"جوقة العنادل" رحلة شاعر عماني في زمن الشعراء ومناخاتهم

يونس البوسعيدي يهتم بعديد الشعراء العمانيين الذين التقى بهم أو سمع عنهم أو تابعهم ومنهم من رحل تاركا وراءه إرثا شعريا يستحق الالتفات.
الاثنين 2024/03/25
يونس البوسعيدي: الشعر العماني مظلوم في بيئته

عمان - يأخذنا يونس بن مرهون البوسعيدي في كتاب "جوقة العنادل" في رحلات متعددة ومتنوعة تدور كلها في فلك الشعر والشعراء، والتفاعل مع القصيد ومفارقاته. وجاء الكتاب، الصادر عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن ضمن منشورات الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، في 160 صفحة من القطع المتوسط، وضم ثمان وعشرين مقالة، حول بدايات الشاعر وعلاقته بالشعر والشعراء عبر عصور الشعر الموغلة في القدم منذ المعلقات وشعراء الجاهلية وحتى أولئك الشعراء المعاصرين.

يقول يونس البوسعيدي في أولى مقالاته "الشعر في داخلي كائن 'تنيني' يطرح أسئلته المزمنة عن هويته (سيرورته وصيرورته)، عن جدواه حين يمسكه العقل كلوغاريتمات لا أجد لها حلا، وحين يستريح في حريته ويطير محلقا في خرافته لا أجدني أستطيع الإمساك به، وأحسه متجبرا متكبرا على الوضوح والشفافية".

ويضيف "الشعر هو ابن السماء الذي رماني بقلق عدم الرضا، يلعب بي كطائرة ورقية بين يدي الأطفال، ومع ذلك فهذا الوحيد الذي يجذبني إلى عمق وحدته، وهو العباءة الكونية التي ألف داخلها مجرات إنسانية ووطنية ذاتية، وهو مالئي بهواء الأنا، الراسمي في المرايا المحدبة بضجيج أصوات العماليق، الرافع دوي اسمي كالأذان، الراسمي بألوانه في صفحة الوجود. ربما أنا جسد آيل لرماد النسيان لولاه".

◙ الكتاب يضم ثماني وعشرين مقالة حول بدايات الشاعر وعلاقته بالشعر والشعراء منذ القدم إلى اليوم
◙ الكتاب يضم ثماني وعشرين مقالة حول بدايات الشاعر وعلاقته بالشعر والشعراء منذ القدم إلى اليوم

وفي حديثه عن الشعر العماني بالتحديد يرى البوسعيدي أن الشعر العماني مظلوم في بيئته فلا بد على كل محب لعمان قادر على بعْث هذا الإرث أن يقوم بدوره، وأن على الجهات المعنية والمختصة أن تقوم بانتداب الشعراء العمانيين والقادرين على ذلك، وتهيئتهم بدورات متخصصة للقيام بتحقيق ديوان شعري مخطوط أو لعمل تصحيح وإخراج كأقل الإيمان، وإن فيهم القادر على التحقيق، وأن تشمل هذه الدورة على علوم الشعر؛ أي علوم النحو والصرف والعروض والقافية والرسم والبيان والبلاغة، ناهيك عن إلمامةٍ ولو بسيطة بالتأريخ، سواء العماني أو غيره، كون التأريخ هو المتكأ والمرتكز الأول للشاعر في قصيدته.

الشعر العماني على مر عصوره بدءا بالعصر النبهاني ثم اليعربي ومرورا بعصر الدولة البوسعيدية إلى غاية عصر الشاعر البهلاني وصولا إلى العصر الحالي تأثر شعراؤه ببيئتهم بشكل جلي في أشعارهم، وتميز الشعر العماني بسعة عطائه وقوة انتمائه وخصوصيته، خاصة في تفاعله وارتباطه بمحيطه العماني وانسجامه معه. وانطلاقا من سبعينات القرن الماضي وحتى اليوم تطورت رؤى الشعرية خاصة مع انطلاق قصيدة النثر العمانية، التي تمكنت من الانفتاح على مضامين موضوعية، ومرتكزات فنية تتجلى في تطور النص الشعري الحديث واستقائه من أنواع سردية متنوعة.

ومن ثمّة ظهرت تجارب كل من سيف الرحبي وسماء عيسى، التي تزامنت مع ظهور قصيدة النثر العربية، ثم كانت تجارب زاهر الغافري، وصالح العامري ومحمد الحارثي أبرز شعراء الجيل التالي للرواد، تلتها تجارب طالب المعمري، وعبدالله البلوشي، وعبدالله حبيب، وعلي المخمري، وهاشم الشامسي، وعادل الكلباني، وهلال الحجري، وزهران القاسمي، وفاطمة الشيدي، وبدرية الوهيبي، وإبراهيم سعيد وفتحية الصقري، الذين بدأت قصائدهم تنفتح على مضامين موضوعية، ومرتكزات فنية يتجلى فيها تطور النص الشعري واستقائه من أنواع سردية متنوعة.

واعتمدت قصائد النثر العمانية في أغلبها على الحكي الذي أسس لبنة نصية قوامها نصوص هجينة بين الشعرية والإنشائية، ما يدل على أن هناك نصوصا تداخلت وتفاعلت مع أنواع أدبية أخرى كالقصة والسيرة. ويذكر البوسعيدي العديد من الشعراء العمانيين المعاصرين الذين التقى بهم أو سمع عنهم أو تابعهم في منصات التواصل الاجتماعي ومنهم من رحل تاركا وراءه إرثا شعريا يستحق القراءة والالتفات.

ويقول في خاتمة الكتاب "هذه اللحظات الحزينة العارضة في لحظات الفرح قد تكون ثقلا راجحا لمن نحب ولم يعودوا معنا، لذلك فنحن نفتح لهم نوافذ التذكر في لحظات الفرح، وكما يقول كارل غوستاف يونغ: "الفرح والبهجة يفقدان معنييهما إن لم تتم موازنتهما بالحزن"، كاسرين مجاهيل اللحظة البرزخية التي يتوقعها زهران القاسمي حين قال: "الموتى لا يفرحون، الأحياء فقط من يستطيعون الفرح".

يذكر أن يونس البوسعيدي شاعر وكاتب عماني، صدرت له بعض المجموعات الشعرية والنثرية، أحرز العديد من الجوائز الأدبية، وشارك في الكثير من الفعاليات الثقافية والشعرية داخل وخارج سلطنة عمان.

12