جهاز أبوظبي للاستثمار يتبنى نموذجا جديدا لاقتناص الصفقات

يسعى أكبر صناديق الثروة في الإمارات إلى الاستفادة من الفرص الناشئة عن التطورات العالمية المتسارعة بطرق عديدة، حيث يعمل على تعزيز أعماله بمراجعة إستراتيجيته للصفقات، بعدما حقق نتائج لافتة في 2023 ليحافظ على تفوقه في الشرق الأوسط.
أبوظبي - يتطلع جهاز أبوظبي للاستثمار (صندوق الثروة السيادي) إلى تبني نموذج جديد في إدارة الأصول، في ظل إدراك المسؤولين للتحولات العالمية المترابطة والجارية حاليا في مجالات متنوعة، منها التكنولوجية والاقتصادية وتلك المتعلقة بالطاقة وغيرها.
ويتوخى الجهاز (أديا) البالغ حجمه نحو تريليون دولار، نهجا علميا وعمليا أكثر تطورا في الاستثمار، فهو يعتمد على فريق متخصص في التحليل الكمي لتسريع عملية اتخاذ القرارات بهدف تعزيز الإيرادات والأرباح.
ويستعين الصندوق المملوك لحكومة أبوظبي بفريق يضم 125 متخصصا في تحليل البيانات لتوجيه قرارات الاستثمار المحلي، وفقا لتصريحات نادرة أدلى بها مسؤولون في الجهاز لبلومبيرغ مؤخرا.
وتأتي الخطوة ضمن التغييرات الواسعة التي يقوم بها الجهاز باعتباره يضخ أموالا بشكل أسرع في مجال الائتمان الخاص، ويواصل زيادة الاستثمارات المخصصة للأسهم الخاصة.
وعلاوة على ذلك، يعمل مع مجموعة أوسع من صناديق التحوط التي تقدم إستراتيجيات متنوعة، رغم أن نسبة تعرضه لهذا القطاع لن تتوسع بالضرورة.
ويمثل هذا المنحى تحولا مهما عن الفترة التي كانت تركز فيها صناديق الثروة للبلد الخليجي، وفي مقدمتها جهاز أبوظبي للاستثمار، على السيولة في محافظها أو الاستثمارات المحافظة مثل السندات الحكومية والعقارات.
وبالنظر إلى حجم الجهاز، باعتباره أكبر صندوق ثروة سيادي في منطقة الخليج والمنطقة العربية عموما، والرابع عالميا، فإن أي تعديلات محدودة قد تنطوي على تأثيرات كبيرة على النظام المالي العالمي.
وقال جان – بول فيلان مدير قسم الإستراتيجية والتخطيط في الجهاز إن “المحرك الرئيسي وراء التغييرات المهمة التي أجريناها في السنوات الأخيرة هو تغير البيئة الخارجية”.
وأشار إلى أن كفاءات السوق باتت أقل، والحدود التقليدية بين فئات الأصول تزداد ضبابية، والفرص باتت أقل استدامة وتتطلب تنفيذا أسرع.
ويعد جهاز أبوظبي للاستثمار أحد الكيانات السيادية التابعة لإمارة أبوظبي، والتي تمتلك مجتمعة ثروات تقترب قيمتها من 1.7 تريليون دولار، وفقا لمعهد غلوبال أس.دبليو.أف.
وساعد ذلك الحكومة على استقطاب مؤسسات مالية دولية بارزة مثل بنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس وبريفيان هوارد ومكتب عائلة راي داليو.
ويأتي الكشف عن هذا التوجه مع إصدار الجهاز الخميس تقريره السنوي، الذي يوفر نظرة شاملة ومفصّلة لنشاطاته المختلفة خلال العام 2023 ويلقي الضوء على توقعاته للعام الجاري.
ويحتوي التقرير على تحليل متكامل لأوضاع الأسواق المالية، لكل من فئات الأصول التي يستثمر فيها الصندوق، ويستعرض آخر التطورات التي شهدتها دوائر الاستثمار.
وقال الشيخ حامد بن زايد آل نهيان العضو المنتدب للجهاز في التقرير “إن الصندوق السيادي زاد نسبته من الأصول المدارة داخليا إلى 64 في المئة في عام 2023 ارتفاعا من 55 في المئة في العام السابق.”
◙ 1 تريليون دولار حجم أصول جهاز أبوظبي للاستثمار وفق بيانات غلوبال أس.دبليو.أف
ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى منهجية دائرة المحفظة الرئيسية في إدارة استثمارات الجهاز في الأسهم ضمن محافظ مماثلة للمؤشرات.
ووفقا للمراجعة، جاء الارتفاع بشكل رئيسي نتيجة للتغيرات في إدارة الانكشافات للأسهم المرتبطة بالمؤشرات، مع التوسعات الكبيرة الأخيرة في قدرات المحفظة الأساسية.
وأوضح الشيخ حامد أن الصندوق كان في وضع جيد العام الماضي للاستفادة من مكاسب السوق، مع الاستفادة من “الاضطرابات” في المناطق التي كانت الظروف فيها أكثر صعوبة.
وبلغت معدلات العائد السنوي على مدى عشرين عاما 6.4 في المئة و30 عاما نحو 6.8 في المئة، في نهاية 2023، مقارنة بنحو 7.1 و7 في المئة تواليا في نهاية عام 2022.
وارتفعت مخصصات الملكية الخاصة للأسهم إلى ما بين 12 و17 في المئة من إجمالي محفظة الجهاز، مقارنة بعشرة في المئة و15 في المئة في العام السابق.
وذكر التقرير أن مؤشر مورغان ستانلي العالمي (أم.أس.سي.آي) ارتفع بنسبة 24 في المئة خلال 2023، حيث تحققت معظم المكاسب خلال الأشهر الأخيرة من العام مع تحسن إقبال المستثمرين على المخاطر.
وتحسن أداء أسواق سندات الدخل الثابت، إذ شهدت ارتفاعا ملموسا في ضوء ترقب المستثمرين الإعلان عن تخفيضات محتملة في أسعار الفائدة.
وعلى الجانب الآخر، تأثرت الأصول الخاصة بارتفاع الفائدة التي انعكست سلبا على جدوى الصفقات. وأظهر الجهاز قدرة عالية على تحقيق عوائد قوية في بعض الأسواق العالمية، مع الاستفادة من تقلبات الأسواق في المناطق التي واجهت تحديات كبيرة.
وسعى خلال السنوات الأخيرة إلى التركيز على العائد الإجمالي المحقق على مستوى المحفظة الاستثمارية، وذلك على خلاف المنهج التقليدي المتمثل في السعي لأن تحقق فئات الأصول الفردية أداء أفضل من أداء مؤشرات القياس.
وعلى مستوى الأسهم الخاصة، استفاد الجهاز من علاقاته الراسخة في هذا القطاع لتعزيز حضوره وتوسيع نطاق تواجده وتحقيق عوائد أفضل. ولطالما كان الجهاز مستثمرا نشطا، وكان من الداعمين الرئيسيين لإطلاق صندوق التحوط البارز الذي أسسه بوبي جاين.
وخلال الأرباع الثلاثة الأولى من 2023، استثمر الجهاز وصناديق أبوظبي السيادية الرئيسية الأخرى حوالي 36 مليار دولار بشكل موسع، بحسب بيانات غلوبال أس.دبليو.أف.
وتشير ملامح أخرى للتغييرات التي يجريها الصندوق إلى توسع مختبره العلمي الداخلي، بما في ذلك توظيف نافيد مالك، الذي جاء من صندوق التحوط متعدد الإستراتيجيات ميلينيوم مانجمنت ومقره في نيويورك.
وتم تعيين مالك ضمن فريق البحث والتطوير الكمي للجهاز الذي يضم خبراء في الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة والبيانات الضخمة والحوسبة عالية الأداء. ويساهم هذا القسم الآن في اكتشاف الفرص الاستثمارية بشكل أسرع وضخ السيولة بسرعة أكبر.
وقال فيلان شارحا هذا التمشي “نعتمد على مهاراتنا المتزايدة في البيانات والعلوم لمساعدة فريق الاستثمار الأعلى على اتخاذ قرارات تخصيص ديناميكية”.
وأضاف “هذا يعني أننا أسرع في تعديل انكشافاتنا على الأسهم للاستفادة من الفرص المحدودة زمنيا، على سبيل المثال في قطاعات أو مناطق جغرافية معينة”.
وبدأت هذه التغييرات تؤتي ثمارها بالفعل. فمثلا، يحقق الصندوق تقدما في سوق الائتمان الخاص عبر سلسلة من الاستثمارات. وفي مارس الماضي، زاد انكشافه على صندوق ائتمان خاص للعقارات تشين كابيتال. كما التزم بمبلغ مليار دولار لأداة استثمارية جديدة أسسها كل من بنك باركليز البريطاني وإي.جي.أل كريديت مانجمنت.