جهود التحقيق في انفجار مرفأ بيروت تصطدم مجددا بتعقيدات سياسية

بيروت - تواجه جهود القضاء اللبناني للتحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت عقبات لم تنته بمجرّد تغيير كبير المحققين، حيث رفض وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال منح الإذن بملاحقة مدير عام الأمن.
وقالت مصادر قضائية وأمنية الجمعة إن وزير الداخلية محمد فهمي، رفض طلبا لمنح الإذن بملاحقة مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، في قضية انفجار مرفأ بيروت.
ومن شأن هذا القرار أن يثير حالة من الصدمة في صفوف اللبنانيين وأهالي ضحايا الانفجار، الذين استبشروا ببوادر تحريك الملف بعد إقالة القاضي السابق فادي صوان، الذي عجز عن استجواب عدد من المتهمين في القضية بسبب ضغوطات سياسية كبيرة.
وتراجع وزير الداخلية عن وعوده رغم تأكيده الأسبوع الماضي أنه سيعطي الإذن بملاحقة المسؤول الأمني الكبير، بعد طلب المحقق العدلي في قضية مرفأ بيروت طارق البيطار.
ويرى متابعون في التأخيرات التي تعرقل استكمال التحقيق في قضية المرفأ، إشارة إلى أن الطبقة السياسية لن ترفع الحصانات عن المسؤولين السياسيين أو الأمنيين لاستكمال التحقيقات والادعاءات.
وهز انفجار ناجم عن كمية من نيترات الأمونيوم مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020، وأسفر عن تضرّر عدد من شوارع العاصمة وجرح أكثر من 6 آلاف، وترك 300 ألف شخص بلا مأوى.
وتسعى التحقيقات إلى الكشف عن ملابسات الحادث الضخم، الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص في الرابع من أغسطس الماضي.
وادّعى المحقق العدلي البيطار على كل شخص ثبت أنّه تلقّى مستندا بشأن وجود نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، ولم يقم بأيّ إجراء فعلي للحؤول دون حصول الانفجار.
ولم تكشف التحقيقات حتى الآن عن كيفية حدوث الانفجار، لكن المحقق العدلي القاضي طارق البيطار أعلن في 10 مايو الماضي، أن العمل في مجريات التحقيق "يجري بصمت وسرية وسرعة من دون تسرع".
وجرى تعيين البيطار في منصبه في فبراير الماضي، خلفا للمحقق العدلي فادي صوان، الذي جرت تنحيته بعد ادعائه في العاشر من ديسمبر على دياب والوزراء المذكورين، في خطوة أثارت امتعاضا سياسيا، ولم يمثل أي منهم أمامه.
وتقدم حينها زعيتر وخليل، المحسوبان على رئيس البرلمان نبيه بري، بمذكرة أمام النيابة العامة التمييزية طلبا فيها نقل الدعوى إلى قاض آخر. واتهما صوان بخرق الدستور بادعائه عليهما، من دون المرور بالبرلمان الذي يمنحهما حصانة دستورية.
وندد حقوقيون بعزل صوان، رغم ملاحظاتهم على أدائه، منتقدين وضع الطبقة السياسية "خطوطا حمراء" لعمله.
وتتنامى مخاوف اللبنانيين من أن يطوى الملف دون محاسبة المتسببين في أعظم كارثة تضرب لبنان خلال تاريخه المعاصر، في ظل تفشي الفساد وتورط مسؤولين كبار في الانفجار.
وكشف الانفجار أنّ هذا المرفق الحيوي للبلاد ليس في منأى عن الفساد المستشري وتغوّل نفوذ القوى السياسية التي طالت أياديها أهم المراكز الفاعلة، وواجه حزب الله اتهامات غير مباشرة بضلوعه في الانفجار، حيث يتهمه لبنانيون وتقارير إعلامية بالسيطرة على جزء كبير من إدارة المرفأ، لكنه سبق وأن نفى أي صلة له بشحنات نيترات الأمونيوم التي ظلت مخزنة لسنوات دون إجراءات حماية، رغم علم جهات عليا في الدولة بوجودها ومخاطرها.
وكان المرفأ الذي دمّر بنسبة كبيرة، مركزا للتهريب والتهرّب الضريبي والرشاوى وأرباح المناقصات والمزادات العلنية المشكوك فيها، ويقدّم رواتب خيالية يستفيد منها موظفون على مستوى رفيع محسوبون على القوى السياسية.
ورفض لبنان إجراء تحقيق دولي في الانفجار، لكن محققين أميركيين وفرنسيين شاركوا في التحقيقات الأولية بشكل مستقل.
وطالبت 53 منظمة حقوقية دولية وإقليمية ومحلية، فضلا عن 62 شخصا من الناجين وعائلات الضحايا، منتصف الشهر الماضي، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بـ"إنشاء بعثة تحقيق دولية ومستقلة ومحايدة، من قبيل بعثة لتقصي الحقائق لمدة سنة".