جهات عراقية تحاول الزج بجهاز مكافحة الإرهاب في التجاذبات السياسية

تدفع بعض القوى العراقية الخاسرة في الانتخابات التشريعية الأخيرة إلى إقحام الأجهزة الأمنية والسلطة القضائية في الصراعات السياسية، الأمر الذي يشكل خطرا يهدد ما تبقى من الدولة ومؤسساتها.
بغداد - تحاول بعض الجهات الزج بجهاز مكافحة الإرهاب في التجاذبات السياسية التي يشهدها العراق منذ الانتخابات التشريعية التي جرت في العاشر من أكتوبر الماضي، والتي تخللتها تجاوزات أمنية كان أشدها خطورة محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في نوفمبر الماضي.
وتقول أوساط سياسية عراقية إن بعض الجهات، ممثلة في تحالف الفتح المظلة السياسية للميليشيات الموالية لإيران، تحاول التشكيك في نزاهة الجهاز الأمني وترويج أنه يجري توظيفه في خدمة أجندة رئيس الوزراء.
وتلفت هذه الأوساط إلى أن هذه الجهات تعمد إلى استغلال قرار المحكمة الاتحادية العليا بشأن حل لجنة مكلفة بمحاربة الفساد كان شكلها الكاظمي قبل نحو عامين، لدعم حججها في الإدعاء بأن رئيس الوزراء يستغل سلطاته والأجهزة الواقعة تحت إشرافه لتحقيق غايات سياسية ومن بينها استهداف المناوئين لتوليه ولاية حكومية ثانية.
وندد جهاز مكافحة الإرهاب الأربعاء بمحاولات البعض التشكيك في مهنيته، مشددا على أن تحركاته تتم بموجب أوامر من القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء) والأوامر الصادرة من القضاء.
وذكر الجهاز في بيان "نحن مؤسسة رصينة ومهنية وقوية تتحرك بأوامر القائد العام للقوات المُسلحة والأوامر الصادرة من القضاء، بموجب القانون رقم (31) لسنة 2016، وأن ما وصل إليه الجهاز من سمعة عالمية بفضل تضحيات مُقاتليه جعله يترفع عن الرد على بعض الجهات التي تحاول الانتقاص من عمله وبطولاته"، وأضاف "نعدكم بالمزيد من العمليات مطلع الأيام المُقبلة".

وعمدت بعض القوى المحسوبة على إيران إلى استغلال الحادثة التي حاصرت فيها قوة تابعة لجهاز مكافحة الإرهاب محكمةَ استئناف الكرخ في العاصمة بغداد في الرابع والعشرين من الشهر الماضي، واعتقلت أحد الموقوفين وسلّمته إلى لجنة مكافحة الفساد، في محاولة لدق إسفين بين رئيس الوزراء والقضاة من خلال ترويج أن الكاظمي يسعى لضرب هيبة القضاء.
ووفق مصادر أمنية فإن حادثة محاصرة محكمة الكرخ تعود إلى ورود معلومات عن محاولة فرقة من الاستخبارات العسكرية تهريب أحد الموقوفين (ينتمي إلى فصيل مسلح) في قضية محاولة اغتيال رئيس الوزراء.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن أحد المصادر أن "رئيس الوزراء أمر على الفور بتوجيه قوة من جهاز مكافحة الإرهاب إلى المحكمة المذكورة، وحصل احتكاك بينهم (أعضاء جهاز مكافحة الإرهاب) وبين حمايات القضاة الرافضين لأخذ المتهم، إلا أن القوة نقلت المتهم إلى مكان آمن".
وعقب الحادثة أمر رئيس الوزراء بإقالة اللواء الركن فائز المعموري، مدير الاستخبارات العسكرية، من منصبه، واستدعائه للتحقيق، وتكليف اللواء الركن زيد حوشي بالمنصب.
وأثارت الحادثة ردود فعل واسعة، حيث اتهم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر قوى سياسية بمحاولة الضغط على القضاء للإفراج عن متورطين في الفساد وفي أعمال عنف.
وقال الصدر في تغريدة "حسب ما وصلني من معلومات دقيقة فإن هناك ضغوطا حزبية وطائفية على القضاء العراقي بخصوص بعض ملفات الفساد، أو ملفات بعض المتهمين بالعنف، واستهداف هيبة الدولة ومقراتها الخاصة والحيوية".
وأضاف "نشدد على هيبة الدولة، بل وهيبة القضاء واستقلاله وعدم تسييسه من خلال تلك الضغوط المقيتة التي يحاولون من خلالها تبرئة بعض منتسبيهم".
ورد الأمين العام لميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي متهما حكومة الكاظمي بتنفيذ اعتقالات “غير قانونية” وارتكاب "بعض الشخصيات التابعة لبعض الأجهزة الأمنية عمليات تعذيب بشعة ضد المعتقلين وانتزاع اعترافات بالإكراه"، زاعما بأن الحكومة لم تكتف بذلك بل تسعى للتدخل في عمل المؤسسة القضائية، وعدم الامتثال لأوامرها، وكذلك نقل الأخبار غير الصحيحة إلى شخصيات قيادية مهمة من أجل التضليل والاستقواء بها، في إشارة إلى الصدر.
ويرى مراقبون أن محاولات البعض إقحام القضاء والأجهزة الأمنية في الصراعات السياسية تشكل خطرا كبيرا يهدد ما تبقى من الدولة.
ويلفت المراقبون إلى أن هناك حاجة ملحة إلى تحييد المؤسستين عن التجاذبات الحاصلة، ويشيرون إلى أن قرار المحكمة الاتحادية العليا بحل اللجنة المكلفة بمحاربة الفساد بعد نحو عامين على تشكيلها أمر لا يبدو مفهوما من قبل الكثيرين، خصوصا وأن هذه اللجنة حققت الكثير من الإنجازات خلال الفترة الماضية.
محاولات البعض إقحام القضاء العراقي والأجهزة الأمنية في الصراعات السياسية تشكل خطرا كبيرا يهدد ما تبقى من الدولة
وقضت المحكمة الاتحادية، أعلى سلطة قضائية في العراق، الأربعاء بعدم صحة قرار رئيس الوزراء بتشكيل لجنة خاصة لمحاربة الفساد في البلاد، معتبرة أن القرار "يخالف مبدأ الفصل بين السلطات".
وقالت المحكمة في بيان إنها قضت “بعدم صحة الأمر الديواني رقم (29) لسنة 2020 المتضمن تشكيل لجنة دائمة للتحقيق في قضايا الفساد والجرائم المهمة، وإلغائه اعتباراً من تاريخ صدور الحكم".
وكان الكاظمي قد أصدر الأمر الديواني المشار إليه بهدف "الحد من الفساد المستشري على نطاق واسع في البلاد".
وكلف الكاظمي وكيل وزير الداخلية لشؤون الاستخبارات الفريق أحمد أبورغيف برئاسة اللجنة، كما أوكل إلى قوات جهاز مكافحة الإرهاب مهمة تنفيذ قرارات اللجنة الخاصة بأوامر إلقاء القبض.
وقالت المحكمة الاتحادية في بيانها إن "قرار تشكيل اللجنة مخالف لمبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء"، مبينة أن القوانين العراقية تنص على تولي هيئة النزاهة التحقيق في قضايا الفساد المالي والإداري.
ويشكل قرار المحكمة الاتحادية ضربة كبيرة لجهود حكومة الكاظمي في "الحد من الفساد"، وقد لاقى القرار ارتياحا كبيرا في صفوف القوى الموالية لإيران التي سارعت إلى التعبير عن مباركتها لهذه الخطوة.
ويعد العراق من بين أكثر دول العالم التي تشهد فسادا، وفق مؤشر منظمة الشفافية الدولية على مدى السنوات الماضية.
وقال الرئيس العراقي برهم صالح في معرض إعلانه عن مشروع قانون لـ"استرداد عائدات الفساد"، في الثالث والعشرين من مايو الماضي، إن 150 مليار دولار هُربت من "صفقات الفساد إلى الخارج منذ عام 2003.
اقرأ أيضا: