جهود للارتقاء بالمحتوى الرقمي لحماية الأطفال في الجزائر

انخراط الطفل في الفضاء الإلكتروني وتأثره به جعلاه عرضة لمختلف مخاطر المجتمع الرقمي، كالتنمر الإلكتروني والتحرش ومختلف أشكال الدعاية للشذوذ الجنسي والإباحية.
الثلاثاء 2025/03/25
على الآباء متابعة نشاط أطفالهم داخل الفضاء الرقمي

الجزائر - تبذل السلطات الجزائرية المختصة في شؤون الطفل جهودا ترمي إلى تعزيز حمايته والارتقاء بحقوقه المتعلقة خصوصا بالمحتوى الرقمي.

وتسعى السلطات إلى تعزيز دور المؤثرين في صناعة محتويات هادفة تؤثر إيجابا على الأطفال وتبادل الآراء والخبرات.

وذكّرت المفوضة الوطنية لحماية وترقية الطفولة، مريم شرفي، بجهود الجزائر في الاهتمام بهذه الشريحة والارتقاء بحقوقها على غرار مصادقتها على مختلف الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان وبالطفولة، وذلك خلال لقاء وطني نظمته الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة بالشراكة مع الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين في الجزائر العاصمة.

وأشارت إلى مختلف النصوص القانونية المتعلقة بحماية الطفولة وترقيتها، مبرزة على وجه الخصوص دستور سنة 2020 الذي شهد لأول مرة “دسترة” المصلحة العليا للطفل، بمبادرة من رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، الذي يعتبر ملف الطفولة من بين أولويات برنامجه.

كما تطرق رئيس الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين، إبراهيم طايري، إلى مخاطر الاستعمال السلبي للفضاء الرقمي على فئة الأطفال والشباب، داعيا إلى تضافر جهود الجميع من أجل نشر ثقافة قانونية تساهم في توعية المجتمع بخطورة المحتوى الرديء وتحفزه على تبني ممارسات مسؤولة.

المختصون في شؤون الطفل يسعون إلى تعزيز دور المؤثرين في صناعة محتويات هادفة تؤثر إيجابا على الأطفال وتبادل الآراء والخبرات

وجدير بالذكر أنه تم التوقيع على اتفاقية شراكة بين الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة والاتحاد الوطني لمنظمات المحامين بهدف تعزيز دور المحامي في حماية حقوق الطفل.

وقد شهد هذا اللقاء، الذي جرى بحضور رؤساء وممثلي هيئات ومنظمات وطنية وصناع محتوى، مناقشة عدة محاور من بينها “دور المؤثرين في صناعة محتوى رقمي راق، وتأثير المحتوى الرقمي على الصحة النفسية للطفل وتعزيز الوعي الرقمي من أجل استعمال آمن للفضاء الرقمي لدى الأطفال والأولياء.”

وقال أكاديميون جزائريون إن مرحلة الطفولة تعتبر ذات أهمية قصوى في التكوين العلمي والنفسي والسلوكي للإنسان، لذلك تكتسي مسألة مراقبة ما يتعرض له الطفل من أفكار ومؤثرات تسهم في بناء شخصيته أهمية كبرى لا يمكن التساهل فيها، لأنها المرحلة الفاصلة التي قد تنتج إنسانا سويا أو غير سوي.

وأشاروا إلى أن انخراط الطفل في الفضاء الإلكتروني وتأثره به جعلاه عرضة لمختلف مخاطر المجتمع الرقمي، كالتنمر الإلكتروني والتحرش ومختلف أشكال الدعاية للشذوذ الجنسي والإباحية، وهو ما يشكل خطرا عظيما على تكوين شخصيته وتنمية مهاراته وقدراته التي تؤهله لأن يكون رجلا فاعلا في المجتمع الواقعي في المستقبل.

وقد أصبح الفضاء الرقمي يشكل تهديدا بالغا للأطفال، من خلال أشكال الانتهاك الرقمي الذي تتعرض له بياناتهم، خصوصا في ظل عدم القدرة على السيطرة على هذا العالم، لا من قبل أجهزة تطبيق القانون ولا من قبل أولياء الأمور الذين أضحوا لا يحسنون التعامل مع مخاطره.

لذلك أعلنت الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة يوم الأربعاء 24 يناير 2024 عن إحداث خلية وطنية لليقظة لحماية الأطفال من الاستغلال عبر تكنولوجيات المعلومات والاتصال، تم تنصيب أعضائها خلال تلك السنة، حيث ستتولى مسؤولية كشف انتهاكات حقوق الطفل والتدخل في الوقت المناسب، وتتكون الخلية من مختصين من الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة وممثلين عن الأسلاك الأمنية وخبراء في مجال التكنولوجيات الحديثة.

وأوضحت الهيئة أن هذه الخلية، التي ستنشط 24 ساعة يوميا، ستعطي مجالا أوسع للتدخل في الوقت المناسب في كل ما يمس فئة الأطفال عبر تكنولوجيات الإعلام والاتصال من أجل ضمان حماية فعالة.

أكبر نسبة من الرقابة الأبوية لسلوكيات الأطفال على الإنترنت توجد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

وخلال ملتقى نظمته كلية العلوم الاجتماعية، والمنتدى الوطني للطفل لأكاديمية المجتمع المدني الجزائري، تم التأكيد على أن موضوع نمو الطفل في ظل التطور التكنولوجي والرقمي بشكل خاص “أضحي من المسائل التي تفرض نفسها على الباحثين المختصين في مجالات العلوم النفسية التربوية والاجتماعية قصد الإحاطة بمختلف العوامل المؤثرة على الطفل كمستهلك لخدمات هذا الفضاء الرقمي ومنتج فاعل فيه.”

واستعرض الخبير في العلاقات الدولية عبدالحميد كرود واقع ظاهرة الطفولة والإجرام الرقمي والجهود المبذولة للتصدي لها، مشيرا إلى أن جنوح الأطفال يعد “موضوعا حساسا شغل شريحة كبيرة من المجتمعات، خاصة علماء النفس والاجتماع والمطلعين على السلوك الإنساني.”

وأشار في مداخلته إلى تقرير للمنتدى الدولي للأمن السيبراني تم إعداده بالتعاون مع مجموعة بوسطن الاستشارية، والذي كشف أن “72 في المئة من الأطفال في العالم تعرضوا لتهديد سيبراني.”

وأضاف أن نسبة الأطفال المستخدمين للإنترنت في العالم بين 8 سنوات و17 عاما بلغت “93 في المئة استنادا إلى التقرير” وأن “65 في المئة من الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يشرعون في استخدام الإنترنت عند سن الثامنة مقابل 70 في المئة في أميركا اللاتينية و50 في المئة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ و48 في المئة في أوروبا، وهو ما يجعل الأطفال في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأميركا اللاتينية الأكثر عرضة للتهديدات السيبرانية.”

وكشف التقرير من ناحية أخرى أن “أكبر نسبة من الرقابة الأبوية لسلوكيات الأطفال على الإنترنت توجد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.”

وحسب المختص نفسه تسعى الكثير من دول العالم إلى “تعديل التشريعات الجزائية وإصدار قوانين تتضمن أحكاما عقابية رادعة بحق مرتكبي الجرائم عن طريق الإنترنت،” بالإضافة إلى “تعزيز دور الأسرة وتفعيل دور الأخصائيين النفسانيين داخل المؤسسات التربوية وتطبيق الرقابة الإلكترونية وتمكين الآباء من متابعة نشاط أطفالهم داخل الفضاء الرقمي.”

ودعا الأمين العام لأكاديمية المجتمع المدني الجزائري أحمد شنة إلى “تركيز الجهود نحو حماية أطفالنا من سلبيات التطور التكنولوجي والتقليل من الأضرار الناجمة عن استخدام الإنترنت،” مشددا على أهمية “تضافر جهود الجميع من أسرة ومدرسة وجامعة ومؤسسات المجتمع المدني للنهوض بمتطلبات الطفولة وحمايتها من سلبيات الفضاء الرقمي.”

15