جمعية كويتية تحارب الإدمان بالخطاب الروحي

جمعية بشائر الخير تتعامل مع أكثر من ألف حالة سنويا، وتصل إلى المدمنين في المستشفيات والسجون غالبا.
الثلاثاء 2024/10/08
الإدمان يمكن التعافي منه

الكويت - تسعى جمعية بشائر الخير الكويتية المتخصصة في مكافحة إدمان المخدرات وإعادة تأهيل المدمنين لنقل تجربتها، الممتدة لأكثر من 30 عاما، عربيا وعالميا، لتكون قوة تغيير إيجابي لمن يحتاجون إلى الدعم والمساعدة في معركتهم مع الإدمان.

وقال رئيس الجمعية الدكتور عبدالحميد البلالي في مقابلة مع رويترز إن إدمان المخدرات هو «أكبر مشكلة اجتماعية وأخلاقية في العالم كله وبسببها ينهار الشباب الذي هو أساس الحضارات».

وأضاف أن الجمعية التي تأسست في 1993 بعد فترة وجيزة من تحرير الكويت، حيث اتجه الجميع إلى إعادة بناء ما خلفه الاحتلال العراقي من خراب ودمار في المباني والطرق والمؤسسات، كان هدفها ولا يزال «بناء الإنسان».

وتقول الجمعية على موقعها على الإنترنت «نحن في جمعية بشائر الخير لا نبني المساجد، ولا نحفر الآبار، ولا نطبع المصاحف، وإن كانت هذه من أجل الأعمال الخيرية.. لكننا هنا نقوم على صناعة الإنسان، وإعادة ترميمه».

وعلى مدى سنوات، طورت الجمعية، التي نشأت كفكرة بين عدد من الشبان أصحاب الخبرات التربوية، نظرية مختلفة أسمتها «نظرية التحفيز الإيماني» وتعتمد على تنمية الوازع الديني لدى المدمنين لحثهم على الإقلاع عن الإدمان والانخراط في المجتمع من جديد تحت شعار «بالإيمان نقضي على الإدمان».

الجمعية، التي نشأت كفكرة بين عدد من الشبان أصحاب الخبرات التربوية، طورت نظرية مختلفة أسمتها "نظرية التحفيز الإيماني"

ويقول كويتي يبلغ من العمر (39 عاما) وطلب الإشارة إليه بالاسم المستعار أبوسعد إنه تعافى منذ نحو أربع سنوات بسبب تواصله مع الجمعية، بعد أن أدمن المخدرات نحو 16 عاما.

ويعمل أبوسعد حاليا موظفا حكوميا وتزوج مؤخرا وأنجب طفلة.

ويحكي أبوسعد عن تجربته مع المخدرات «أمي ترجتني كثيرا وبكت كثيرا وأقول لها لا أقدر على ترك المخدرات… صرت سارقا ودخلت السجن وكل الناس أصبحوا يخافون مني».

وأضاف «لم تعد عندي إنسانية. صرت منهارا ومنعزلا ولا شيء عندي سوى المخدرات، وصرت أفكر بالانتحار. أكثر من شخص يموت من التعاطي وأنا لا أهتم. سمعت عن بشائر الخير فذهبت إليهم… وأكثر شيء شجعني أني رأيت كل من حولي متعافين. فصار عندي أمل. ذهبت إلى العمرة والحج معهم ولم أدفع أيّ شيء. وبدأت أقرأ القرآن وأصلي وغيرت أصدقائي وحاليا صرت أنصح الناس (المدمنين) وبعضهم ترك الإدمان بسببي».

يقول البلالي الحاصل على درجة الدكتوراه في مجال مكافحة الإدمان من جامعة الجنان في طرابلس بلبنان، إن هذه النظرية لا ترتبط فقط بالإسلام «وإنما يمكن أن تطبّق على أيّ دين».

وأوضح أن الجمعية خلصت بعد تجارب إلى أن استخدام الخطاب القانوني الذي يركز على العقوبات، أو الخطاب العاطفي الذي يتمحور حول الأسرة، لم يكن فعالا مع المدمنين، «وعندما خاطبناهم بالخطاب الروحي والديني كنا نشعر بتأثير كبير عليهم، فطورنا طريقتنا: نحن نخاطب الروح».

بشائر الخير تتلقى تمويلها من المتبرعين والجهات الخيرية مثل بيت الزكاة والأمانة العامة للأوقاف

وأشار إلى أن هذه النظرية جاءت بنتائج ممتازة، إذ تبلغ نسبة الإقلاع عن الإدمان بين المتعاملين مع الجمعية نحو 75 في المئة «وهي نسبة كبيرة جدا مقارنة بالمستويات العالمية، كما أن نسبة الانتكاسة والعودة إلى الإدمان لا تتعدى 20 في المئة لدى الجمعية مقارنة بنسبة 95 في المئة عالميا».

وتتعامل الجمعية، التي يعمل بها نحو 40 موظفا و25 متطوعا، مع أكثر من ألف حالة سنويا، وتصل إلى المدمنين في المستشفيات والسجون غالبا، وتتابعهم وتتواصل معهم بعد قضاء عقوباتهم أو خروجهم من المستشفى، كما تستقبل كل من يطلب المساعدة في الإقلاع عن الإدمان أو تأتي به عائلته لذات الغرض.

وقال البلالي مستذكرا بدايات العمل «كان السؤال (حينها) ماذا نعمل ونحن لم نقابل مدمنا (في حياتنا) ولا نعرف عن الإدمان إلا ما رأيناه في الأفلام العربية.. اتفقنا أن نخوض البحر».

وأضاف «من خلال احتكاكنا اكتسبنا خبرة كبيرة جدا ليست موجودة بالكتب ولا بالمجلدات، خبرة عملية. (المدمنون) كذبوا علينا كثيرا ونصبوا علينا كثيرا، عملوا علينا مسرحيات وتمثيليات» من أجل الحصول على المال لشراء المخدرات.

وقال «عرفنا أن المدمن من أهم صفاته الكذب.. فلذلك كنا حذرين في التعامل معهم. ليس كل شيء (يقولونه) نصدقه، بعد ذلك دخلنا دورات علم نفس وقرأنا كتبا كثيرة».

وتقدم الجمعية سنويا المئات من المحاضرات في المدارس والجامعات، وتنتج برامج إعلامية مختلفة وتطبع الكتب والمطويات، وتنشط على وسائل التواصل الاجتماعي كما تدرب المؤثرين اجتماعيا مثل خطباء المساجد والمعلمين والإعلاميين لتوعيتهم بمخاطر المخدرات.

الجمعية استقبلت خلال السنوات الماضية وفودا للتعرف على أعمالها من كل دول الخليج وغالبية الدول العربية

وتنظم لقاءات فردية للمدمنين المتعافين، وتعمل على حل مشاكلهم المالية ومساعدتهم في الحصول على عمل مناسب، وتنظم لهم أنشطة رياضية وترفيهية ورحلات حج وعمرة وإفطارا جماعيا في شهر رمضان.

كما تجري دراسات مختلفة حول الإدمان والمدمنين وتتواصل مع الجهات الرسمية لاقتراح تغيير التشريعات، وعملت مع وزارة الداخلية على بناء «عنبر التائبين» في السجن للراغبين في الإقلاع، وهي تعمل فيه حاليا بالتعاون مع إدارة السجن.

وتتلقى بشائر الخير تمويلها من المتبرعين والجهات الخيرية مثل بيت الزكاة والأمانة العامة للأوقاف، لكنها تشكو من ضعف الموارد، بسبب غياب القناعة لدى الكثيرين بأهمية إعادة تأهيل المدمنين.

وقال البلالي الذي التقيناه في مكتبه البسيط في مبنى من طابق واحد في منطقة بيان (نحو 12 كيلومترا جنوب شرق العاصمة) «الناس للأسف ليس لديهم وعي بخطورة هذا الأمر.. إذا قلت لهم عن إنسان مهزوم يقولون لك تجاهله ودعه وشأنه».

وخلال السنوات الماضية استقبلت الجمعية وفودا للتعرف على أعمالها من كل دول الخليج وغالبية الدول العربية بالإضافة إلى تركيا وماليزيا وإيران وإندونيسيا والهند والفلبين والصين وبلجيكا وفرنسا وإيطاليا والسويد والدنمارك وروسيا وهولندا، بالإضافة إلى العديد من دول أفريقيا جنوب الصحراء.

وقال البلالي إن مؤسسات مشابهة نشأت في دول خليجية، والجمعية تعمل مع هذه المؤسسات من أجل التوأمة وتبادل الخبرات، كما دربت فرقا متطوعة في دول مثل سوريا ولبنان والمغرب واليمن وإيطاليا وسويسرا وهولندا.

يقول أبوسعد «حاليا إذا أعطوني مخدرات وزادوني معها المال، لن أقترب منها. لأنها هي الشيطان».

15