بلاغ إعلامي نشرته الجامعة على صفحتها على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك أنه “تم الاتفاق بإشراف وزير التربية نورالدين النوري والوفد النقابي الذي يترأسه الأمين العام المساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل عبدالله العش، على صرف منحة الريف للسنة الدراسية 2022 – 2023 مع منتصف شهر يناير 2025، فيما ستصرف، في مارس 2025، منحة الريف للسنة الدراسية 2023 – 2024 بعد إمضاء القرار من طرف وزير التربية والتأشير عليه في وزارة المالية”.
كما اتفق الطرفان على صرف ما تبقى من المستحقات الخاصة بالساعات الإضافية والتنشيط الثقافي خلال الثلاثية الثانية من السنة الدراسية، فيما تم تأجيل صرف ملحق منحة العودة المدرسية إلى حين توفر الموارد المالية اللازمة وهو قرار يهم كل القطاعات المعنية. وسيتم، حسب البلاغ، “في غضون اليومين القادمين، الإعلان عن نتائج الترقية إلى رتبة أستاذ فوق الرتبة مميز درجة استثنائية، على أن تصرف المستحقات المترتبة عنها في يناير 2025 بمفعول رجعي من أكتوبر 2023، وفق ما تم الاتفاق حوله خلال جلسة التفاوض التي حضرها ممثلو وزارتي المالية والوظيفة العمومية”.
وكانت الوزارة قد أبرمت مع وزارة المالية في الثالث والعشرين من مايو 2020، اتفاقية تنصّ على أن تتم تسوية الوضعية المهنية للأساتذة المؤقتين تدريجيا على 4 دفعات، وتتمثل هذه التسوية في التوظيف الرسمي بعد سنوات من التعاقد، عبر الزيادة في الأجور والتمتع بالضمان الاجتماعي والعطل المدفوعة الأجر، وذلك ابتداء من السنة الدراسية 2020 – 2021 وصولا إلى السنة الدراسية 2023 – 2024. وتشمل الاتفاقية الأساتذة المؤقتين المسجلين في قاعدة البيانات الخاصة بالوزارة المذكورة، على أن يتم توظيف حوالي 1000 أستاذ نائب في كل دفعة.
غير أنه، مع انطلاقة السنة الدراسية 2023 – 2024 لم تلتزم وزارة التربية بتسوية وضعية الدفعة الرابعة من الأساتذة وفق ما نصت عليه الاتفاقية، لتبرم لاحقا في شهر مايو 2023، وزارة التربية ووزارة الشؤون الاجتماعية والجامعة العامة للتعليم الثانوي، اتفاقية ثانية تنص على التزام الوزارة بالتعاون مع الجامعة لتكوين لجان فنية لتدارك كيفية تسوية وضعية الأساتذة المؤقتين لكن الوزارة أخلت بها، ليواصل بعدها الأساتذة المؤقتون احتجاجاتهم للتنديد بتواصل تهميش حقوقهم.
ويعاني قطاع التعليم في تونس من أزمة حادة عقب اندلاع ثورة يناير 2011، في ظل تراجع المنظومة التربوية خاصة على مستوى المناهج وبسبب النقص في عدد المدرسين، إضافة إلى تدهور البنية التحتية وتداعيات المطالب النقابية على سير الدروس، ما جعل البلاد تحتل مراكز غير مطمئنة في التصنيفات الدولية للقطاع، كما ساهمت السياسات الخاطئة في تدني هذا القطاع، وسط تحذيرات الخبراء من تراجع جودة التعليم في تونس.