جنبلاط يرث جنبلاط في قيادة التقدمي الاشتراكي

المختارة (لبنان) – أنهى وليد جنبلاط ما قال إنها 46 عاما من “النضال والمواجهات والتحديات” بأن منح رئاسة الحزب التقدمي الاشتراكي وزعامة الدروز وبلدة المختارة لابنه النائب تيمور جنبلاط. وذلك خلال المؤتمر العام للحزب الذي خصص لانتخاب رئيس ومجلس قيادة جديد.
وقال جنبلاط في كلمة الوداع إنه أمضى كل سنوات المواجهات تلك ولكن “بقيت المختارة، وبقي الحزب”، في إشارة الى الموقف الوطني الذي ورثه عن أبيه الراحل كمال جنبلاط الذي اغتيل على أيدي عملاء سوريين في 16 مارس عام 1977، في خضم سنوات الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990).
وعلى الرغم من أن وليد جنبلاط حاد قليلا عن التوجه اليساري الوطني الذي كان يمثل سياسات كمال جنبلاط، فإن ابنه تيمور يجمع خصلتين هما التوجه اليساري الوطني في الرؤية التي ورثها عن جده، والميل إلى الاعتدال في السياسة الذي ورثه عن أبيه.
وقال جنبلاط ضمن كلمته في المؤتمر “إن الحوار هو السبيل الأوحد للوصول إلى تسوية وتكريس المصالحة، وإن الإصلاح الشامل والجذري بات أكثر من ضرورة”.
وما وصفه مسؤولون في التقدمي الاشتراكي بأنه “يوم للديمقراطية”، في عملية انتخاب تيمور لرئاسة الحزب، كان في الواقع تحصيل حاصل بالنظر إلى الطبيعة التقليدية لتوريث الزعامات بين الطوائف في لبنان.
واعتبر نائب رئيس الحزب المحامي دريد ياغي أن هذا الاستحقاق هو “المدخل الديمقراطي الذي نؤمن به لمتابعة هذه المسيرة، ونستمر بحمل الشعلة التي تسلّمها كل واحد منا طوال السنوات الماضية، وقد كلفتنا شهداء وتعبا وعذابات كثيرة لتحقيق الانتصار”.
وكان جنبلاط الأب أعلن في 25 مايو الماضي عن استقالته من رئاسة الحزب ودعا إلى انتخابات حزبية. ولكن تيمور كان هو المرشح “الطبيعي” الوحيد فيها ليصبح الزعيم الجديد للحزب وليحمل إرث آل جنبلاط وقصر المختارة في بلدة الشوف.
ولم يكن وليد معنيا بالسياسة عندما تلقى نبأ اغتيال والده. وسرعان ما وجد نفسه في خضم حرب أهلية تطلبت منه أن يتكيف مع تقلباتها وصراعاتها، قبل أن تبلغ نهايتها التي تكرست في اتفاق الطائف عام 1989.
ولئن نجح هذا الاتفاق في وقف الحرب فإنه بقي معلقا لجهة الدعوة إلى إلغاء نظام الطائفية السياسية، وذلك في خضم السنوات التي شهدت صعود حزب الله، الذي جعل من هذه الطائفية السياسية بالذات مركز ثقله الأهم.
ويقول مراقبون إن ظروف تزعّم جنبلاط الأب الحزب التقدمي الاشتراكي تختلف كثيرا عن الظروف التي تزعّم فيها جنبلاط الابن هذا الحزب. أولا، بحقيقة أن التوازنات اختلفت، وأصبح حمل السلاح لتغييرها من المحرمات. وثانيا بحقيقة أن حوار التسويات أصبح ذا خاصيتيْن متناقضتين؛ الأولى: إنه حوار لا مفر منه، والثانية: لا يوجد ما يضمن أنه سيُفضي إلى نتيجة. وهاتان الخاصيتان كانتا من الأسباب التي دفعت جنبلاط الأب إلى الشعور بـ”القرف” تخوّفا من أن تصبح البلاد بكل قواها السياسية عالقة في حلقة مفرغة. وكانت عبارة “أنا قرفان” أحد خواتيم الانطباعات التي عبّر عنها جنبلاط الأب قبيْل تسليم راية الزعامة إلى جنبلاط الابن.
وكان جنبلاط الأب بدأ خطوات نقل الزعامة عام 2017 في الذكرى الأربعين لاغتيال جنبلاط الجد، وذلك عندما ألبس ابنه البكر الكوفية الفلسطينية موصيًا إياه بإكمال الطريق الذي بدأ مع كمال الذي وقف إلى جانب منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الراحل ياسر عرفات. وكانت الخطوة الثانية عندما تخلّى وليد جنبلاط عن مقعده النيابي عام 2018 وترشح بدلاً منه تيمور، ثم تخلّى عن رئاسة كتلة نواب اللقاء الديمقراطي (تضم 9 مقاعد)، وذلك قبل أن يكرس فعل إلقاء كل المسؤوليات على عاتق تيمور.
ويقول أمين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر إنه “بمعزل عن الوضع السياسي المرتبك في لبنان والملفات السياسية العالقة، جاءت الخطوة التنظيمية الأخيرة في إطارها الطبيعي، ذلك أن الحزب يجري انتخابات دورية كل أربعة أعوام”، غير أنها “تأجلت مرتين في السنوات السابقة بسبب تزامنها مع جائحة كورونا في عام 2020 والانتخابات النيابية في عام 2022”.
ويقول النائب في كتلة اللقاء الديمقراطي أكرم شهيب إن “وليد جنبلاط سيبقى في الخلفية ولن يبتعد بشكل كامل عن الحياة السياسية، لاسيما وأن علاقاته الإقليمية والدولية وقراءته للسياسة هي حاجة للحزب”.
وهناك حقيقة يعترف بها بعض كبار مسؤولي الحزب، وهي أن مكانة التقدمي الاشتراكي سجلت تراجعا ملموسا تحت قيادة جنبلاط الأب، وذلك بالنظر إلى حدة الاستقطابات التي هيمنت على الحياة السياسية خلال السنوات التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري في 14 فبراير من عام 2005. وهو الاغتيال الذي اُتهم به حزب الله، وحامت الشبهات أيضا حول أجهزة سورية.
ويقول نائب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الدكتور كمال معوض إن “الحزب تراجع على مستوى لبنان ولدى بعض الشرائح اللبنانية وانحصر في أماكن وجوده التاريخية”، مشدداً على أن “النظام الطائفي في لبنان قمع الانفتاح الحزبي الكبير”.
هذا الواقع يعني أن التقدمي الاشتراكي خاض مسارات السعي إلى البقاء بين اغتيالين. وذلك حتى وصلت الأوضاع إلى حد أن “اغتيالا ثالثا”، للبنان نفسه، هو الذي بات يحدد مواصفات المعركة التي يتعين أن يخوض جنبلاط الابن غمارها الآن، إنما في مواجهة القوة نفسها التي نفذت الاغتيالين السابقين.