جميل وأسمر

تسأله المذيعة “هل تحب الشقراء أم السمراء؟” فيجيبها المغني الشهير بعد تفكير “السمراء” من غير أن يضيف “طبعا”.
يصفق الجمهور بحماسة مبالغ فيها إعجابا بالوفاء الوطني. لقد اختار المطرب السمراوات من النساء كما لو أن الشقراوات يملأن الشوارع والمنازل والأسواق في بلادنا. تفتح الباب فترى شقراء أمامك. تذهب إلى السوق فيعميك لمعان الشعر الأشقر.
ومع ذلك ليس للشقراء من حظ في الزواج أو في الحب، لذلك يمكننا أن نشك في أن عددا كبيرا من الشقراوات قد بذلن جهدا كبيرا لكي ينتقلن إلى السمرة. هناك نوع من الصبغة يغير لون البشرة.
كان هناك دائما مزاج رجالي عربي يميل إلى المرأة السمراء وهو ما دفع عبدالعزيز محمود إلى أن يقول “يا أسمر يا جميل/ يا بوالخلاخيل/ يلي المنديل راح ياكل من حاجبك حته”.
وإلى جوار ذلك، فإن المصريين يسمون الحي السكني بالحتة. قبل عقود كان مسلسل “بنت الحته” قد عرفنا على زهرة العلا وصلاح قابيل وعزت العلايلي قبل أن نتعرف عليهم في السينما.
ومن أجل ذلك المسلسل كانت شوارع بغداد تخلو من المارة.
وإذا ما عدت إلى المنديل الذي يأكل “حته” من الحاجب، أتذكر منديلين شهيرين. الأول هو “منديل الحلو يا منديلو/ على دقة قلبي بغنيلو” التي غناها كارم محمود، ومنديل أم كلثوم وتلك حكاية كما يقول المصريون.
لم تكتف أم كلثوم بحضورها العظيم من خلال صوتها بل صنعت من منديلها أسطورة.
لم يذهب ذلك المنديل معها إلى الموت ذلك لأن لغزه لا يزال يحير المعجبين بكوكب الشرق. قيل أنه يمتص الطاقة الإيجابية لدى المطربة التي غنى عبدالحليم حافظ في زمانها “أسمر يا أسمراني/ مين قساك عليا / لو تدرى بهواني/ أنت اللي ليا”، كانت لبنى عبدالعزيز التي كانت متوسطة الجمال هي السمراء المقصودة.
لم تكن أم كلثوم معنية بالصراع المفتعل وغير الواقعي بين السمراوات والشقراوات، فالحب بطابعه الخالد كان يشكل بالنسبة إليها مسألة مصيرية تقع بين الحياة والموت.
حين غنى ناظم الغزالي “سمراء من قوم عيسى مَن أباح لها / قتل امرئ مسلم قاسى بها ولها” لم يكن له خيار في المرأة التي دفعته إلى الرثاء والتشكي، فالنساء كلهن في بلاد الرافدين سمراوات. المسيحية والمسلمة على حد السواء.
والغريب أن محمد قنديل وهو مطرب من الدرجة الثانية بالرغم من أن صوته كان من أقوى الأصوات قد نظر إلى سمرة المرأة باعتبارها صفة جمال استثنائية حين غنى “جميل وأسمر/ بيتمخطر/ شغل قلبي بكم نظرة/ تقول سكر/ أقول أكثر/ من السكر ميتين مرة”. لا تكفي صفة جميل من أجل أن تكون المرأة مكتملة بل ينبغي أن تكون سمراء لكي تتحقق كل شروط الجمال.
وبسبب قوة الإقناع التي تضمنتها تلك الحجة عاد قنديل وغنى “أبو سمرة السكرة”.