جهود عراقية لبلورة خطة لترميم القطاع المصرفي

تسعى الحكومة العراقية إلى بلورة إستراتيجية تحفز نشاط القطاع المصرفي خلال المرحلة المقبلة بما يتيح له الانخراط أكثر في جهود تنويع الاقتصاد المعتمد على الريع النفطي وتعزيز دعاماته، بعدما ظلت البنوك لسنوات بعيدة عن فلك التنمية.
بغداد- حث رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني المسؤولين وصناع القرار النقدي في البلاد لإعداد خطة واضحة المعالم في غضون شهر تشمل مقترحات لتطوير عمل البنوك.
وتطرق السوداني أثناء اجتماع عقده الثلاثاء مع وزيرة المالية ومحافظ البنك المركزي ومديري المصارف الحكومية إلى أهمية أن تتضمن الخطة الاستخدام الأمثل للموارد المالية والبشرية والتقنية ورقمنة الإجراءات. وطالب بتوسيع خدمات الدفع الإلكتروني، ووضع رؤية شاملة للبنوك في منح التسهيلات الائتمانية والقروض، وتطوير آليات العمل بما فيها أدوات الضبط والرقابة.
وبشكل عام ناقش الاجتماع آليات العمل والإجراءات المتحققة في الإصلاح الإداري والمصرفي، الذي شرعت الحكومة في تنفيذه، وشكّل إحدى أولويات العمل المندرجة ضمن الإصلاح الاقتصادي الشامل في البلاد.
ويكافح البلد النفطي الذي شهد حروبا وفترة حصار طويلة منذ أكثر من أربعة عقود بحثا عن حلول تساعد في تحفيز نشاط البنوك حتى تسهم بدور فعال في تنمية الاقتصاد، الذي ظل متوقفا منذ الغزو الأميركي في 2003 عبر تخفيف مستوى البطالة وتضييق دائرة الفقر.
ولطالما حث الخبراء العراقيون صانعي السياسة النقدية في بلادهم إلى الإسراع في اعتماد إستراتيجية جديدة لترقية نشاط القطاع حتى يحسّن وضعه لدى وكالات التصنيفات الائتمانية الرئيسية.
ورغم أن البنك المركزي يولي اهتماما بسلامة القطاع في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية المتقلبة بتبنيه سياسات رقابية وإشرافية لتحقيق الاستقرار المالي والمحافظة على متانة الأصول، إلا أنه يحتاج إلى أساليب أكثر تطورا بما يتلاءم مع النظم والمعايير العالمية.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية عن السوداني قوله إن “الإصلاح الحقيقي الذي حرصت الحكومة على تحقيقه يرتكز على الإصلاح المصرفي”. وأضاف أن الحكومة “عازمة على اتخاذ قرارات جريئة من أجل تنفيذ هذا الإصلاح بما يُسهم في تحسين بيئة الاستثمار، وتطوير عمل القطاعين العام والخاص”. وطالب رئيس الحكومة مجالس إدارات البنوك العاملة بالبلاد للاستعانة بالخبرات الدولية من خلال التعاقد مع مستشارين متخصّصين بالعمل المصرفي والمالي.
ويشهد القطاع المصرفي وضعا صعبا مما انعكس سلبا على التعاملات التجارية بالدولار الذي يسجل ارتفاعا وصل إلى 1600 دينار في السوق الموازية في ما يبلغ السعر الرسمي المعتمد في البنك المركزي 1320 دينارا.
وأعلن المركزي الشهر الماضي أنه اقترب من وضع اللمسات الأخيرة لإطلاق إستراتيجيته الجديدة المتعلقة بالقروض المسندة من قبل القطاع المصرفي، في استكمال للإصلاحات التي يقوم بها البنك المركزي لترقية نشاط النظام المالي. وكان محافظ المركزي علي العلاق قد ذكر حينها أن البنك يعكف على إعداد خطة في الغرض “لأهميتها في معاضدة جهود دفع عجلات نمو” الناتج المحلي الإجمالي.
وقال إن “التركيز في المرحلة المقبلة سيكون على تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وكل ما يتعلق بالمشاريع أو القروض الخاصة بالطاقة المتجددة في محاولة لمساهمة المركزي في مواجهة تحديات المناخ ومجال الطاقة النظيفة. ودعت رابطة المصارف العراقية الخاصة مرارا إلى تفعيل برنامج الإقراض، مشيرة إلى العمل على تنفيذ خطة البنك المركزي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
وسبق أن قال مستشار الرابطة سمير النصيري إن البنوك الخاصة “أثبتت قدرتها ورصانتها ومواقفها أثناء الفترة الماضية، بعدما عانى العراق من الأزمات والتحديات الاقتصادية والجائحة، فضلا عن استمرارها بالنشاط خلال عام 2014”.
وأوضح أن “هبوط أسعار النفط والإغلاق الاقتصادي عانت منهما أغلب الدول ومنها العراق”. وحث البنوك على زيادة حجم الاقتراض للمشاريع الإنتاجية والخدمية وتطوير وحدات الإقراض.
كما شدد النصيري على أهمية زيادة عدد البنوك المشاركة في منصة تموين وتوسيع الرقعة الجغرافية للإقراض بكافة المحافظات في ثاني أكبر منتج للنفط بعد السعودية في منظمة أوبك.
أبرز ملامح تطوير القطاع المصرفي
- الاستخدام الأمثل للموارد المالية والبشرية والتقنية
- رقمنة الإجراءات والتعاملات البنكية
- توسيع خدمات الدفع الإلكتروني
- وضع رؤية شاملة في منح التسهيلات الائتمانية والقروض
- تطوير آليات العمل بما فيها أدوات الضبط والرقابة
وفرض المركزي مؤخرا استخدام أدوات الدفع الإلكتروني في القطاعين العام والخاص، ليس بسبب ما تفرضه الرقمنة لتغيير نمط التعاملات التجارية والتقليل من التعاملات النقدية في السوق، وإنما لقطع الطريق أمام الفاسدين والسوق السوداء.
ووفق رابطة المصارف، يبلغ إجمالي البطاقات الائتمانية المفعّلة التي يمتلكها المواطنون 14.9 مليون بطاقة بكل أنواعها، بالإضافة إلى 2.1 مليون محفظة دفع عبر الهواتف الذكية مفعلة.
وتظهر الأرقام الرسمية أن نحو 70 بنكا تعمل في العراق، لكن معظمها لم يدخل على نشاطه أيّ تحديثات تمكنه من الاستفادة من التكنولوجيا المالية التي أضحت أحد المحددات التي تقيس معايير الشفافية والسرعة في تأمين المدفوعات والتعاملات التجارية.
وبحسب الإحصائيات الرسمية، تستحوذ ثلاثة بنوك كبرى فقط، وهي الرافدين والرشيد والمصرف العراقي للتجارة، على حوالي 85 في المئة من إجمالي أصول القطاع المصرفي. ولا يوجد سوى بنك دولي كبير واحد يعمل في السوق المحلية حاليا وهو ستاندرد تشارترد، ويمتلك عددا قليلا من الفروع ويركز على المشاريع الحكومية الكبرى.
وفي يوليو العام الماضي، ركزت الحكومة على ضبط خطة لتحقيق الشمول المالي من خلال تكييف خطط الارتقاء بالقطاع المصرفي مع الإصلاحات الهيكلية التي تستهدف دفع عجلات الاقتصاد إلى الأمام.
ومع أن نسبة الشمول المالي ارتفعت في 2022 إلى 33.5 في المئة نتيجة الإجراءات التي اتخذها المركزي، لكنها لا تزال ضئيلة قياسا بدول أخرى في المنطقة العربية وخاصة الخليجية والتي رسمت أهدافا لبلوغ المستوى المسجل في الاقتصادات الناشئة.
ويعني الشمول المالي أن الأفراد والشركات لديهم إمكانية الوصول إلى منتجات وخدمات مالية مفيدة وبأسعار معقولة تلبّي احتياجاتهم من معاملات ومدفوعات ومنتجات ادخار وتسهيلات ائتمانية وقروض وخدمات تأمين، ويتم تقديمها على نحو مسؤول ومستدام.
وكل هذه المساعي تأتي بعدما أدرك المسؤولون وصناع القرار النقدي أن حالة من اليأس سادت بين المتعاملين حيال مؤسسات الدولة بعد التلكؤ الذي حصل في أداء التزاماتها معهم.
لكن الجهود قد تبدو منقوصة في ظل عدم محاصرة السوق السوداء على النحو الأمثل، حيث يؤكد المركزي أن قرابة 55 مليار دولار لا تزال خارج القنوات الرسمية.