جمود "ساخن" للحرب في غزة مع ضمان إغلاق الجبهة الشمالية

واشنطن تبدد مخاوف العرب وتحصر الأزمة في حماس.
الأحد 2023/11/05
وعود أميركية لامتصاص الغضب

القدس- بدا أن إسرائيل قد حصلت على رسالة طمأنة من إيران بعد خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بعدم تحريك الجبهة الشمالية، ما سيتيح لحكومة الحرب التي يقودها بنيامين نتيناهو للتحرك بهدف تصفية حماس دون مخاوف من توسيع دائرة الحرب أو دخول جهات أخرى بشكل غير متوقع.

ويتزامن هذا التطمين غير المعلن من حزب الله وإيران مع طمأنة من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لوزراء خارجية عدد من الدول العربية بشأن التسهيلات الإنسانية لغزة، واستبعاد عمليات التهجير، وهو ما يعني أن إسرائيل ستأخذ وقتها بالقصف والاجتياح طالما أن المساعدات تمر والتهجير لن يحدث وحزب الله لن يفتح الجبهة الشمالية.

ويرى مراقبون أن سكوت المسؤولين الإيرانيين بعد خطاب نصرالله، وما حواه من إيحاءات للنأي بالنفس عن حماس، يعني أنه تكلم بالتنسيق معه وأطلق الرسائل التي يريدونها ومن بينها طمأنة واشنطن بأن طهران ليس في نيتها المغامرة بدخول الحرب بشكل مباشر أو عن طريق أذرعها في لبنان أو اليمن أو من الحدود مع سوريا. كما برّأها من تسليح كتائب القسام.

◙ إسرائيل ستأخذ وقتها بالاجتياح طالما أن المساعدات تمر والتهجير لن يحدث وحزب الله لن يفتح الجبهة الشمالية

وكان من الواضح أن تأكيد نصرالله على عدم معرفته ببدء الهجوم، وأن لا دور له فيه، هو تبرئة إيران من المشاركة بأيّ شكل سواء بالتخطيط أو بالزج بحلفائها في الحرب، والرسالة واضحة إلى واشنطن بدرجة أولى للحفاظ على قنوات التواصل التي فتحت مؤخرا وكان من نتائجها صفقة تبادل المساجين مقابل الأموال المجمدة، وبدرجة ثانية إلى إسرائيل التي لا تتوقف عن تنفيذ عمليات ضد الوجود الإيراني في سوريا، وتُتّهم بأنها تقف وراء تصفية خبراء مشتغلين بالنووي الإيراني.

ويعرف الإيرانيون أن مشاركة حزب الله في الحرب بالحد الذي يتجاوز الخطوط الحمراء، سيجعل إسرائيل والولايات المتحدة تردان مباشرة ضد مصالح إستراتيجية إيرانية وليس فقط على مواقع لحزب الله.

ولم يسع المسؤولون الإيرانيون ولا قياديون في حزب الله إلى تفسير خطاب نصرالله أو توضيح بعض الغموض الذي رافقه ما جعل دوائر عديدة تتهمه بالتبرؤ من حماس وتركها تواجه مصيرها، ما يعني أنهم راضون عن محتواه.

وبات بإمكان إسرائيل أن توسع عملياتها في غزة من دون أي قلق على الجبهة الشمالية، خاصة أن حزب الله يكتفي بالرد المحدود على الاستهدافات الإسرائيلية ضد قواته ومواقعه، كما يكتفي يوميا بعد قائمة قتلاه في الحرب، حيث تجاوز العدد الخمسين من عناصره.

لكن واقعية نصرالله في التعامل مع إسرائيل لم تمنعها من الاستهانة به وبقواته من خلال مواصلة القصف.

أحمد أبوزيد: موقف عربي موحد لا يقبل الاهتزاز ولا المواربة يقوم على ضرورة الوقف الفوري للاعتداءات الإسرائيلية
أحمد أبوزيد: موقف عربي موحد لا يقبل الاهتزاز ولا المواربة يقوم على ضرورة الوقف الفوري للاعتداءات الإسرائيلية

وقال الجيش الإسرائيلي السبت في بيان “قصفت طائرات مقاتلة من سلاح الجو الإسرائيلي أهدافا إرهابية لحزب الله خلال الساعات الماضية”.

وتابع “كما قامت الدبابات والمدفعية الإسرائيلية بقصف أهداف تشمل البنية التحتية ومواقع تخزين الصواريخ والمجمع العسكري التابع لحزب الله”.

وهدد رئيس الوزراء الإسرائيلي نصرالله، ضمنا وقال إنه “سيدفع ثمنا لا يمكن تخيله في حال خوضه حربا” مع إسرائيل.

وجاء حديث نتنياهو في خطاب ألقاه بعيد بدء نصرالله لخطابه، مضيفا “لا تخطئ بحقنا”، وأن “أيّ خطأ يرتكبه أعداء إسرائيل في الشمال، سيؤدي إلى ثمن لا يمكن حتى تخيله”.

وبالتوازي مع حرية إسرائيل في التحرك على الجبهة الشمالية، سعى وزير الخارجية الأميركي إلى طمأنة وزراء خارجية الأردن ومصر والسعودية والإمارات وقطر وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية خلال اجتماعهم المشترك في عمّان، السبت، بشأن جهوده للحد من المأساة الإنسانية التي يمر بها قطاع غزة بسبب العدوان الإسرائيلي.

ولم يقدم بلينكن تصورات محددة للمسؤولين العرب تبدد هواجس فجرتها الكارثة الإنسانية في القطاع عقب إصرار إسرائيل على سحق حركة حماس، وعدم التوقف عن استهداف المدنيين والمستشفيات والمدارس وأماكن العبادة ومقرات تابعة لمنظمة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) بلا اعتداد لسقوط آلاف الضحايا الفلسطينيين.

وحاول وزير الخارجية الأميركي في اللقاء العربي، والمؤتمر الصحفي الذي عقده بحضور وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي والمصري سامح شكري، في عمّان تبديد مخاوف بلديهما من نزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى أراضيهما، بعد ظهور تقارير أشارت إلى عزم إسرائيل تفريغ الضفة الغربية وغزة من سكانهما وتصفية القضية الفلسطينية على حساب مصالح هاتين الدولتين.

وحث بلينكن إسرائيل خلال زيارته لها (الجمعة) على وقف هجومها العسكري على غزة (مؤقتا) للسماح بدخول المساعدات، وواجه معارضة من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي رفض أيّ هدنة ما لم تطلق حماس سراح الأسرى.

وتعرضت الإدارة الأميركية إلى لوم كبيرة من أصدقاء عرب بسبب انحيازها السافر لدعم إسرائيل، عسكريا وسياسيا وإعلاميا، وبلا سقف أو حدود، وما يمكن أن يفضي إليه ذلك من نتائج سلبية على مصالحها في المنطقة عقب توالي الكوارث الإنسانية في غزة، وما أفضت إليه من حرج لقيادات عربية عوّل عليها فلسطينيون لإنقاذ غزة.

◙ واقعية نصرالله في التعامل مع إسرائيل لم تمنعها من الاستهانة به وبقواته من خلال مواصلة القصف
واقعية نصرالله في التعامل مع إسرائيل لم تمنعها من الاستهانة به وبقواته من خلال مواصلة القصف

وبقدر ما حوى لقاء عمّان بحضور بلينكن رسائل إنسانية إيجابية من قبله لوزراء الخارجية العرب، حوى أيضا إشارة أميركية لاحتواء قمتهم المقبلة في الرياض، وحض قادتهم على تبني لهجة معتدلة، لأن لقاء عمّان سبق التئام القمة بنحو أسبوع (تعقد في الحادي عشر من نوفمبر) وقد تكون هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق إنساني، على الأقل، لوقف إطلاق النار وإدخال مساعدات بوتيرة أسرع وأكبر من خلال معبر رفح.

ويقول متابعون إن قمة الرياض أمام موقف صعب، لأن الأدوات السياسية لم تحرز تقدما ملموسا لوقف الحرب، والضغوط الشعبية تتزايد على بعض الدول العربية مع تزايد الأوضاع الإنسانية صعوبة وعدم وجود أفق يحث إسرائيل على التهدئة.

ويضيف هؤلاء أن اللقاء العربي مع بلينكن في عمّان بالرغم من صراحته، إلا أنه لم يحدث تغييرا في القناعات الأميركية المؤيدة لإسرائيل بذريعة الدفاع عن النفس.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبوزيد، السبت، إن موقفا عربيا “موحدا لا يقبل الاهتزاز ولا المواربة”، نُقل إلى وزير الخارجية الأميركي يقوم على “ضرورة الوقف الفوري للاعتداءات الإسرائيلية، وأولوية دخول المساعدات، ولا للتهجير، وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة هو الحل”.

وتطرق وزير الخارجية الأميركي مع المسؤولين العرب إلى الآليات العاجلة الرامية إلى الحد من العنف وتهدئة الخطاب العام وتقليل التوترات الإقليمية، في ظل مخاوف المجتمع الدولي من اتساع نطاق الصراع.

وتعتقد الإدارة الأميركية أن الهدنة الإنسانية ودخول المساعدات يمكن أن يكونا آلية حاسمة لحماية المدنيين مع تمكين إسرائيل من هزيمة حماس.

وقال الخبير في الشؤون العبرية أحمد فؤاد أنور لـ”العرب” إن بلينكن لم يتمكن من إقناع وزراء الخارجية العرب باستمرار الحرب.

وأوضح فؤاد أن العامل الإنساني سيكون ضاغطا على الإدارة الأميركية في الفترة المقبلة، لأن الهدف الذي وضعته إسرائيل وهو اجتثاث حماس من جذورها يبدو غير عملي مع المنحى البري الذي أخذته العمليات العسكرية، وهي نقطة تفوّق للمقاومة لخبرتها في دروب غزة ودهاليزها، وقد تكبدت الآليات الإسرائيلية خسائر عديدة.

1