جنرال التأزيم في زمن التسويات المرة

الأحد 2015/08/09

لم تكن التسوية التي رعتها السعودية مع النظام السوري بمباركة روسية سوى صفعة لإيران. اجتهدت إيران في استغلال أزمة النظام السوري المالية والميدانية، لتستلم زمام الأمور، وتحكم سيطرتها الميدانية والعقارية على سوريا. هذه التسوية من شأنها وضعها خارج المعادلة تماما. فضلت السعودية أن ترسم إطارا عربيا للحل بغض النظر عن التناقضات والصراع مع النظام السوري على أن تسمح لإيران بالمزيد من التوغل في الداخل العربي.

كذلك بدا أن الأوضاع في اليمن تتجه إلى حسم المعركة لصالح التحالف العربي، كما كان افتتاح قناة السويس الجديدة بمشاركة خليجية عربية ودولية واسعة مقدمة لبداية خروج مصر من أزمتها الاقتصادية، أو وضع هذه الأزمة في مسار الحلول المنطقية.

لم تجد إيران ما تفعله إزاء هذه التطورات التي لا تصب في صالحها سوى اللجوء إلى آخر وأهم أعمدة مشاريعها التفجيرية في المنطقة وهو حزب الله. لكن ظروف الحزب الحالية لا تساعده على فتح أشكال ما بنفسه في الداخل اللبناني، فكان أن أوكل إلى الجنرال عون هذه المهمة.

اللافت أن الحزب ساهم مؤخرا في تمرير قرار يعتبر قاتلا لطموحات الجنرال الرئاسية لمدة عام على الأقل، وهو قرار التمديد لقيادة الجيش والأجهزة الأمنية. مثل هذا القرار ما كان ليمر لولا قبول الحزب به وغض النظر عنه.

الحزب لم يعلن عن دعم مباشر أو تبنٍّ واضح لمشاريع الجنرال القاضية بإسقاط الحكومة. عمد حزب الله إلى استخدام النبرة العالية التي اشتهر بها الجنرال في فتح سجالات وإشكالات مع الحكومة المحسوبة على تيار المستقبل للتفرغ لمواجهة تداعيات التسويات الكبرى التي تنص على وجوب خروجه من سوريا، وانسحاب كل العناصر الإيرانية منها، وجعل الصراع والحلول الممكنة للأزمة ذات طابع سوري بحت.

لا يريد الحزب العودة من سوريا لمواجهة سؤال الجدوى من كل التضحيات التي بذلها هناك ومعناها السياسي والاجتماعي والاقتصادي وحتى المعنوي، أمام بيئة تمّ الزج بها في معركة عبثية تسببت بنتائج كارثية على جميع المستويات.

يسعى حزب الله للهرب من الأسئلة الكبرى التي ستضعه التسويات القادمة أمام إلزامية إيجاد أجوبة عليها بالجنرال عون وتحركاته. خريطة هذه الخطة تقوم على تحويل الأسئلة الوجودية والحقائق المدفونة في وحل المشاركة في الحرب في سوريا إلى شؤون مطلبية في معركة تحمل عناوين محاربة الفساد والهدر. أدوات هذه المعركة تقوم على جعل الحياة اليومية لعموم اللبنانيين تكاد تكون شبه مستحيلة، حتى لا يمكن لأيّ مواطن الخروج من دائرة محاولة تدبير شؤون حياته.

هكذا تم افتعال أزمة النفايات ووسم الحكومة بها واتهامها بالتسبب فيها إضافة إلى أزمة الكهرباء، في حين يعلم الجميع أن أموال البلديات التي تمكّنها من إيجاد حلول ما لأزمة النفايات موجودة وأن التيار هو من يعيق صرفها. كذلك تعود الجذور العميقة لأزمة الكهرباء إلى فترة ولاية الوزير العوني جبران باسيل الذي أصر على الحصول على مبلغ مليار ومئتي مليون دولار لكي يحل أزمة الكهرباء بشكل جذري، ووعد بأن نسبة التغذية ستكون 24 على 24. لكن هذه الوعود بقيـت وعودا. ولـم تحل الأزمات بـل استفحلـت.

تأتي العناوين التي طرحها ميشيل عون مؤخرا لتظهر للجميع أن الجنرال كان يؤسس للأزمات لكي يجد ما يعمل عليه، لأنه ومنذ زمن بعيد قد استقال من مهنة السياسة وبات يمارس مهمة التأزيم، وباتت وظيفته عند حزب الله وإيران هي مدير شؤون الاستثمار في التأزيم.

ما لم يلتفت إليه الجنرال أن دعواته لإسقاط الحكومة ومواجهة الجيش وضرب الاستقرار المالي تاليا، لا تضعه في مواجهة الرأي العام اللبناني وحسب ولكنها تضعه في مواجهة الخطوط الحمر الدولية التي تشمل الجيش والأمن والوضع المالي.

ربما لم يطلع حزب الله الجنرال عون على فحوى وأسباب زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف المرتقبة إلى لبنان، والتي تشير مصادر عديدة أنها زيارة تحاول فيها إيران الحد من الخسائر التي ستتسبب بها التسويات الكبرى، أو أن تجد لنفسها مكانا ما فيها. هل يناقش أحد أن إيران التي بدت مستعدة للتفاوض على رأس حزب الله إذا كان ذلك يصب في مصلحة مشاريعها الكبرى، ستهتم إذا غرق الجنرال في وحول إقليمية ودولية متحركة تستطيع ابتلاع دول وليس مجرد أحزاب أو تيارات؟

كاتب لبناني

4