جهود عراقية حثيثة لتغيير ديناميكية سوق الإسكان

يتطلع العراق إلى إحداث اختراق في جدار أزمة الإسكان من بوابة تغيير ديناميكية القطاع بمشاريع جديدة علها تسد الفجوة الكبيرة التي يعاني منها السوق منذ سنوات، وسط محاولات من الحكومة لإعطاء القطاع الخاص مساحة أكبر للمشاركة في هذا المضمار.
بغداد - أعلنت وزارة الإسكان والإعمار في العراق الاثنين عن طرح استثمارات طال انتظارها لتشييد أكثر من 200 ألف وحدة سكنية على مساحة تزيد عن 26 ألف دونم في خمس محافظات.
وتأتي هذه الخطوة في سياق حرص الجهات المسؤولة على تفعيل مساهمة القطاع الخاص في تنمية قطاع الإسكان، وفق السياسات التي تتبناها الحكومة في هذا الشأن.
وقال بنكين ريكاني وزير الإسكان خلال مؤتمر صحافي عقده في بغداد إن “هيئة الاستثمار الوطنية بالتعاون مع وزارة الإسكان نفذت اليوم جولة تقديم العطاءات لبناء خمس مدن بطراز ومواصفات حديثة”.
وتتوزع تلك المشاريع على محافظات بغداد وكربلاء والأنبار ونينوى وبابل، وسيتم تنفيذها، وفق ريكاني، من طرف “شركات رصينة ذات قدرات مالية كبيرة”.
وتشمل المشاريع مدينة الجواهري الجديدة في بغداد بأكثر من 29.5 ألف وحدة ومدينة ضفاف كربلاء الجديدة بنحو 30 ألف وحدة.
أما ثالث هذه المشاريع فيتعلق بمدينة الجنائن الجديدة في بابل بأكثر من 29.3 ألف وحدة ومدينة الفلوجة الجديدة في الأنبار بنحو 83.7 ألف وحدة، وأخيرا مدينة الغزلاني الجديدة في نينوى بنحو 28.2 ألف وحدة.
ويحاول العراق جاهدا معالجة أزمة الإسكان المزمنة من خلال إطلاق خطط تتلاءم مع النمو الديموغرافي المتزايد في البلاد، إضافة إلى الاعتماد على إجراءات لتسهيل حصول المواطنين على القروض بفوائد مقبولة.
ويصطدم الكثير من سكان البلد وخاصة الطبقتين المتوسطة والفقيرة في الفترة الماضية بالعراقيل في سبيل الحصول على مسكن جراء الأسعار الخيالية، والتي كانت نتائج سياسات تخطيط خاطئة على مدار عقدين، فضلا عن استشراء الفساد.
وذكر ريكاني أن “كلفة بناء هذه المدن تقدر بالمليارات من الدولارات حيث من المنتظر أن تنتهي المرحلة الأولى من هذه المدن في غضون عامين فيما سيتم إتمام المدن الأخرى وفق التوقيتات المحددة في صيغة العطاء”.
ولفت إلى أن هيئة للاستثمار شكلت بالتعاون مع وزارة الإسكان والمحافظات المعنية لجان تحليل لدراسة العطاءات خلال الفترة القادمة، وستقدم التوصيات والإحالة للعطاء الأفضل.
وأوضح ريكاني أن تصاميم المدن مختلفة وتتنوع بين الوحدات السكنية العمودية والأفقية، وهي بدرجات بناء مختلفة وبمساحات كبيرة ومتوسطة وصغيرة، وذات خدمات كاملة وتتوفر لجميع شرائح المجتمع.
ويحتاج البلد النفطي إلى أكثر من ثلاثة ملايين وحدة لحل أزمة السكن، في بلد يتجاوز التعداد السكاني فيه 43 مليون نسمة، حيث تعمل الحكومة الحالية على جذب استثمارات أجنبية في هذا الاتجاه.
ويؤكد الخبراء أن الحكومة تحتاج إلى بلورة حلول قادرة على التخفيف من وطأة هذه الأزمة في ظل التحديات التي تواجه البلد كونها تختزل أحد وجوه التقصير في إدارة الأزمات المتراكمة منذ قرابة العقدين، بسبب تغلغل الفساد وتوجيه الأموال إلى غير محلّها.
ولا تزال مشكلة الفساد أحد العوائق في إتمام المشاريع لأن المناقصات الحكومية تكون عرضة للاستغلال من قبل كارتيل يعمل لصالح شخصيات نافذة في الدولة، كما هو الحال مع المعابر.
وأظهرت تقارير دولية على مدى سنوات أن الحكومات المتعاقبة التي تقلّدت الحكم بعد الغزو الأميركي للعراق في 2003 وخاصة في فترة حكم نوري المالكي تسببت في إهدار الملايين من الدولارات بتعاقدات أبرمتها وزارة الإسكان.
ومن أهم أسباب فشل الحكومات المتعاقبة في معالجة هذه المشكلة المستعصية هو عدم وجود خطط إستراتيجية بشقيها، قصيرة المدى وطويلة المدى، من أجل تلافي المؤشرات السلبية التي تنتج عنها.
ولذلك يسعى المسؤولون جاهدين لإزالة العراقيل الجاثمة أمام تطوير قطاع الإسكان لتنفيذ آلية جديدة طال انتظارها مثل عملية توزيع الأراضي على المواطنين والتي تشكل أحد أبرز المشاكل أمام تملكهم للعقارات منذ أكثر من عقدين.
وتعكف وزارة الإسكان منذ أشهر على تعديل بعض البرامج أو استبدالها في هذا الاتجاه لاسيما مع وجود حرص من البنك المركزي على تسهيل حصول المواطنين على قروض سكنية. وأكد وزير الإسكان بنكين ريكاني الثلاثاء الماضي أن الحكومة تعمل على تخصيص أراضٍ لمعالجة مشكلة مبادرة “داري”.
المشاريع السكنية المعروضة للاستثمار
● مدينة الجواهري الجديدة في بغداد وتضم أكثر من 29.5 ألف وحدة
● مدينة ضفاف كربلاء الجديدة وتضم نحو 30 ألف وحدة
● مدينة الجنائن الجديدة في بابل وتضم أكثر من 29.3 ألف وحدة
● مدينة الفلوجة الجديدة في الأنبار وتضم نحو 83.7 ألف وحدة
● مدينة الغزلاني الجديدة في نينوى وتضم حوالي 28.2 ألف وحدة
ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية عن ريكاني قوله “هنالك نوعان من المشاريع وهي مشاريع المحافظات والمشاريع الوزارية، فالأخيرة تكون تحت متابعتنا، وسنعمل على إكمالها، وإزالة جميع المعوقات التي تعترض إنجازها”.
وتابع “أما في ما يخص مشاريع المحافظات، فقد تم تشكيل لجنة من قبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لتقييم أداء المحافظين”، مبيناً أن “اللجنة المكلفة بصدد تقديم تقريرها” حول ذلك.
وجعلت حلول أزمة الإسكان التي كانت مطروحة مجرد وعود غير قابلة للتطبيق وفقاعات للاستهلاك المحلي وعدم إنجاز المشاريع المخططة وخاصة رخيصة التكلفة التي أدت إلى تضخم المشكلة مع استمرار معاناة الأسر التي باتت عاجزة أمام هذا الأمر.
وتظهر تقديرات الخبراء أن الطلب على الوحدات السكنية بالبلاد زاد بمعدل يتراوح بين 50 و100 ألف وحدة سنويا، ومع تتالي الأعوام تراكمت الحاجة حتى وصلت إلى الملايين من هذه الوحدات.
ويقول خبراء إن عدم التوافق بين العرض والطلب واختلال التوازن فيه أدى إلى ارتفاع في أسعار العقارات بشكل لافت حتى فاقت ما يتم تداوله في العديد من المدن الأوروبية الكبرى.
ومنذ عام 2014 تشهد العاصمة بغداد، على سبيل المثال، إنشاء مجمعات سكنية، لم يبع قسم كبير منها بسبب لهيب الأسعار، مما أجبر الحكومة على حث البنوك لتوفير قروض ميسرة للراغبين في شراء شقق.
وفي بلد يتراوح فيه متوسط الدخل بين 400 و500 دولار في الشهر للفرد، وفق منظمة العمل الدولية، تبلغ أسعار العقارات السكنية في بغداد، والتي عرفت في السنوات الأخيرة استقراراً نسبيا، بين ألفي دولار للمتر الواحد و8 آلاف أو أكثر.
والعام الماضي خصص البنك المركزي تمويلات لتنمية سوق الإسكان تقدر قيمتها بحوالي 700 مليون دولار، وفي الوقت ذاته الاستمرار في اعتماد طرق مرنة لتقديم الائتمان للمعنيين وكذلك تنشيط قطاع التطوير العقاري.