جهود قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني تفتح مسارا جديدا لإنهاء الصراع سلميا بين تركيا والمسلحين الأكراد

نيجيرفان بارزاني: توجد فرصة استثنائية للسلام لا يجب إهدارها.
الثلاثاء 2025/02/18
أمل جديد في السلام

التّماس المباشر لإقليم كردستان العراق مع الصراع الطويل بين تركيا والمسلحين الأكراد، واطّلاع قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني الواسع على حيثيات الملف وتفاصيله ومعايشة بعض تلك قيادات لتطورات الصراع عبر عقود من  الزمن، كلها عوامل ترشّح الإقليم ليكون منطلقا ومدارا لعملية سلام جادّة بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني.

أربيل (إقليم كردستان العراق)- فتح الحراك الدائر في إقليم كردستان العراق بمشاركة قيادات سياسية وازنة في مقدمها الزعيم الكردي المخضرم رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني الباب لأكثر المحاولات جدية لحلحلة الصراع الطويل والمزمن بين تركيا والمسلحين الأكراد.

وتلوح مع ذلك الحراك فرصة كبيرة لإيجاد مخرج سلمي لواحد من أعقد الصراعات في المنطقة وأطولها أمدا والذي مثّل عبئا إضافيا على استقرارها وكلّف تركيا فاتورة بشرية ومادية كبيرة وأضاع وقتا ثمينا على الأكراد وجهودهم للتنمية والاستقرار.

ويعتبر إقليم كردستان العراق على تماسّ مباشر بالصراع المسلّح بين تركيا ومسلّحي حزب العمال الكردستاني كون حلقات كثيرة من ذلك الصراع دارت وما تزال تدور على أجزاء من أرضه. وتمتلك قيادات كردية مثل الرئيس بارزاني خبرة طويلة بالملف الذي عايشت حلقات طويلة من تطوره الأمر الذي جعلها مرشحة للعب دور إيجابي في حسمه ووقف مسار الهدر في الوقت والجهد والمقدّرات المترتّب عنه.

كسكين بايندر: هدف أوجلان إخراج القضية الكردية من مرحلة الحرب
كسكين بايندر: هدف أوجلان إخراج القضية الكردية من مرحلة الحرب

وأكّد عضو في وفد تركي مناصر لقضايا الأكراد، الاثنين، من أربيل مركز إقليم كردستان العراق، أن مؤسس حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان يعمل من سجنه على تسوية ديمقراطية للنزاع بين أنقرة والمقاتلين الأكراد.

ويخوض الحزب نزاعا مسلحا منذ أربعة عقود مع السلطة المركزية التركية، وتصنفه تركيا وحلفاؤها الغربيون منظمة إرهابية.

وتقيم تركيا منذ حوالي ربع قرن قواعد عسكرية في شمال العراق لمواجهة متمردي الحزب المنتشرين في مواقع ومعسكرات في إقليم كردستان.

وزار الوفد التركي برئاسة النائبَين من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب سيري سورييا أوندر وبرفين بولدان، أوجلان مرتين في سجن إيمرالي قبالة سواحل إسطنبول حيث يقبع منذ 1999.

وبعد ذلك أجرى الوفد مباحثات مع الكتل النيابية الرئيسية في تركيا قبل السفر إلى إقليم كردستان العراق للقاء قيادات هناك أبرزهم الزعيم مسعود بارزاني.

والتقى الوفد الذي يضمّ كذلك النائب كسكين بايندر عن حزب الأقاليم الديمقراطية ويشغل مقعدين في البرلمان، رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، الاثنين، في أربيل.

وأعرب  نيجيرفان بارزاني عن “أمله في أن يتبنى حزب العمال الكردستاني رؤية إستراتيجية تجاه العملية السلمية،” مشددا على ضرورة “عدم تفويت هذه الفرصة” وفق ما نقل مكتبه.

واعتبر أن “التجارب أثبتت أن الحرب والسلاح لن يحلّا أيّ مشكلة،” لافتا إلى استعداده لـ”تقديم كامل المساعدة والدعم لإنجاح عملية السلام في تركيا”.

من جهته قال النائب بايندر في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع “يناضل أوجلان في سبيل عملية تسوية ديمقراطية على الرغم من كل الظروف الصعبة”.

مظلوم عبدي: المرحلة الحالية تتطلب تضافر الجهود بين جميع الأطراف الكردية لتحقيق الاستقرار
مظلوم عبدي: المرحلة الحالية تتطلب تضافر الجهود بين جميع الأطراف الكردية لتحقيق الاستقرار

وأضاف “يعمل على إخراج القضية الكردية من مرحلة الحرب والعمليات العسكرية والتوجه نحو حل سلمي شامل،” مشيرا إلى أن “خارطة الطريق هذه سوف تنهي جميع أنواع التوتر في منطقة الشرق الأوسط”.

وفيما كانت جهود السلام مجمدة منذ حوالي عقد، أطلق معسكر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مبادرة قام حليفه الرئيسي القومي دولت بهجلي بطرحها في أكتوبر الماضي على أوجلان المحكوم بالسجن مدى الحياة. ودعا بهجلي حينها أوجلان إلى نبذ العنف وحلّ حزبه، لقاء الإفراج المبكّر عنه.

ومن المتوقّع أن يُوجه أوجلان نداء تاريخيا خلال الأسابيع المقبلة يأمل العديدون أن يشكل مدخلا لحلّ ديمقراطي للقضية الكردية.

ورغم أنّ موعد رسالته المرتقبة لم يُحدّد بعد، يقول زعماء سياسيون أكراد إنّها وشيكة ويؤكدون أنّها ستصدر في شهر مارس القادم قبل عيد النوروز الذي يمثّل رأس السنة الكردية.

ويتصل الحراك السلمي الذي تنخرط فيه قيادات إقليم كردستان العراق أيضا بالوضع في سوريا حيث تدور حلقة مهمة من الصراع بين تركيا والمسلحين الأكراد، وحيث بادر الرئيس مسعود بارزاني إلى محاولة تجنيب أكراد سوريا صداما أوسع مع القوات التركية بعد النقلة التي حدثت في البلد بسقوط نظام آل الأسد وانتقال السلطة إلى حلفاء أنقرة بقيادة أحمد الشرع.

جاء ذلك في ظلّ إصرار تركي شديد على نزع سلاح الأكراد السوريين الذين تصنّفهم أنقرة كامتداد لحزب العمال الكردستاني الإرهابي وفق توصيفها، وإنهاء سيطرتهم على أجزاء من المناطق السورية.

وانطلق ذلك الحراك بعملية جس نبض واختبار للنوايا عبر إيفاد ممثل بارزاني حميد دربندي إلى شمال شرق سوريا حيث عقد لقاءين منفصلين مع قيادتي قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، والمجلس الوطني الكردي في سوريا. وتلا ذلك قيام القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي بزيارة إلى أربيل حيث التقى الرئيس مسعود بارزاني وبحث معه “الأوضاع في سوريا وآخر التطورات الأمنية والسياسية،” بالإضافة إلى “التباحث حول الإطار العام لتعامل القوى الكردية مع الوضع الجديد وكيفية اتخاذ موقف مشترك للأحزاب الكردية في سوريا،” بحسب بيان لمقرّ بارزاني.

وتستند قسد في سيطرتها على مناطق سورية إلى دعم من الولايات المتحدة باعتبارها في نظر واشنطن قوة مضادّة لتنظيم داعش.

وحملت اتّصالات قسد مع قيادة الحزب الديمقراطي ملامح تزايد ثقة أكراد سوريا في حزب بارزاني وقدرته على تجنيبهم خطر الصراع المسلح ضدّ أركان الحكم الجديد في سوريا ومن ورائه تركيا.

تركيا تقيم منذ حوالي ربع قرن قواعد عسكرية في شمال العراق لمواجهة متمردي الحزب المنتشرين في مواقع ومعسكرات في إقليم كردستان

وتتجه وساطة قيادة إقليم كردستان العراق في الملف الكردي بسوريا باتجاه دعم وتشجيع التواصل الذي بدأ فعلا بين القيادة السورية الجديدة والذي تمثّل في اجتماع عقد بين الشرع وعبدي في مطار ضمير العسكري الواقع بشمال شرق العاصمة دمشق.

وأعرب عبدي عن تقديره لجهود الرئيس بارزاني معتبرا أن “المرحلة الحالية تتطلب تضافر الجهود بين جميع الأطراف الكردية لتحقيق الاستقرار وضمان حماية مصالح الشعب الكردي”.

ويتمثّل الهدف النهائي للحزب الديمقراطي الكردستاني وقيادته في إنهاء الحرب الممتدة منذ سنوات بين تركيا وحزب العمال الكردستاني ووقف الصراع بينها وبين أكراد سوريا كمقدمة لإنجاز مصالحة تاريخية بين الطرفين.

3