جنود عائدون من الحرب يتورطون في أعمال قذرة

فيلم "المتعاقد".. ورقة إدانة ضد فظائع حروب أميركا.
الأحد 2022/04/24
الدراما والتشويق من خصائص الفيلم البوليسي الناجح

لا تزال أفلام الحركة تجد لها موقعا مهما من بين الإنتاج السينمائي. كما تجد لها جمهورها الواسع الذي ينشد أفلاما ذات إيقاع متسارع قادرة على التأثير في المشاهد من جهة، والنجاح على صعيد شباك التذاكر من جهة أخرى. وقد استغل فيلم “المتعاقد” كل العناصر التي تخدم نجاحه كفيلم حركة.

يجري في أفلام الحركة تقديم ذلك النوع من الشخصيات والأبطال الشرسين والاستثنائيين الذين يملؤون الشاشات بالصراعات والعنف والمطاردات، ويجعلون الجمهور شغوفا بتلك الانتصارات التي يحققها أبطال مفتولو العضلات في مثل ذلك النوع من الدرام الفيلمية.

في هذا الإطار يأتي هذا الفيلم “المتعاقد” للمخرج السويدي من أصل مصري طارق صالح ليشكل إضافة قيّمة لمساره السينمائي، إذ يخوض تجربة سينما الحركة وينتقل إلى ملامسة موضوعات وقضايا حساسة، في مقدمتها الفوضى التي خلفتها حروب أميركا في ساحات العراق وأفغانستان، والكائنات المحطمة التي لفظتها تلك الحروب.

على خلفية حالات الانتحار اليومية للجنود الأميركان العائدين من تلك الجبهات وهم يعانون بمرارة من متلازمة ما بعد الصدمة، وحيث يلاحقهم صراخ الضحايا، ها هو المحارب الشجاع جيمس هاربر (الممثل كريس باين) يعود من تلك الحروب متشبثا بالوطنية الأميركية، لكن ها هو يتم طرده من طرف لجنة عسكرية على أساس أن تكليفه ضمن فريق القوت الخاصة لم يعد ممكنا، بسبب تشبع دمه بالمواد التي دخلت إلى جسمه من الدواء المسكن لآلام الركبة التي تضررت بسبب حادث انفجار أثناء الحرب.

المسارات المتعددة والخطوط السردية المتداخلة في الفيلم تدين بشكل فاضح ما كوفئ به محاربو أميركا وجنودها

في المقابل وبعد طرده من الجيش، يجد أمامه ركاما من الديون والفواتير التي لا يجد سبيلا للوفاء بها، ولذا يقرر الاستجابة لمقترح صديقه مايك (بين فوستر)  للعمل في شركة أمنية خاصة، على غرار تلك الشركات الأمنية الأميركية مثل بلاك ووتر ذات التاريخ المليء بالأعمال القذرة والإجرامية، والتي يترأسها راستي (الممثل كيفرسذرلاند) وهو ضابط سابق في قوات المارينز.

هاهو راستي يلقي خطبة عصماء لإقناع جيمس، إذ يقول “أعطيناهم من تفكيرنا وقوتنا البدنية وأرواحنا ومع ذلك يقومون بتسريحنا، تركونا في الخلف للخوف والغضب والقلق وخيبة الأمل والخيانة، وفي النهاية كره الذات والإحساس بالذنب”.

تقدم شركة راستي خدمات خاصة وحساسة ترتبط بعمل المخابرات والمهام السرية، ولهذا يندفع جيمس في هذه الوظيفة بعدما تلقى شيكا مقداره خمسون ألف دولار تحت الحساب، سوف تساعده في التخلص من بعض الديون.

يسافر جيمس وصديقه مايك وآخرون إلى ألمانيا لملاحقة عالم البيولوجيا سليم محسن، وهو من أصول سورية ويجري تجارب ضمن مشروع لإيجاد علاج نهائي لفايروس الإنفلونزا بكل أنواعه، ويجري إقناع الفريق بأن ممول ذلك المشروع له علاقة بتنظيم القاعدة، وبالفعل يتولى جيمس مهمة المراقبة والتقاط الصور للعالم البيولوجي وأسرته، وصولا إلى التسلل إلى المنشأة التي يعمل فيها وتصفيته وحرق المختبر بالكامل، بعد إجباره على تسليم كافة ملفات المشروع الذي كان شبه مكتمل ووصل إلى مرحلة إطلاق اللقاحات.

لكن ما لم يكن متوقعا وبمثابة تحول درامي هو انكشاف فريق الاغتيالات الأميركي من طرف الشرطة الألمانية، لتبدأ مرحلة مواجهة حاسمة سوف تنتهي بمقتل العديد من رجال الشرطة والعديد من الفريق، لينجو جيمس ومايك لوحدهما.

هذه الخلفية للأحداث تجعل من جيمس محورا تلتقي عنده التقاطعات، فهو وسط ذلك المأزق ووسط آلام الركبة المزمنة يخلي صديقه مايك وينقذه، وصولا إلى مرحلة أخيرة تتمثل في عملية إجلاء أميركية سرية له، لكن يكتشف أنه مجرد فخ نصبه رئيس الشركة الأمنية راستي للقضاء عليه بعد الحصول على الملفات.

وسط أداء مميز للممثلين يقدم المخرج طارق صالح توليفة ناجحة من التشويق والتصعيد الدرامي يضاف إلى أفلامه السابقة

هذه المسارات المتعددة والخطوط السردية المتداخلة تدين بشكل فاضح ما كوفئ به محاربو أميركا وجنودها، فهم ليسوا أكثر من بيادق يجري التخلص منها لمجرد انتهاء مهمتها.

على أن الصدمة التي تزيد من بؤس جيمس هي اكتشافه أمرين، الأول هو أن زميله مايك وصل سالما إلى بيته عائدا إلى أميركا، بينما كان قد أوهمه بأنه على وشك الموت وعليه زيارة عائلته للتعزية، والثاني هو أن العملية برمتها لم تكن لغرض القضاء على الإرهاب، بل لغرض أن تقوم الحكومة الأميركية بالسطو على المشروع والاستثمار فيه من طرف شركات الأدوية الأميركية العملاقة.

يقدم المخرج طارق صالح توليفة ناجحة من التشويق والتصعيد الدرامي وأداء متميزا للممثلين يضاف إلى أفلامه السابقة، وهذا هو فيلمه العاشر بعد أفلامه “غيتمو وقواعد الحرب” و”حادثة هيلتون النيل” و”العالم الغربي” وغيرها، ويثبت أنه استطاع أن يمزج ما بين الدراما والتشويق وخواص الفيلم البوليسي الناجح، بالإضافة إلى أن هذا الفيلم شكل ورقة إدانة ضد ما جرى من فظائع حروب أميركا في الخارج، التي خلفت وراءها جيلا محطما وبلا أمل، في مقابل استفحال الشركات الأمنية ذات المهام القذرة.

اعتمد صالح في فيلمه هذا على فريقه المعتاد، ومن أبرزهم مدير التصوير بيير أيم والمؤلف الموسيقي أليكس بليتشر وآخرون، وقد تم التصوير ما بين ألمانيا ورومانيا والولايات المتحدة، وبميزانية فاقت 40 مليون دولار، وتوزيع الشركة العملاقة بارامونت الأميركية.

14