جمهورية عرسال المحتلة والملف الرئاسي والحرب على الإرهاب

الاثنين 2015/12/07

وصف وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق بلدة عرسال، مؤخرا، بأنها “بلدة محتلة”، وأعلن أنه وعلى الرغم من ذلك فإن الدولة اللبنانية لن تتدخل، كي لا تجد نفسها في قلب الحريق السوري. جاء حديث المشنوق بعد إتمام صفقة تبادل العسكريين اللبنانيين مع جبهة النصرة، التي وصفها رئيس المجلس النيابي نبيه بري بأنها “فضيحة سيادية”، في تعليق على حضور جبهة النصرة المسلح والكثيف، وما حصلت عليه من مكاسب نتيجة إنجاز الصفقة بنجاح.

الصفقة مع جبهة النصرة كانت انعكاسا لصفقة لم تنجز بعد مع حزب الله، ولم تكن الصفقة الرئيسية، بل أحد المفاعيل الهامشية لصفقة يعد لها حزب الله مع جبهة النصرة، بغية إطلاق سراح أسراه الثلاثة الذين وقعوا في قبضة الجبهة منذ فترة في حلب.

تسهيل إنجاز صفقة التبادل ما كان ليتم من قبل الحزب لولا إصرار النصرة على إنجازها قبل أن يبدأ البحث في موضوع أسرى حزب الله.

كلام الوزير المشنوق حمّال أوجه. عبارة عرسال المحتلة تكاد تقارب الوصف الذي يطلقه الحزب على هذه القرية منذ فترة، حيث دأبت آلته الإعلامية على تصوير هذه القرية بوصفها مصنع التكفير والإرهابيين. التوقيت الذي قال فيه المشنوق هذا الكلام يتزامن مع لحظة تسويات كان هو من أبرز المسوقين لها، لذا لا يمكن وضعه إلا في سياق التمهيد لها.

التنظيم الذي يحتل عرسال هو تنظيم إرهابي، ولكن لهذا التنظيم خصوصية سورية واضحة، وشبكة ارتباطات واسعة، تجلت في خارطة القوى التي تدخلت في صفقة العسكريين، والتي شملت تركيا والنظام السوري ودولة قطر وتركيا والدولة اللبنانية وحزب الله.

التفاهم مع جبهة النصرة بات إذن ممرّا إلزاميا للحلول ونضوج التسويات، وهذا ما يفسر الموقف الذي تلى وصف عرسال بالبلدة المحتلة، والقاضي بعدم التدخل تجنّبا للغرق في الجحيم السوري. الجبهة بدت كدولة مكتملة المعالم تعامل الأسرى لديها وفق القوانين المعترف بها دوليا، ولا تمارس التعذيب ولا الانتهاكات، لذا من المتوقع أن ينجح مسار إخراجها من تصنيف الإرهاب انسجاما مع منطق التسوية الذي يسود حاليا.

حزب الله يبقى مدرجا على لائحة الإرهاب، طريق الخروج منها يتطلب خروجه من سوريا والانخراط في نشاط مؤسسات الدولة اللبنانية، والقبول بتسويات يكون سلاحه فيها خارج المعادلة الداخلية في لبنان.

يسعى الحزب لتدبير شؤون العودة إلى لبنان عبر تسهيل التسويات القاضية بانتخاب سليمان فرنجيّة صديق الأسد والمنتمي إلى فريق 8 آذار رئيسا، وعودة الحريري إلى موقع رئاسة الحكومة. الأخبار التي وردت مؤخرا والتي تفيد بقرب عودة الحريري إلى البلاد بتاريخ الثامن أو التاسع من شهر ديسمبر الجاري، تقول إن طبخة التسوية باتت على النار.

اللعبة التي تجعل من هذه التسويات التي كانت في عداد المستحيلات منذ فترة قريبة ممكنة، تتعلق بالتحولات التي اتخذها مسار الحرب الدولية على الإرهاب. الأسد بات شريكا مقبولا فيها من قبل فرنسا، التي كانت قد عبّرت بعد الهجوم على مسرح باتاكلان، أن الأسد لم يعد الخطر الأول، ما مهّد لاعتباره شريكا ممكنا في الحرب على الإرهاب المقصود به تنظيم الدولة الإسلامية. الولايات المتحدة عبرت كذلك على لسان وزير خارجيتها جون كيري عن زوال التحفظ حول مشاركة النظام في الحرب ضد داعش، وخصوصا بعد الهجوم الإرهابي في كاليفورنيا الذي تبناه تنظيم داعش.

الشراكة في الحرب على الإرهاب التي قد تجمع النظام السوري والمعارضة السورية، يمكن أن تضم لاحقا جبهة النصرة بعد سقوط توصيف الإرهاب عنها، خصوصا بعد ظهور معلومات بيّنت أنها على طرف نقيض مع داعش.

تنظيم داعش حاول خطف العسكريين منها خلال فترة احتجازهم، وهو أمر لا يبدو مفهوما إلا في إطار التنازع الحاد والتناقض العقائدي بينها وبين داعش، بشكل يجعل من احتلالها لعرسال تحريرا أوليا للمنطقة التنظيم، قد يتلى لاحقا بانسحاب النصرة منها بعد سقوط مبرر وجودها هناك، إثر عودة حزب الله المتوقعة من سوريا.

هكذا تكون الطبخة الرئاسية في لبنان نتيجة لتحولات ملف الحرب على الإرهاب. سليمان فرنجية يستطيع بكل فخر وثقة أن يكون صديقا للأسد المقبول دوليا كشريك في الحرب على الإرهاب، حيث أن مشروعية الأسد المستجدة والمكتسبة سوف تنسحب على كامل فريق 8 آذار المتحالف معه، وخصوصا حزب الله.

العنوان السحري للحرب على الإرهاب الذي بات في لحظة قادرا على ضم التناقضات كلها تحت عباءته السحرية، يستطيع كذلك منح سعد الحريري حجة قوية في وجه المعترضين على موافقته المبدئية على ترشيح فرنجية، حيث أن هذا الترشيح يأتي في إطار شرعية دولية مبنية على أساس الحرب على الإرهاب.

سليمان فرنجية سيكون رئيس دخول الأسد في نادي الحرب على الإرهاب، وخروج النصرة من توصيف الإرهاب، وعودة حزب الله من سوريا.

عنوان الحرب على الإرهاب الذي تركب تسوية رئاسة فرنجية على موجته حاليا، أثبت أنه من السعة بمكان، حيث يمكن أن يحتضن شبكة تحولات وتناقضات واسعة دون أن يتداعى وينهار. ما يحدث الآن ليس سوى لحظة من لحظاته. هذه اللحظة محت وجوه وملامح مئات الآلاف من السوريين الذين قضى عليهم الأسد، وليس من المستبعد أن تنشأ لحظة أخرى تستطيع أن تمحو وجود أقليات وأكثريات ودول وخرائط بكاملها. مسألة انتخاب رئيس في لبنان ليست سوى أحد التداعيات الهامشية التي لا وزن لها لهذه اللحظة، وربما باتت ممكنة وقابلة للتحقق لهذا السبب تحديدا.

كاتب لبناني

8