جهود إسرائيل لسوريا مستقرة بعد رحيل الأسد قد تنتهي بنتيجة عكسية

بقاء إسرائيل في سوريا وتنفيذ عمليات استفزازية قد يدفعان إدارة الشرع نحو القوى المناهضة لإسرائيل.
السبت 2025/03/01
إسرائيل تحتاج إلى تغيير أسلوبها في سوريا

القدس - من المرجح أن تكثف العملية العسكرية الإسرائيلية الجارية في جنوب سوريا المشاعر المعادية لإسرائيل بالرغم من سعي الإدارة الجديدة بزعامة أحمد الشرع إلى تجنب التصعيد والظهور بمظهر الشخصية المعتدلة، في وقت يقول فيه مراقبون إن اعتماد إسرائيل على الضغوط لتأمين استقرار سوريا ما بعد بشار الأسد قد تنتهي إلى نتيجة عكسية.

وفيما يعتقد الإسرائيليون أن ممارسة المزيد من الضغوط على الإدارة الجديدة في سوريا ستجعلها تقبل بالأمر الواقع، قد توسع دائرة الغاضبين من داخل الإدارة الحاكمة في دمشق ومن خصومها على الوجود الإسرائيلي داخل الأراضي السورية، كما أن الشرع لا يقدر على الاستمرار طويلا في التهدئة إذا كان المزاج العام ضده.

ويمكن أن تشجع الاستهانة الإسرائيلية بقدرة إدارة الشرع على الرد، الجماعات المسلحة على استهداف مرتفعات الجولان وتقرّب سوريا من القوى المناهضة لإسرائيل مثل حزب الله وإيران وتعيد تل أبيب بذلك تجميع الخصوم ضدها بدل إضعافهم. وشنت إسرائيل عدة غارات جوية عبر جنوب سوريا في 25 فبراير، وصرح وزير الدفاع يسرائيل كاتس بأن الهدف كان منع المنطقة من أن تصبح “جنوب لبنان” آخر.

وجاءت الضربات الإسرائيلية في أعقاب طلب من الحكومة الانتقالية السورية لإسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي استولت عليها في ديسمبر 2024 بعد سقوط الرئيس بشار الأسد. كما أتت بعد مرور فترة وجيزة على دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى نزع السلاح في محافظات سوريا الجنوبية الغربية (القنيطرة ودرعا والسويداء)، حيث كانت الجماعات المرتبطة بإيران تنشط قبل انهيار نظام الأسد.

ويراهن نتنياهو على عدم قدرة هيئة تحرير الشام الحاكمة في دمشق على تبني الخيار العسكري ضد إسرائيل لأن وضعها الداخلي لا يسمح بذلك، في الوقت الذي تعمل فيه الهيئة على تعزيز سلطتها وبناء منظومة سياسية داعمة لها، وهذا يتطلب وقتا. كما أنها تريد إقناع دول الإقليم بأنها هيئة معتدلة وبراغماتية ولا تشبه حزب الله وحماس، وهذا يدفعها إلى تجنب الصدام مع إسرائيل بأي شكل بما في ذلك اعتماد خطاب إعلامي معاد.

◙ الاستهانة الإسرائيلية بقدرة إدارة الشرع على الرد يمكن أن تشجع الجماعات المسلحة على استهداف مرتفعات الجولان وتقرّب سوريا من القوى المناهضة لإسرائيل

ويضيف تقرير لمركز ستراتفور عاملا آخر مهمّا يدفع إلى تجنب التصعيد ضد إسرائيل، وهو سعي الجماعة إلى إزالة العقوبات الأميركية والغربية المفروضة على سوريا خلال حكم الأسد، وهي خطوة ضرورية لبقاء حكم هيئة تحرير الشام.

كما أن حلفاء الهيئة القطريين والأتراك يدفعونها إلى التهدئة والمرونة لملء الفراغ الذي تركه رحيل الأسد وخروج إيران من سوريا، ولو كان الهدف التصعيد مع إسرائيل لما أقدمت الدوحة وأنقرة على دعم سيطرة الهيئة على سوريا لأن الهدف بالنسبة إليهما هو السيطرة على سوريا وليس الصدام مع إسرائيل، وإلا لكانتا دعمتا بقاء إيران وحزب الله.

ونتيجة لذلك من المتوقع أن تتجاهل هيئة تحرير الشام الأعمال العسكرية الإسرائيلية وتركز على تحديات الأمن الداخلي، لاسيما في أقصى الشمال، أي ما تبقى من أنصار الأسد والقوات الكردية المسلحة، وهي المعركة التي تريد أنقرة أن تشرع فيها “سوريا الجديدة”.

ونقلت وكالة رويترز عن مصادر مطلعة قولها إن إسرائيل تضغط على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا ضعيفة وبلا قوة مركزية من خلال السماح لروسيا بالاحتفاظ بقاعدتيها العسكريتين هناك لمواجهة النفوذ التركي المتزايد في البلاد، وأن مسؤولين إسرائيليين أبلغوا واشنطن بأن الحكام الإسلاميين الجدد في سوريا، الذين تدعمهم أنقرة، يشكلون تهديدا لحدود إسرائيل.

لكن مرونة هيئة تحرير الشام ليست مطلقة، فهي بالأساس حركة مقاتلة وحين تكثر عليها الضغوط فقد تهرب إلى الخيار العسكري سواء ضد الخصوم في الداخل أو ضد الوجود الإسرائيلي وتنسى في لحظة كل شعارات الطمأنة والمرونة التي رفعتها منذ السيطرة على دمشق.

ويحذر مراقبون من أن البقاء الإسرائيلي المطول في نقاط إستراتيجية بسوريا وتنفيذ عمليات استفزازية قد يدفعان هيئة تحرير الشام إلى تغيير خطتها كليا، خاصة إذا استمرت العقوبات الأميركية، وأنها قد تميل تدريجيا نحو الفصائل المناهضة لإسرائيل، بمن في ذلك الخصوم السابقون مثل حزب الله وإيران وربما تلجأ إليهم للحصول على الأسلحة والدعم ضد العمليات الإسرائيلية.

وقد يزيد الوجود الإسرائيلي من تعميق الانقسامات الداخلية وتأجيج العنف داخل سوريا نفسها. ومن المرجح أن تعمل الحكومة المؤقتة على استرضاء المتشددين من خلال المطالبة بانسحاب إسرائيل من جنوب سوريا لتلافي الانتقادات، خاصة أن الثقافة التي تركها الأسد تمنع السوريين من القبول بوضع تسيطر فيه إسرائيل على أراض سورية إضافية.

ويرى المراقبون أن إسرائيل تحتاج إلى تغيير أسلوبها الذي يتسم بالتعالي على محيطها الإقليمي، مشيرين إلى أن ضعف “سوريا الجديدة” بسبب المرحلة الانتقالية قد يجعلها تقبل بالوضع بشكل مؤقت وليس دوما، وأن ضغوط نتنياهو تساعد على خلق نظام معاد، وتفتح الطريق أمام عودة إيران وحزب الله سواء من بوابة هيئة تحرير الشام أو ممّن سيخلفها.

1