جهود لضبط تدفق العمال الأجانب على العراق الغاصّ بالعاطلين

السلطات في العراق حيث يسود استقرار نسبي بعد عقود من الصراعات، تسعى إلى تنظيم توافد العمال الأجانب في بلد يعتمد اقتصاده بشكل أساسي على الموارد النفطية.
السبت 2024/11/30
ما يترفع عنه بعض العراقيين من مهن يلتقطه الوافدون

كربلاء (العراق)- تنطوي حال سوق العمل في العراق على مفارقة تتمثّل في كون البلد الذي يعاني ارتفاعا كبيرا في نسبة البطالة في صفوف شبابه، بدأ يغصّ تدريجيا بأعداد متزايدة من الأيدي العاملة الهامشية الوافدة إليه والمقيمة على أراضيه بطرق غير نظامية.

ويعمل في العراق مئات الآلاف من الأجانب غالبيتهم من سوريا وباكستان وبنغلادش دون تصاريح، وفقا لتقديرات رسمية نشرتها وكالة الأنباء العراقية. أمّا العمال الأجانب الذي يحملون تصاريح رسمية، فيُقدّر عددهم بما يزيد عن أربعين ألفا.

وتسعى السلطات في العراق حيث يسود استقرار نسبي بعد عقود من الصراعات، إلى تنظيم توافد العمال الأجانب في بلد يعتمد اقتصاده بشكل أساسي على الموارد النفطية.

وأورد تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية حال الشاب السوري رامي العامل بشكل غير نظامي في العراق والذي يقضي ستة عشر ساعة يوميا أمام شواية لحم شاورما في ظلّ مخاوف تلازمه من ملاحقة قوات الأمن له في نطاق حملات هادفة لضبط ظاهرة العمالة الأجنبية غير النظامية.

نجم العقابي: ما لا يقل عن 1.6 مليون عراقي يبحثون عن عمل
نجم العقابي: ما لا يقل عن 1.6 مليون عراقي يبحثون عن عمل

ويقيم الشاب البالغ سبعة وعشرين عاما من العمر منذ سبعة أعوام في العراق. ويعمل من العاشرة صباحا حتى الثانية فجرا في مطعم وجبات سريعة في كربلاء المقدسة التي تستقبل الملايين من الزوار الشيعة سنويا.

وتعدّ زيارة المقدسات الشيعية الموجودة على الأراضي العراقية إحدى وسائل توافد العمال غير النظاميين إلى البلد، حيث تحدّثت مصادر عراقية في وقت سابق عن اختفاء خمسين ألفا من الباكستانيين الشيعة كانوا قد دخلوا العراق بذريعة الزيارة.

ويقول رامي “أتجنب قوات الأمن ونقاط التفتيش،” مضيفا “خوفي الأكبر هو الترحيل إلى سوريا، إذ لا أريد أن ألتحق بالخدمة العسكرية هناك.” وحال رامي حال أجانب كثر يعملون في مطاعم أو في أماكن أخرى في العراق ويخشون الملاحقة القانونية.

ويؤكد صاحب مطعم في بغداد أن الأمر أصبح يشبه لعبة القط والفأر إذ يختبئ جزء من عمّاله عند وصول المفتشين، كونهم ليسوا جميعا مسجّلين لأن الرسوم باهظة، وفق قوله.

وإذ تلاحق السلطات عمالا غير شرعيين وتعمل على ترحيلهم، كشفت وزارة الداخلية العراقية منتصف نوفمبر الجاري عن حملة تهدف إلى “تكييف الوضع القانوني” للعمال الأجانب من السوريين والبنغاليين والباكستانيين. وتفتح هذه الحملة مجالا لتقديم طلبات عبر الإنترنت حتى 25 ديسمبر القادم.

وهدّدت الوزارة تزامنا باتخاذ إجراءات قانونية مشدّدة ضد كل من يتورط في وصول أو توظيف العمالة الأجنبية غير النظامية. لكن رامي خائف رغم أنّه يرغب بشدّة في أن يُصبح وضعه قانونيا. ويقول “سأنتظر وأرى ما سيفعله زملائي ثم أفعل مثلهم.”

ويحدّد قانون العمل العراقي سقفا لنسبة اليد العاملة الأجنبية المسموح بها لأي شركة بخمسين في المئة وتسعى السلطات إلى خفض هذه النسبة إلى ثلاثين في المئة.

ويقول المتحدث باسم وزارة العمل نجم العقابي “اليوم لا نسمح بدخول غير العامل المتمتّع بمهارات غير موجودة في البلاد.”

ويمثّل هذا الملف مسألة شائكة مع تواصل هيمنة العمالة الأجنبية على قطاع النفط والغاز منذ عقدين في وقت تسعى الحكومة لإرضاء الطبقة العاملة العراقية من خلال زيادة عدد الوظائف المخصصة لها. ويوضح العقابي “لدينا شركات استثمارية متعاقدة مع الدولة” طلبت منها السلطات خفض “العمالة الأجنبية إلى ثلاثين في المئة فقط.”

ويؤكد أن مثل هذه الخطوة “تصب في مصلحة العمالة الوطنية،” مشيرا إلى أن ما لا يقل عن 1.6 مليون عراقي يبحثون عن العمل. ورغم ذلك، يرى العقابي أن من حق كل أسرة عراقية الاستعانة بعامل منزلي أجنبي لكونه لا ينافس العامل العراقي.

وفي بغداد تعمل إحدى الشركات الخاصة منذ 2021 على استقدام عاملات منزليات من غانا وإثيوبيا والنيجر. ويقول موظف في الشركة إن الطلب على العاملات المنزليات يزداد، موضحا “كنّا في الماضي نجلب أربعين امرأة أمّا الآن فقد أصبح العدد مئة سنويا.”

 

2

مليار دولار يتمّ تحويلها سنويا خارج البلاد من رواتب العمالة الأجنبية، الأمر الذي "يشكّل عبئا على ميزانية البلاد"

ويبلغ متوسط الراتب الشهري للعاملة المنزلية في العراق حوالي 230 دولارا وفقا لنفس الموظف بالشركة. غير أن السلطات زادت رسوم التسجيل خمسة أضعاف وبات الحصول على تصريح العمل يكلّف الآن حوالي 800 دولار.

ويقدّر مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية مظهر محمد صالح بأن حوالي ملياري دولار يتمّ تحويلها سنويا خارج البلاد من رواتب العمالة الأجنبية، الأمر الذي “يشكّل عبئا على ميزانية البلاد.”

واستقبل العراق في عهد الرئيس السابق صدام حسين الملايين من العمال المصريين وكذلك عمّالا سوريين، بقوا لسنوات في البلاد قبل أن يغادروا على وقع متغيّرات سياسية وأمنية عاصفة شهدتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي ومطلع الألفية الحالية.

وندّدت منظمة هيومن رايتس ووتش في يونيو الماضي بـ”حملة العراق المقلقة من الاعتقالات التعسفية والترحيل” لسوريين كانوا في بعض الأحيان يمتلكون الوثائق الرسمية المطلوبة للإقامة. وتحدثت المنظمة الحقوقية يومها عن “مداهمات على أماكن عملهم أو في الشوارع.”

ويقيم أحمد وهو ثلاثيني سوري الجنسية بشكل غير قانوني منذ عام ونصف العام في العراق حيث بدأ العمل طباخا في بغداد ثم انتقل إلى كربلاء. ويقول متحدثا باسم مستعار “الحياة صعبة هنا لا نتمتّع بحقوق. دخلنا بشكل غير قانوني والقوات الأمنية تلاحقنا.”

وتقتصر تحركات أحمد اليومية على الحي حيث يوجد المنزل الذي يقيم ومقر عمله والمقهى الذي يتردد عليه مع أصدقائه العراقيين. ويتابع الرجل الذي بقيت زوجته في سوريا “لو كان بإمكاني أن أعود لفعلت، لكن الحياة هناك صعبة للغاية. ولا يوجد عمل.”

3