جهود تونسية حثيثة للحاق بطفرة الهيدروجين الأخضر

مشاريع القطاع تفتح الباب أمام إنتاج الأمونيا وتحفيز صناعة الأسمدة لتغطية الطلب المحلي ثم التصدير.
الثلاثاء 2025/03/25
اضبطوا بوصلتكم جهة المستقبل

تعمل تونس على تسريع وتيرة تركيز مشاريع الهيدروجين الأخضر باعتباره مجالا ناشئا يوفر فرصا كثيرة للنمو، حيث إنه جزء من جهود تنويع مصادر الطاقة ومسح بصمتها الكربونية، مع الاستفادة من المكاسب التي سيتم تحقيقها بجذب المستثمرين لهذا القطاع الواعد.

تونس - تستعد السلطات التونسية لتنفيذ محاور الإستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر ومشتقاته والتي تتضمن، على المدى القريب، تركيز وحدة تجارية لإنتاج الأمونيا الخضراء لصناعة الأسمدة الموجهة للسوق المحلية.

ولدى الأوساط الاقتصادية قناعة بأن هذا المورد يشكل فرصة مهمة للبلد من أجل تعزيز تحول نحو اقتصاد منخفض الكربون وتحقيق مكاسب من خلال تصدير الطاقة النظيفة، وخاصة إلى أسواق أوروبا.

ويعد قرار مجلس الوزراء مطلع مارس بحذف الفوسفوجيبس من قائمة النفايات الخطرة وإدراجه كمادة منتجة إلى جانب إعفاء المجمع الكيميائي التونسي، الشريك الرئيسي في تنفيذ الإستراتيجية، من دفع القيمة المضافة على مدخلات الأسمدة الموجهة للسوق المحلية، جزءا من هذه الاستعدادات.

وائل شوشان: سنشهد تنفيذ أول مشاريع القطاع ابتداء من سنة 2030
وائل شوشان: سنشهد تنفيذ أول مشاريع القطاع ابتداء من سنة 2030

وتتطلع تونس، من خلال إرساء إستراتيجيتها التي تمتد إلى عام 2050، إلى أن تصبح مركزا رئيسيا للتحول النظيف في منطقة شمال أفريقيا، من خلال إنشاء سلسلة قيمة قوية ومستدامة للهيدروجين الأخضر.

وتشمل الإستراتيجية إنجاز عدة مشاريع من ضمنها إنشاء أول مصنع لإنتاج الأمونيا الخضراء في المنطقة الصناعية في ولاية (محافظة) قابس جنوب البلاد، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء التونسية الرسمية.

وكان كاتب الدولة لدى وزير الصناعة والمناجم والطاقة المكلف بتحول الطاقة وائل شوشان، قد قال في ديسمبر الماضي، إن بلاده “ستشهد تنفيذ أولى مشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته ابتداء من سنة 2030.”

وأشار أثناء افتتاح فعاليات المنتدى الدولي حول الهيدروجين الأخضر ومشتقاته الذي ينظمه القطب الصناعي والتكنولوجي بقابس، إلى أنه تم توقيع اتفاقيات مع عدد من المستثمرين الدوليين الذين شرعوا في إعداد الدراسات المتعلقة بمشاريعهم.

ومن المتوقع أن يتم تمويل جزء من المشاريع الكبرى في قطاع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر من البنك الأوروبي للاستثمار والصندوق الأوروبي للتنمية المستدامة والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، وفق ما جاء في وثيقة شرح الإستراتيجية.

وترتكز هذه الإستراتيجية، التي تم الكشف عنها لأول مرة في عام 2022، على محاور تشمل إنتاج 8.3 مليون طن من هذا المورد بحلول عام 2050 مع تطوير البنية التحتية لقطاع الطاقة المستدامة وتعزيز استخدامها في القطاع الصناعي.

وستتمكن تونس، بفضل هذه الإستراتيجية، من تصدير نحو 6.3 مليون طن من الهيدروجين سنويا إلى الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى تزويد السوق المحلية بحوالي مليوني طن من مشتقات الهيدروجين، على غرار الأمونيا والميثانول والوقود الاصطناعي الأخضر.

8.3

مليون طن تستهدف تونس إنتاجها بحلول عام 2050، وفق إستراتيجيتها للقطاع

كما تتضمن إنتاج الأسمدة الخضراء، مثل الأمونيا، وكذلك التشجيع على استخدام الطاقة البديلة (الشمس والرياح) في قطاع النقل، وأيضا تنويع مزيج إنتاج الكهرباء في البلاد، مع توفير نحو 430 ألف فرصة عمل.

ويساعد الجمع بين أنظمة الطاقة الشمسية وغيرها من الأنظمة المتجددة على تحقيق إمكانات اقتصادية قوية للبلد بسبب فوائد الفاعلية والكفاءة العاليتين، وهو ما يقلل من كلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر.

وتتمتع تونس بموارد هائلة من الطاقة الشمسية، كما أن مناطق شاسعة تجعلها موقعا مثاليا لتطوير مشاريع طاقة الرياح، ومع ذلك يبدو البلد متخلفا عن بلدان في منطقة شمال أفريقيا، مثل مصر والمغرب اللذين استقطبا الكثير من المستثمرين في هذا المجال.

ويرى خبراء أن تحقيق الأهداف المرجوة يحتاج إلى طول نفس ذلك أنه إلى جانب العمل على استقطاب المستثمرين، فإن المسؤولين مطالبون بتغيير العقلية الاحتكارية للدولة في الهيمنة على إدارة مجال الكهرباء، والذي تتحكم فيه شركة الكهرباء الحكومية (ستاغ).

وتروج تونس للمزايا التي توفرها في مسار تنمية الهيدروجين الأخضر، وتقول إن الإمكانيات القائمة على الموارد الطبيعية من الطاقة الشمسية والرّياح والموقع الإستراتيجي القريب من أسواق أوروبا تسمح بتطوير الهيدروجين الأخضر وتصديره.

وبفضل الإشادة به بوصفه طاقة المستقبل، فقد جرى الترويج للهيدروجين الأخضر على أنه مساهم في خفض الانبعاثات الكربونية، لكن ثمة من ينتقد تركيز البلد على تصدير هذه الطاقة الخضراء إلى أوروبا دون إعطاء الأولوية للاحتياجات المحلية.

وتعتمد تونس، التي تمر بأزمة مالية واقتصادية حادة، بنسبة 97 في المئة على الغاز الجزائري لإنتاج الكهرباء. ومن شأن خطوة تصدير الهيدروجين أن تكرس الانتقال البطيء أصلا في مجال الطاقة.

وواجه قطاع الطاقة بالبلاد في العقد الماضي تحديات كبرى. ويقول البنك الدولي إن من بين المخاوف الرئيسية في هذا المجال التبعيّة المطردة تجاه واردات النفط والغاز ما أسفر عن تدهور الميزان التجاري وارتفاع العجز المالي.

وشرعت العديد من البلدان الأفريقية مثل مصر والمغرب وناميبيا وكينيا وجنوب أفريقيا بجذب رؤوس أموال دولية للاستثمار بمشاريع الهيدروجين الأخضر، الأمر الذي يولد تنافسية بالنسبة لتونس للظفر بحصة في هذه السوق مستقبلا.

هناك عوامل تجعل كلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس أقل مقارنة بأوروبا
هناك عوامل تجعل كلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس أقل مقارنة بأوروبا

ووفقا لتقرير أصدرته مؤسّسة أدفيسيان بدعم من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في وقت سابق هذا الشهر، فإن ثمة عدة عوامل تجعل كلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس أقل مقارنة بالدول الأوروبية.

وتوقع خبراء المؤسسة أن تصل الكلفة إلى قرابة 2.3 يورو لكل كيلوغرام بحلول نهاية العقد الحالي، ما يجعل تونس “منافسا عالميا”.

ومطلع 2024، وضعت تونس قدما في طريق طويل لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وهي جزء من جهود حكومية تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة والتوجه إلى البدائل المتجددة، بما ينسجم مع خطط مسح البصمة الكربونية، مع رفد خزينة الدولة بموارد إضافية.

وشكلت الشراكة التي أبرمتها وزارة الصناعة والمناجم والطاقة مع شركة توتال إنيرجيز الفرنسية ومجموعة فربوند النمساوية، لتنفيذ مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره إلى أوروبا، تكريسا لسعي البلد إلى اللحاق بنجاحات هذا القطاع.

ومن المتوقع أن تصل القدرة الإنتاجية للمشروع إلى مليون طن سنويا مع تركيز 25 جيغاواط من الطاقات المتجددة بقيمة استثمارية تناهز 8 مليارات يورو في المرحلة الأولى على أن تبلغ 40 مليار يورو بحلول عام 2050.

ويهدف المشروع في مرحلته الأولى إلى إنتاج نحو 200 ألف طن سنويا من الهيدروجين الأخضر، مع تركيز حوالي 5 آلاف ميغاواط من الطاقات المتجددة وألفي ميغاواط من تقنية التحليل الكهربائي.

وتعتبر ألمانيا شريكا أساسيا لتونس في تطوير هذا المورد كذلك، حيث كانت من أول الداعمين للبلد عندما أبرمت في ديسمبر 2020 اتفاقية تعاون بقيمة 31 مليون يورو لتطوير هذا القطاع الجديد.

11