جولة تركية جديدة في معركة معقدة لحماية الليرة

دخل صناع القرار النقدي بتركيا في جولة جديدة من معركة طويلة ومعقدة لحماية الليرة المنهارة عبر سلسلة من القرارات قد تؤثر إيجابا في سعر الصرف بعد انتهاء سياسة رفع أسعار الفائدة، وسط شكوك في قدرة الدولة على تحقيق الهدف في ظل استمرار الآفاق الضبابية.
أنقرة - عدلت تركيا الثلاثاء اللوائح التنظيمية لمنع المدخرين من التدفق على العملات الأجنبية وتخفيف الضغط عن الليرة بعد إنهاء دورة قوية من ارتفاع أسعار الفائدة هذا الشهر.
واختتم البنك المركزي الخميس الماضي دورة التشديد النقدي التي تضمنت رفع الفائدة 8 مرات متتالية وأدت إلى زيادة أسعار الفائدة بأكثر من خمسة أضعاف منذ يونيو الماضي.
وأصبحت أسعار الفائدة بعد القرار الأخير عند 45 في المئة ارتفاعا من 42.5 في المئة، والتي جاءت متوافقة مع توقعات المحللين.
وبالرغم من أن صناع السياسة النقدية قالوا إن أسعار الفائدة ستظل عند هذا المستوى “طالما دعت الحاجة”، إلا أنهم أشاروا إلى أن الوضع قد يتغير بمجرد أن يشهد الاتجاه الأساسي للتضخم الشهري “انخفاضا كبيرا”، وتتقارب توقعات الأسعار مع تقديراتهم.
وينظر المسؤولون إلى 2024 على أنه العام الذي يبدأ فيه التضخم السنوي في الانخفاض، وتزداد فيه كفاية الاحتياطيات النقدية، وينتهي نظام حماية النقد الأجنبي، ويبدأ التحسن الدائم في الحساب الجاري وترسيخ الانضباط المالي.
ولم تتغير العملة التركية بشكل طفيف في التعاملات المبكرة الثلاثاء بعد أن خسرت ما يقرب من 3 في المئة مقابل الدولار حتى الآن هذا الشهر.
واستهلت الليرة العام الجديد على وقع تراجع إلى مستوى قياسي منخفض جديد عند أقل من 29.7 ليرة للدولار، لتواصل سلسلة خسائر تسارعت قليلا في أواخر عام 2023 إذ أنهت العام منخفضة بنحو 37 في المئة.
ومنذ فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية جديدة في مايو الماضي، أجرت الحكومة تحولا جذريا في السياسة النقدية وتخلت عن سياسة أسعار الفائدة المنخفضة غير التقليدية لصالح التشديد النقدي.
وتراجعت الليرة بشكل حاد في الصيف الماضي مع تخفيف السلطات قبضتها عن العملة، قبل أن تتباطأ الانخفاضات في الخريف.
وجعل المركزي الأمر أكثر كلفة بالنسبة إلى المقرضين التجاريين للحصول على ودائع بالعملات الصعبة، بينما يخفف في الوقت نفسه متطلبات الاحتياطي الإلزامي عن بعض الحسابات المرتبطة بالعملات الأجنبية، وهي جزء من برنامج ادخار مدعوم من الحكومة.
ويقوم صناع السياسات بإعداد إجراءات إضافية لتشجيع المزيد من الادخار بالعملة المحلية وضمان نقل أسعار الفائدة إلى الاقتصاد بعد استكمال دورة التشديد الأسبوع الماضي.
وتأتي الخطوات الأخيرة في أعقاب انخفاض الفائدة المقدمة على الودائع بالليرة العادية، ما قد يدفع المدخرين المحليين إلى البحث عن بدائل مع توقع تسارع التضخم إلى ما يزيد عن 70 في المئة في الأشهر المقبلة.
وقال البنك المركزي على منصته الإلكترونية إنه “سيتعين على المقرضين المحليين الآن تخصيص المزيد من الأموال للودائع وصناديق المشاركة المقومة بالعملات الأجنبية”.
وأضاف “علاوة على القواعد الحالية بشأن الاحتياطيات المطلوبة تمت مضاعفة نسبة إضافية لهذه الحسابات، التي يجب الاحتفاظ بها بالليرة، إلى 8 في المئة”.
وتقوم السلطة النقدية أيضا بتخفيض المتطلبات عن حسابات التوفير المرتبطة بالعملات الأجنبية لمدة تصل إلى ستة أشهر، وخفض النسبة الإلزامية إلى 25 في المئة من 30 في المئة.
وبموجب هذه الآلية يمكن لمودعي الليرة التحوط ضد خسائر العملة من خلال الحصول على تعويض تضمنه الدولة عن أي انخفاض في قيمة العملة يتجاوز الفائدة على الحسابات.
وسوف تعوض هذه الإجراءات بعضها البعض جزئيا، وفقًا للخبراء الاقتصاديين في بنك كيو.أن.بي القطري، الذين يقدرون أن التأثير الصافي سيؤدي إلى سحب بعض السيولة الفائضة من النظام.
وتدخل تركيا مرحلة نهائية قبل الانتخابات البلدية المحورية في مارس القادم، ما يسلط المزيد من الضوء على سلامة الاقتصاد مع وصول معدلات الفائدة حالياً إلى مستويات لم تكن متصورة قبل فوز أردوغان بولاية رئاسية جديدة في مايو.
وبعد أن جاهر طويلا بالدفاع عن الأموال الرخيصة سمح الرئيس منذ ذلك الحين بتغيير في السياسات التي رحبت بها الأسواق، ولكنها أعاقت النمو في الإنتاج الصناعي والتصنيع بينما بدأت في رفع معدل البطالة.
أبرز الإجراءات
- على المقرضين زيادة الودائع المقومة بالعملات الأجنبية
- مضاعفة النسبة الإضافية للحسابات البنكية بالليرة إلى 8 في المئة
- خفض المتطلبات على حسابات العملات الأجنبية لمدة ستة أشهر
- خفض النسبة الإلزامية إلى 25 في المئة من 30 في المئة
ويتوقع اقتصاديو مجموعة غولدمان ساكس أن يتحول البنك المركزي التركي إلى تيسير السياسة النقدية بشكل حاد بحيث يمكن خفض الفائدة بمقدار 20 نقطة مئوية بحلول نهاية 2024.
وقال المحللان في غولدمان ساكس، كليمنس غراف وباساك إديزغيل، في مذكرة إنه “بمجرد أن يبدأ التضخم في الانخفاض بوتيرة حادة اعتباراً من الربع الثالث، سيخفض صناع السياسات النقدية أسعار الفائدة القياسية إلى 25 في المئة”.
وأفاد غراف وإديزغيل في التقرير بأنه “مع انخفاض التضخم بوتيرة أسرع مما تتوقعه الأسواق، نعتقد أن بدء دورة التيسير النقدي في منتصف العام لن يكون سابقاً لأوانه”.
وتعتمد وجهة نظر محللا بنك الاستثمار الأميركي على توقعاتهما المتفائلة للتضخم في السوق التركية، والتي تقل عن تقديرات البنك المركزي البالغة 36 في المئة.
ومن المرجح أن يصبح مسار السياسة النقدية التركية أكثر وضوحا مع التقييم الجديد للتضخم الذي من المرجح أن يصدره البنك المركزي الأسبوع المقبل.
وشهدت أحدث التوقعات زيادة الأسعار بنحو 75 في المئة تقريبا في مايو المقبل، قبل أن تنخفض إلى أكثر من النصف بحلول نهاية العام الحالي.
وقالت سيلفا بحر بازيكي، الخبيرة الاقتصادية في بلومبرغ إيكونوميكس، “مع وصول البنك المركزي إلى معدل نهائي لأسعار الفائدة، ستتحول المناقشات حتماً إلى الموعد المحتمل لخفضها”.
وأضافت “نتوقع أن يظل المركزي في حالة انتظار خلال الربع الثالث، قبل الإقدام على تخفيضات تراكمية قدرها 500 نقطة أساس في الربع الرابع. وهذا من شأنه أن يوصل سعر الفائدة الرئيسي إلى 40 في المئة بحلول نهاية العام”.
وتعد زيادة الحد الأدنى للأجور هذا العام من بين الإجراءات الحكومية قبل الانتخابات التي يمكن أن تزيد الضغط على الأسعار.