جهود غربية لتوحيد صفوف "الإخوة الأعداء" شمال سوريا

"المجلس الوطني الكردي" يتجه للانسحاب من الائتلاف السوري المعارض.
الاثنين 2020/05/11
واشنطن للأكراد: أمامكم فرصة تاريخية

القوى الكردية في سوريا أمام فرصة تاريخية لتجاوز خلافاتها وتوحيد صفوفها في ظل الحرص الغربي على تحقيق هذا الهدف تمهيدا لإشراكها في مفاوضات الحل النهائي للأزمة السورية.

دمشق – تشهد الساحة السياسية في شمال شرق سوريا حالة سيولة في علاقة بالجهود الجارية لتوحيد الصف الكردي، الأمر الذي يثير قلق كل من أنقرة ودمشق اللتين استثمرتا طويلا في الانقسامات بين القوى السياسية الكردية.

وترعى قوى غربية على رأسها الولايات المتحدة وفرنسا جهود المصالحة الكردية الكردية، تمهيدا لإشراك هذا المكون في أي حل سياسي مستقبلي في سوريا التي تشهد منذ العام 2011 صراعا مركبا يتداخل معه المحلي بالإقليمي والدولي.

ونجح الأكراد في فرض أنفسهم رقما صعبا في المعادلة السورية ميدانيا بيد أن أداءهم السياسي اتسم بالضعف لأسباب عدة بينها “الفيتو” التركي على مشاركتهم في أي محاولات دولية للتسوية السياسية في سوريا.

ويقول محللون إن من الأسباب الرئيسية التي ساهمت في ضعف هذا الحضور الأداء السياسي للقوى الكردية الذي اتسم بالتشرذم وغياب وحدة الموقف من الأزمة ككل، حيث انصهر “المجلس الوطني” (تحالف يضم 15 حزبا كرديا) في المعارضة السياسية لنظام الرئيس بشار الأسد.

واشنطن وباريس طلبتا من المجلس الوطني الانسحاب من الائتلاف السوري وتشكيل كتلة مع الاتحاد الديمقراطي لتمثيل الأكراد

في المقابل خير الاتحاد الديمقراطي (الطرف الأقوى في الساحة الكردية) النأي بنفسه وإن كانت له تقاطعات مع دمشق في فترات من عمر الصراع لعل أوضحها في نهاية العام 2012 حينما انسحبت القوات السورية من مناطق السيطرة الكردية لفائدة حزب الاتحاد وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب الكردي للتركيز على الجبهات المشتعلة، كما سجل تعاون بين الجانبين في معركة حلب في العام 2016.

ولهذه الانقسامات في الساحة الكردية خلفية أيديولوجية وتاريخية في علاقة بالصراع على الزعامة بين حزب العمال الكردستاني في تركيا من جهة، والحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق، والذي تأثرت به بشكل كبير القوى الكردية في سوريا. وتحاول القوى الغربية الداعمة لهذا المكون، تدارك هذا التشتت والانقسام وسط أنباء عن تقدم مهم في المفاوضات بين القوى الكردية، ومن أولى الخطوات المرجح القيام بها انسحاب المجلس الوطني الكردي من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الذي يتخذ من مدينة إسطنبول التركية مقرا له.

وأفادت مصادر كردية، بأن الولايات المتحدة وفرنسا طلبتا من المجلس الوطني الانسحاب من الائتلاف وتشكيل كتلة سياسية مع الاتحاد الديمقراطي لتمثيل الأكراد في المفاوضات حول الوضع في سوريا.

وأشارت المصادر إلى أن واشنطن وباريس طلبتا أيضا من رئيس إقليم كردستان بشمال العراق نيجرفان بارزاني، أن يلعب دورا في إقناع أعضاء المجلس بضرورة الموافقة على هذا الطلب، بصفته الداعم الأكبر لهم.

باتجاه الوحدة الكردية
باتجاه الوحدة الكردية

ولم يعد الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة يملك ثقلا سياسيا نتيجة الانقسامات بين مكوناته وخسارة القوى العسكرية المحسوبة عليه نفوذها في الداخل السوري، ولعل النقطة الأهم هي أن هذا الائتلاف أصبح أداة بيد بعض القوى الإقليمية (تركيا) الأمر الذي أفقده الدعم الغربي.

ويقول المحللون إن خطوة توحيد الصف الكردي مهمة جدا في ظل قناعة دولية متزايدة بأن الوقت حان لبدء مسار جدي لتسوية الأزمة السورية، والذي لا يمكن أن ينجح دون حل المعضلة الكردية.

وقال الرئيس المشترك لحزب السلام الديمقراطي الكردستاني طلال محمد في تصريحات لوكالة “هاوار” الكردية “يبدو أن بعض الأطراف والقوى الدولية ارتأت في الآونة الأخيرة التوصل إلى حل لإنهاء الأزمة في سوريا بطرق سياسية، لأن الوضع القائم في سوريا لم يعد يحتمل أكثر من ذلك، ويجبر الجميع على وضع حل له وعودة الشعب السوري إلى أراضيه، ووصول جميع الأطياف السورية إلى حقوقها، وخاصة الشعب الكردي الذي يحمل مشروعاً سياسياً ديمقراطياً”.

وأوضح طلال محمد “أن الأطراف الدولية الآن بصدد لمّ شمل الأطراف السياسية الكردية بغية توحيد موقفها ورؤاها السياسية، لمشاركتها في أي حل سياسي أو اجتماع أو مؤتمر يعقد في المستقبل لحل الأزمة، وفق القرار الدولي رقم 2254”.

وأشار إلى زيارة بعض الوفود الدولية إلى “روج آفا” (منطقة الإدارة الذاتية الكردية) مؤخراً، ومنها وفد من الوزارة الخارجية الأميركية، ووفد فرنسي، والتقت تلك الوفود بجميع الأطراف السياسية الكردية ورصدت آراءها ومقترحاتها بخصوص مبادرة القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي.

ويقود مبعوث الولايات المتحدة إلى شمال شرق سوريا، وليام روباك جهود المصالحة الكردية الكردية بمشاركة فرنسية وأيضا من إقليم كردستان العراق، وأفضت هذه الجهود إلى توصل حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي، الأسبوع الماضي إلى اتفاق سياسي جزئي يشمل المسائل المتعلقة بمستقبل الإدارة الذاتية الكردية التي تم إعلانها في العام 2013، والموقف من الحكومة السورية والمعارضة، فيما يجري حاليا النظر في مسائل أمنية من قبيل عودة البيشمركة السورية (محسوبة على المجلس الوطني) من العراق.

وعلى خلاف الجهود السابقة لتوحيد الصف الكردي التي كانت دون أفق، تبرز هذه المرة فرصة كبيرة لتحقيق هذا الهدف في ظل الحرص الغربي ووجود إرادة داخلية لاسيما وأن جميع القوى الكردية تستشعر بأن تفويت هذه الفرصة سيعني انتهاء مشروع حلمها بحكم ذاتي في شمال سوريا.

ولعل الرسالة التي بعث بها قائد حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان المعتقل في تركيا مؤخرا خير معبر عن الرغبة في تجاوز الخلافات الأيديولوجية والصراعات على النفوذ، وقال أوجلان في رسالته “اليوم الظروف ملائمة والفرصة تاريخية للأطراف الكردية لتستغلها في توحيد موقفها وضمان حقوقها في الأجزاء الأربعة من كردستان، وفق التغييرات الديمقراطية التي ستحصل مستقبلاً في الشرق الأوسط”.

2