جنازة نصرالله: مشهدية مؤثرة، لكن مفصلية لإغلاق الملف

فرصة لبنان لبدء مرحلة من الوفاق والتفكير في المستقبل.
الاثنين 2025/02/24
بعد رحيل نصرالله وصفي الدين.. حزب الله يواجه مرحلة صعبة

بيروت – شيع عشرات الآلاف الأمين العام الراحل لحزب الله حسن نصرالله، الأحد، بعد مرور ما يقرب من خمسة أشهر على مقتله في غارة جوية إسرائيلية، في مشهدية مؤثرة أيا كان توصيفها فإنها تظهر حاجة اللبنانيين إلى إغلاق الملف وبدء مرحلة من الوفاق الواسع والتفكير في المستقبل.

ومن الواضح أن من تبقوا من مسؤولي حزب الله، ومن ورائهم إيران، قد أرادوا التأكيد على أن الحزب لا يزال قويا وهو لم يمت ولا يمكن تهميشه، لكن الجنازة تؤشّر بشكل واضح على أن لبنان في حاجة إلى غلق أبواب المرحلة السابقة أيا كان تقييمها سلبيا أو إيجابيا والتأسيس عليها لبناء مرحلة جديدة تضع البلد في قلب التغييرات التي تشهدها المنطقة.

صحيح أن حزب الله نجح في تحشيد الآلاف من أنصاره وأنصار الأحزاب المسيحية الحليفة وراء جنازة نصرالله الذي طبع حياة اللبنانيين لعقود بمواقفه وقراراته، لكن الحزب لم يعد قادرا على تصعيد شخصية مثل نصرالله ولا قيادات ميدانية مؤثرة مثل قادة فرقة الرضوان ولا مقاتلين بخبرات المئات ممن قتلتهم إسرائيل، وهو ما يجعله أقل كفاءة وقدرة على التأثير العسكري والسياسي لسنوات قادمة، ما يجعل مصلحته في التهدئة والبحث عن وفاق لبناني أوسع لإخراج البلد من أزماته، والحزب طرف مباشر فيها.

مصلحة حزب الله الذي فقد أغلب قادة الصف الأول والثاني في التهدئة والبحث عن وفاق لبناني أوسع لإخراج البلد من أزماته

وتهدف الجنازة الشعبية إلى إظهار القوة بعد أن خرج حزب الله ضعيفا من حرب العام الماضي مع إسرائيل والتي قتلت معظم قياداته وآلاف المقاتلين وأحدثت دمارا كبيرا في جنوب لبنان.

ويمكن أن يُفهم من استعراض الجنازة أن الحزب يضغط على المؤسسات اللبنانية الجديدة، وخاصة الجيش اللبناني، من أجل التعاطي معه كشريك رئيسي في مؤسسات الحكومة وعدم التفكير في جعل سحب سلاحه أولوية رئيسية. ويمكن أن تحقق رسالة الحزب نتيجة مباشرة بأن يقتنع المسؤولون الجدد بأن الوقت لا يسمح بالاحتراب الداخلي ولا بد من التعامل مع الحزب كشريك سياسي وطني، لكنها لا تقدر على فرض أمر واقع جديد في لبنان خاصة أن الدعم الخارجي المطلوب لإنقاذ البلد مرهون بتحييد حزب الله ومنعه من السيطرة من جديد على المؤسسات.

ويفهم مختلف الفرقاء في لبنان أن الحل يكمن في التهدئة والشراكة السياسية من دون تقاسم مناصب على الطريقة القديمة التي قادت إلى الفراغ السياسي والعجز الحكومي وطغيان الفساد والفوضى. كما أن الخارج يراقب وخاصة إسرائيل التي ستجد في استعراض الحزب فرصتها لتنفيذ عمليات جديدة في وقت يتحرك فيه الوسطاء لإلزامها بالانسحاب.

وليس من مصلحة حزب الله أن يستمع لما يقوله المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بشأن التصعيد. الدور الإيراني في لبنان ذهب مع نصرالله ومرحلة الحرب بالوكالة التي صارت إعادة إنتاجها في لبنان أمرا صعبا، وإذا سعى لها الحزب فإنه سيضع نفسه في عزلة.

وتعهد خامنئي السبت بأن المقاومة “لن تنتهي وستستمر حتى تحقيق غايتها النهائية،” في إشارة واضحة إلى رهان إيران على حزب الله ليستمر في لعب الدور نفسه دون مراعاة ظروفه الصعبة.

وامتلأ ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية في الضاحية الجنوبية التي يسيطر عليها حزب الله في بيروت، والذي يضم 55 ألف مقعد، بأنصار حزب الله من لبنان ودول أخرى في المنطقة، وهم يحملون صور نصرالله ورايات الجماعة.

po

وقال الأمين العام الحالي لحزب الله نعيم قاسم، الذي تم بث كلمته من مكان غير معلوم للمشيعين عبر شاشات، إن “الحزب ما زال قويا،” وإن “المقاومة موجودة وقوية عددا وعدة… لا تفسروا صبرنا ضعفا، فنحن لن نقبل بالاحتلال ونحن نتفرج… المقاومة باقية ومستمرة وموجودة وفلسطين بوصلتنا.”

وعلى الرغم من انسحاب إسرائيل إلى حد كبير من جنوب لبنان، فإن سلاح الجو لا يزال يقصف ما يعتبره مواقع لحزب الله في أنحاء لبنان، ولا تزال القوات الإسرائيلية تسيطر على خمسة مواقع على قمم على الحدود بين البلدين.

ونفذت طائرات حربية إسرائيلية ضربات في جنوب وشرق لبنان صباح الأحد وحلقت على ارتفاع منخفض فوق بيروت مرتين خلال الجنازة، ما دفع الحشود إلى الهتاف “الموت لإسرائيل.”

وكتب وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس في منشور على منصة إكس أن الطائرات التي تحلق “فوق جنازة نصرالله تنقل رسالة واضحة: من يهدد بتدمير إسرائيل ويهاجم إسرائيل.. فستكون هذه نهايته. ستتخصصون في الجنازات، ونحن سنتخصص في الانتصارات.”

وقال قاسم إن حزب الله يعتبر سيطرة إسرائيل على المواقع الخمسة احتلالا ويعتمد على الحكومة اللبنانية لضمان الانسحاب الكامل من خلال الدبلوماسية. وأضاف “اتخذنا خطوة واضحة، وهي أن تتحمل الدولة اللبنانية مسؤولياتها، وسنتصرف وفقا للظروف، نطلق النار متى نرى ذلك مناسبا، ونصبر متى نرى ذلك مناسبا.”

pp

ومن بين المشيعين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ووفد عراقي يضم سياسيين شيعة وقادة جماعات مسلحة، ووفد من جماعة الحوثي اليمنية. وقبل الجنازة التقى عراقجي ومسؤولون إيرانيون آخرون بالرئيس اللبناني جوزيف عون، الذي كان مدعوا لكنه لم يحضر الجنازة.

وانعكس ضعف قدرات حزب الله على المشهد السياسي في لبنان بعد الحرب، إذ لم تتمكن الجماعة من فرض إرادتها في تشكيل الحكومة الجديدة، ولم تتضمن مسودة البيان الوزاري للحكومة أي إشارة تضفي الشرعية على “المقاومة” وسلاح الحزب.

وزاد الأمر سوءا بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد حليف الجماعة، ما أدى إلى قطع طريق إمداد رئيسي.

1